تشغل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بالبيرو بال البيروفيين ومعهم دول المنطقة، لاسيما وأن المتنافسين يمثلان إيديولوجيتين متناقضتين ويقترحان نموذجين مختلفين للحكم يزينانهما بوعود يقولان إنها كفيلة بتخليص البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا.
فهاتين الايديولوجيتين يمثلهما كل من اليساري بيدرو كاستيو، الذي يرى أن بلاده في حاجة إلى "تغيير هيكلي" حتى لا يستمر ما يصفه ب "الاستقطاب"، وكيكو فوجيموري، التي تخوض السباق الرئاسي للمرة الثالثة وتؤكد أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون "مواجهة بين اقتصاد السوق والشيوعية".
زعيمة حزب "القوة الشعبية" اليميني أكدت أن مشروعها قادر على إخراج البلاد من "الوباء وإنعاش الاقتصاد" المعطل، ودعت منافسها إلى الكف عن "إثارة الفرقة والكراهية بين البيروفيين"، في حين وظف كاستيو قاموس اليسار وتحدث عن حملة انتخابية ستطبعها "منافسة بين الأغنياء والفقراء وبين البذخ والتسول" وأيضا عن "صراع بين السيد والعبد".
وبمجرد تصدرهما لنتائج الجولة الأولى، التي يرى فيها الكثير من البيروفيين أنها أسوء السيناريوهات السياسية لبلدهم، شرعا المرشحان في البحث عن حلفاء ودعم من الأحزاب السياسية الأخرى والجهات والأوساط الفاعلة في المجتمع. إلا أن انتخابات كهذه تتنافس فيها إيديولوجيتان مختلفتان لا تمر دون متابعة عن كتب من قبل قادة وساسة في المنطقة يميلون إلى هذا التيار أو ذاك.
"لقد خسرنا في الإكوادور، لكننا انتصرنا في البيرو"، قال الرئيس البوليفي الأسبق وزعيم "حركة نحو الاشتراكية"، إيفو موراليس، في تعليقه على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية البيروفية، ولفت إلى أن برنامج كاستيو يتشابه مع المعالم الرئيسة لمشروع حزبه السياسي الحاكم في بوليفيا.
فبهذه التصريحات أعرب موراليس، الذي حكم بوليفيا زهاء 14 سنة وكان يمني النفس بولاية رابعة تبقيه في الحكم، عن دعمه لمرشح حزب "بيرو ليبري" (بيرو حرة) اليساري المتطرف. وحتى يؤكد أن اليسار انتصر ذكر بأن كاستيو حصد أكبر عدد من الأصوات خلال الجولة الأولى من الاستحقاقات الرئاسية، التي أجريت في 11 أبريل الجاري.
فالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البيرو تزامنت مع الجولة الثانية في الإكوادور، وهي الاستحقاقات التي تابعتها عن كثب حكومات أمريكا اللاتينية سواء تلك المحسوبة على اليمين أو تلك التي تدور في فلك اليسار.
وعكس كل التوقعات، فاز اليميني غييرمو لاسو بالانتخابات الرئاسية بالإكوادور متقدما على منافسه أندريس آراوس، مرشح الرئيس الأسبق اليساري رفاييل كوريا، أحد مروجي اشتراكية القرن ال 21. وما هي إلا دقائق على إعلان فوز المصرفي السابق حتى بدأت تتقاطر عليه رسائل التهاني من رؤساء وزعماء يمينيين كان في مقدمتهم إيفان دوكي وسيباستيان بينييرا وماوريسيو ماكري وألفارو أوريبي وخوان غوايدو وهوراسيو رودريغيز لاريتا.
ورغم هذا الفوز رأى اليمين أنه غير كاف، في حين منى اليسار النفس بانتصار في بلد آخر ينسيه الهزيمة في الإكوادور والتقهقر في انتخابات حكام الجهات ببوليفيا لتصوب الأنظار نحو البيرو، وذلك بعد أن تأكد عبور كاستيو وفوجيموري إلى الجولة الثانية.
أما الرئيس الأوروغواياني خوسي موخيكا (2010-2015) فحث، في مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، البيروفيين على الوحدة لمنع فوجيموري من الوصول إلى السلطة، وطالب بدعم ما يعتبره الاقتراح "الأكثر تقدمية" ومواجهة "المعضلة الرهيبة المتمثلة في الوقوع في الفوجيمورية".
وأضاف موخيكا أنها "دعوة متواضعة من مقاتل اجتماعي" يرى أن مشكل اليسار "الأبدي" هو الانقسام "بسبب الأفكار" في وقت يتوحد فيه اليمين "من أجل المصالح". ولم ينس الرئيس الأوروغواياني النهل من معجم اليسار المفضل وهو يتحدث عن "المنسيين في المجتمع".
من جانبه، دعا النائب البوليفي رولاندو كويار زعيمة حزب "القوة الشعبية" إلى الترشح في اليابان في إشارة إلى الأصول اليابانية لوالدها، الذي يقضي حاليا عقوبة بالسجن لمدة 25 سنة لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكمه (1990-2000).
وفي ردها على هذه الأصوات، دعت كيكو فوجيموري رؤساء الدول اليساريين إلى عدم التدخل في الانتخابات البيروفية، وقالت "هذه حملة نحددها نحن البيروفيون. أطلب منكم احترام القرار الديمقراطي الذي ستتخذه بلادنا".
ولعل من بين الأصوات التي جهرت بدعمها لكيكو وربما فاجأت بعض المراقبين، كان الكاتب ماريو فارغاس يوسا الذي دعا علانية إلى التصويت لمرشحة حزب "القوة الشعبية"، وبرر دعوته واصطفافه إلى جانب نجلة الرئيس الأسبق فوجيموري بأنها تمثل "أهون الشرين".
وذكر فارغاس يوسا، في مقال رأي، بأنه "حارب بشكل منهجي الفوجيمورية"، لكن الآن "يتوجب على البيروفيين أن يصوتوا لصالح كيكو فوجيموري، لأنها تمثل أهون الشرين".
ويرى الحائز على جائزة نوبل للأدب لعام 2010، الذي ظل لعقود رافضا للفوجيمورية، أن كاستيو يقترح أفكارا تناقض بعضها البعض إذ يراه يساريا متطرفا في المجال الاقتصادي ويمينيا متطرفا في المجال الاجتماعي، وذكر بمواقفه في بعض القضايا كالإجهاض.
وشكك الكاتب البيروفي، الذي خاض السباق الانتخابي في 1990 وانهزم أمام ألبرتو فوجيموري، في مقترحات المرشح اليساري الاقتصادية، والتي تشمل تأميم الشركات والقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، واعتبر أنه إذا كان هذا هو المجتمع الذي يقترح كاستيو بناءه، "فمن الواضح أنه سيكون له كل خصائص المجتمع الشيوعي".
وحذر فارغاس يوسا من أن فوز مرشح "بيرو ليبري" سيعني "على الأرجح انقلابا عسكريا قصير المدى"، و"سيعيد البلاد إلى الوراء بوحشية وسيفقرها أكثر بكثير مما هي عليه".
أمام هذا الوضع، أعربت البيرو من خلال وزارة العلاقات الخارجية عن قلقها إزاء الآراء التي يدلي بها مواطنون أجانب بشأن العملية الانتخابية الجارية في البلاد، واعتبرت ذلك "تدخلا واضحا في الشؤون الداخلية". كما شددت الوزارة على ضرورة حماية حق المواطنين في المشاركة بحرية في الجولة الثانية من الانتخابات.
25/04/2021
https://www.mapnews.ma/