في ظلِّ أزمةٍ اقتصادية طاحنة، تزداد احتمالية إجراء مفاوضات بين حكومة فنزويلا والمعارضة بشكلٍ أقوى من أي وقتٍ مضى؛ حيث لا يرغب أيٌّ من اللاعبين الأساسيين في أن يظل على الهامش، فالاقتناع بأن الوضع الحالي لا يفيد أحداً أصبح أكثر وزناً، وقد دفع ذلك جميعَ الأطراف إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم؛ حيث السلطةُ التنفيذية الممثلة في حكومة نيكولاس مادورو، والتي اختنقت بسبب العقوبات، وانعزلت عن المجتمع الدولي؛ والمعارضة التي تم استبعادها بشكل شبه كامل عن الحياة السياسية الداخلية، بالإضافة إلى انخفاض معدلات شعبيتها.
وهنالك الشعب الفنزويلي، الذي غرق في أزمةٍ اقتصادية مدمرة؛ بسبب جائحة فيروس كورونا والاعتماد غير الرسمي على الدولار، بدلاً من العملة المحلية الذي حدث على مدار العام الماضي؛ ثم المجتمع الدولي، الذي أدرك أن سياسة فرض العقوبات وتوحيد الصفوف خلف قيادة خوان غوايدو، الذي اعترفوا به كرئيسٍ منتخب، قد فشلت في إحداث تأثير سلبي على سلطة الإدارة الحاكمة.
وقد فتح رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن منصبه، والذي كان في قلب استراتيجية كسر الحكومة الفنزويلية من خلال العقوبات الاقتصادية، نافذة جديدة من الفرص أمام التشافيزية، وهي الحركة السياسية التي تتبع أفكار الرئيس السابق هوجو تشافيز؛ حيث إن إدارة مادورو ليست في وضع سيئ في الداخل. كما سمح القرار الذي اتخذته المعارضة بعدم المشاركة في الانتخابات الأخيرة للتشافيزية، بإحكام قبضتها على السلطة، وإن كانت يداها وقدماها مقيدةً بوضعٍ اقتصادي غير قابل للاستمرار.
ويقول مايكل بنفولد، الذي يُدرِّس الاقتصاد السياسي والحكم في مركز ويلسون للأبحاث، إن شعبية غوايدو قد تراجعت، وكذلك قدرة المعارضة على حشد الناس؛ وهو الأمر الذي سمح للتشافيزية بتحقيقِ مكاسب في ما يتصل بالسيطرة المحلية والإقليمية.
ولا يفكر مادورو في خوض مجازفات سياسية؛ لكنه يدرك أيضاً حقيقة أنه لن يكون هناك رفع للعقوبات دون إحراز تقدم نحو عملية التحول الديمقراطي في فنزويلا. وقد قال مؤخراً: “أنا موافق، بمساعدة الحكومة النرويجية، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الاتصال (الدولية)، على الاجتماع بكل أطياف المعارضة، في الوقت والمكان والكيفية التي يريدونها”.وقد بدأت التحركات الأخيرة بقرع باب الرئيس الجديد في البيت الأبيض، جو بايدن. كما سمح مادورو بدخول المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى فنزويلا بعد عامٍ من المفاوضات، ومن بين إيماءاتٍ أخرى، قام بتخفيض عقوبة السجن إلى الإقامة الجبرية لستة مديرين تنفيذيين للنفط يحملون جنسية مزدوجة، كانوا قد سجنوا لمدة 3 سنوات. ويقول جيف رامزي، مدير شؤون فنزويلا في مكتب واشنطن المعني بأمريكا اللاتينية: “إن السؤال الكبير هنا هو كيف سيكون رد فعل إدارة بايدن”.
في الوقتِ نفسه، عيَّنت الجمعية الوطنية، التي يسيطر عليها النظام، مجلساً انتخابياً وطنياً جديداً، وهو الهيئة المسؤولة عن الإشراف على الشفافية في العمليات الانتخابية، ويتألف من 3 أعضاء محسوبين على التشافيزية، وعضوَين من المعارضة. ويقول المرشح الرئاسي السابق هنريك كابريليس: “إنه أفضل مجلس للانتخابات الرئاسية من وجهة نظر المعارضة منذ 22 عاماً”.
