02/12/2020
د. سعيد بنبوكر
باحث متخصص في الشؤون الإيبيروأمريكية
مرصد أمريكا اللاتينية
من المعلوم أن العلاقات المغربية الأرجنتينية التي انطلقت منذ سنة 1960، تتميز بالتنوع على عدة مستويات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو ثقافية، غير أن ظهور جائحة كوفيد-19 وانتشارها عبر أرجاء العالم لم يأثر فقط على العلاقات الثنائية بين المغرب والأرجنتين ولكن أيضا على العلاقات الدولية بصفة عامة في كثير من المجالات، وذلك باعتبار تشعب العلاقات الدولية وغناها من جهة، وتعدد أشكال ومستويات التأثير حسب طبيعة كل مجال من هذه العلاقات من جهة أخرى.
فقد أثرت هذه الجائحة بشكل سلبي على العلاقات السياسية خصوصا التبادل المباشر ما بين السياسيين والبرلمانيين والمسؤولين الحكوميين لكلا البلدين، مع تسجيل تأثير إيجابي يتعلق بالارتفاع في المبادلات التجارية من الجانب الارجنتيني.
فعلى المستوى السياسي تزامنت تقريبا رئاسة ألبرتو فيرنانديث للأرجنتين مع انتشار جائحة كورونا عبر العالم وبالتالي لم نعرف التوجهات السياسية الجديدة لهذا الرئيس، رغم أن بلاده منفتحة على المغرب كحليف استراتيجي في شمال إفريقيا.
إن التقشف الاقتصادي الذي ضرب الأرجنتين لمدة تزيد عن سنتين، ازدادت حدته بشكل أكبر بسبب جائحة كوفيد-19 التي تسببت في وفاة حوالي 38.473 شخصا حسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة بتاريخ 30 نونبر 2020، وذلك منذ بداية الأزمة الصحية في هذا البلد الجنوب أمريكي.
وقد دفع هذا الوباء بالعديد من الدول إلى إعطاء الأولوية إلى التزود بالمواد الغذائية والبحث عن بديل للتجارة الدولية. وهكذا رأت الأرجنتين في المغرب، بالإضافة إلى بعض دول شمال إفريقيا مثل تونس والجزائر ومصر، فرصة لتصدير منتوجاتها وخصوصا الزراعية منها، وذلك لمواجهة أزمتها الحالية المتمثلة في تراكم ديونها السيادية الخارجية وتوفير العملة الصعبة حتى لا تعود للاقتراض مرة أخرى من المؤسسات المالية الدولية.
فقد بلغت الديون السيادية الخارجية للأرجنتين في نهاية 2019 حوالي 323 مليار دولار، وخلال شهر غشت الماضي، تمكنت الحكومة الأرجنتينية من إعادة برمجة ديونها مع الأبناك الخارجية بما قيمته 65 مليار دولار.
وبالرغم من تأثير أزمة كوفيد-19 على جل الاقتصادات والمبادلات العالمية، فقد عرفت المبادلات التجارية بين المغرب والأرجنتين دفعة قوية، وذلك باعتبار أن المغرب إحدى الأسواق الواعدة التي ستمكن على المدى القريب من الرفع من تدفق العملة الصعبة إلى الخزينة الأرجنتينية من خلال الصادرات من المنتجات الغذائية والفلاحية. ويبين الجدول أسفله حجم التبادل التجاري الثنائي بين المغرب والأرجنتين خلال الفترة الممتدة ما بين شهر مارس 2020 تاريخ بداية انتشار الجائحة بالمغرب والأرجنتين إلى غاية يونيو 2020، ومقارنته بنفس الفترة من سنة 2019.
ويلاحظ من خلال هذه المعطيات أن المغرب استورد من الأرجنتين ما قيمته 2607 مليون درهم خلال الأشهر المذكورة، أي بزيادة قدرها %31,86 مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019، أما فيما يخص الصادرات نحو الأرجنتين فقد عرفت تراجعا بنسبة %27,97- خلال نفس الفترة دائما.
كما يتبين أيضا أن الميزان التجاري المغربي قد سجل عجزا خلال هذه المدة وصل إلى 1827 مليون درهم وهو ما كان له تأثيرٌ مباشرٌ على نسبة تغطية الصادرات للواردات، حيث وصلت إلى نسبة 29,92%، الشيء الذي كان له تأثير واضح على المبادلات التجارية للمغرب مع الأرجنتين.
ومن أهم المنتجات التي استوردها المغرب من الأرجنتين خلال الثلاثة أشهر الأولى من بداية أزمة كوفيد-19 الذرة وزيت الصوجا والعسل والسيارات النفعية والأدوية والمواد الصيدلانية وغاز البترول والمحركات. أما أهم المنتجات التي صّدرها المغرب نحو الأرجنتين في نفس الفترة (من مارس إلى غاية يونيو 2020) والتي تجاوزت قيمتها المليون درهم فهي الفوسفاط والأسمدة الطبيعية والكيماوية وسلفات الباريوم وقطع الغيار الخاصة بالسيارات.
وحري بالذكر أن الموانئ المغربية والنقل البحري لم يتوقف عن النشاط خلال الفترة الأولى من الحجر الصحي الكامل، حيث كانا يعملان بشكل مستمر من أجل مسايرة عمليات الاستيراد والتصدير والمسافنة (transbordo). وخلال شهر أكتوبر الماضي، عقد السفير المغربي المعتمد في العاصمة الأرجنتنية بوينوس آيرس مع الكاتب العام للعلاقات الاقتصادية الدولية في الأرجنتين اجتماعا للتباحث حول التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وحول الآليات والتدابير الممكن اتخاذها من أجل إعطاء دينامية جديدة للعلاقات الثنائية.
واعتبارا لما يمثله كل بلد بالنسبة للآخر في إطار العلاقة التلازمية الثنائية التي ترمي إلى توسيع قاعدة الانفتاح الاقتصادي والتجاري المتبادل أفقيا وعموديا، حيث تشكل الأرجنتين بالنسبة للمملكة المغربية إحدى أهم الدول التي تراهن عليها المملكة في المنطقة سواء في علاقاتها السياسية أو الاقتصادية أو التجارية أو الثقافية، بينما تشكل المملكة المغربية بالنسبة للأرجنتين البوابة الاستراتيجية نحو السوق الأوربية شمالا والسوق الإفريقية الغنية بمواردها الطبيعية والبشرية جنوبا، علاوة على الاستقرار السياسي والأمني الداخلي والمناخ الاقتصادي الملائم.
كما أن التسهيلات التي توفرها المملكة المغربية لشركائها الاقتصاديين من أجل تشجيعهم على الاستثمار، يفتح أمام التجارة الخارجية الأرجنتينية فرصا لتوطين عدد من استثماراتها بالمملكة لتأخذ وجهتها نحو التصدير باتجاه أوربا وإفريقيا بأقل تكلفة وأكثر مردودية.
ولعل كل ما سبق يدفع كلا البلدين إلى التشبث بهذه العلاقات في وجه هذه الجائحة، بل والتفكير في تعميق الروابط القائمة المتبادلة وتنويعها ومضاعفتها سواء في ظل الجائحة أو ما بعدها.