وقد وصفت وزارة الخارجية الإسبانية، والتي تراقب عن كثب وبنشاط جميع التحركات في فنزويلا، ذلك بأنه “خطوة أولى”. وبعد أيامٍ قليلة من أداء أعضائه الجدد اليمين الدستورية، دعا المجلس الوطني للانتخابات إلى إجراء انتخابات محلية وإقليمية في 21 نوفمبر.
والآن تتجه كل الأنظار إلى المعارضة، بعد أن أصبحت صور جميع قادة المعارضة المتحدين خلف شخصية غوايدو عندما تم تعيينه رئيساً لفنزويلا بالإنابة عام 2019، وهتفت له الحشود في شوارع كاراكاس بدعمٍ دولي كبير؛ ففي ذلك الوقت، قال 77% من الفنزويليين إنهم كانوا سيصوتون لغوايدو في الانتخابات، وهو العدد الذي ذكرت شركة “داتاناليس” لاستطلاعات الرأي، أنه انخفض في مارس إلى 11.4%.ويوضح خوسيه غريغوريو أوتشوا، وهو ناشط في منطقة كارابيتا الواقعة غرب كاراكاس، والتي كانت في السابق معقلاً للتشافيزية، الأولويات الحالية للسكان؛ حيث قال: “إن وضع الطعام على الطاولة والنجاة من جائحة كورونا هما الشاغلان الرئيسان للشعب”. وقد أدى تسارع التضخم المفرط وانتعاشه من خلال عملية التحول إلى التعامل بالدولار إلى توسيع فجوة عدم المساواة.
وبالإضافة إلى الكفاح اليومي لكسب المال لإطعام الأُسر؛ فهناك أيضاً الوباء، ولأول مرة في بلد لديه أكبر احتياطي نفطي في العالم، هناك ندرة في الوقود اللازم للمركبات والطهي. وبالتالي، فإن استراتيجية “الكل أو لا شيء” التي استخدمتها المعارضة والمجتمع الدولي ضد مادورو حتى الآن، من الممكن أن تتغير. وعلى سبيل المثال، فتح غوايدو الباب للتفاوض مع النظام.
يقول فريدي جيفارا، وهو واحد من الدائرة المقربة من غوايدو، الذي أقام أول جسر نحو الحوار مع ممثلي الحكومة عندما التقى فرانسيسكو توريالبا، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم في الجمعية الوطنية: “يجب محاولة القيام بذلك؛ ولكن مع كل ما يلزم من تشكك وعدم ثقة في الديكتاتورية”.أما استراتيجية العودة إلى المسار الانتخابي، التي يتم دفعها في المقام الأول بتأثير من كابريليس، وهي أيضاً ما تنشده مختلف القطاعات داخل فنزويلا؛ حيث تتوق إلى استعادة الأدوار السياسية التي تخلت عنها منذ عام 2019. وكذلك يبدو أن فكرة إمكانية هزيمة النظام بضربة واحدة قد تضاءلت على مدى العامَين الماضيَين، والشعور السائد الآن في فنزويلا وبين المجتمع الدولي هو أن العودة إلى المسار السياسي لكسب الأرض ضد التشافيزية خطوة بخطوة هو المخطط الأفضل.
ولعل مشاركة المجتمع الدولي كوسيطٍ في أية مفاوضات بين الحكومة والمعارضة وكمراقب للانتخابات؛ هي من العوامل الرئيسة في حل الأزمة. يقول بنفولد: “لقد كان دور المجتمع الدولي يشكل ضغطاً، والمعضلة الآن ليست ما إذا كانوا سيمارسون المزيد من الضغط أم لا، بل ما إذا كانوا سيشاركون من الأساس في هذه العملية”.
ففي الانتخابات التشريعية التي أُجريت في ديسمبر الماضي، ضغط الاتحاد الأوروبي لتأجيل الاقتراع؛ بسبب عدم وجود ضمانات، لكن حكومة مادورو عرقلت هذه الخطوة، ولم تحظ الانتخابات التي لم تشارك فيها المعارضة باعترافٍ دولي. وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت 70%. والآن، تعترف بعض الأصوات في أوروبا بأن هناك فرصة جديدة قد أُتيحت.
كيوبوست– ترجمات
إينيس سانتا يولاليا و فلورانتونيا سينجر♦
https://www.qposts.com/