المغرب والأرجنتين: شراكة نموذجية لدعم التعاون جنوب – جنوب

السبت, 08 تموز/يوليو 2017 10:37

 

08/07/2017

تعكس زيارة نائبة رئيس جمهورية الأرجنتين غابرييلا ميكتي للمغرب خلال الأيام المقبلة تلك الحركية المتميزة في العلاقات الثنائية التي تجمع بين المغرب والأرجنتين، وتقدم نموذجا للتفاهم في إطار التعاون جنوب-جنوب، فهي زيارة تأكد من جهة على استمرار التواصل الدبلوماسي على أعلى المستويات بين البلدين، وتفتح من جهة أخرى آفاقا أوسع نحو تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية.

 

• علاقات متميزة لخدمة المصالح المشتركة

 

شكلت الأرجنتين منذ انطلاق العلاقات الدبلوماسية الثنائية سنة 1960 الوجهة الأولى للدبلوماسية المغربية نحو دول أمريكا اللاتينية، كما أن الحكومات الأرجنتينية المتعاقبة تعتبر المغرب محاورا أساسيا في المنطقة العربية وإفريقيا، ولا يخرج ماوريسيو ماكري الرئيس الحالي للأرجنتين عن هذا التوجه في السياسة الخارجية لبلاده، ويمكن القول أن هذه الحركية الدبلوماسية ترجع إلى التفاهم السياسي الحاصل بين كلا الطرفين.
فتطابق وجهات النظر السياسية حول القضايا الإقليمية والدولية بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم توج بالزيارة التي قام بها هذا الأخير للرباط في يونيو 1996، كما أن زيارة الملك محمد السادس للعاصمة بوينس آيرس في دجنبر 2004 بدعوة من الرئيس الأرجنتيني الراحل نيستور كيرشنير أعطت دينامية إضافية للحوار الثنائي.
ويعتبر تبادل الدعم حول القضايا الترابية بكلا البلدين جزءا مهما من هذا التفاهم السياسي، فلم يسبق للأرجنتين أن اعترفت بالجمهورية الصحراوية المزعومة، كما أن المغرب من جهته يدعم بشكل مستمر التسوية السلمية لقضية جزر المالوين والفضاءات البحرية المجاورة للأرجنتين المتنازع حولها مع إنجلترا.
كما يجمع المغرب والأرجنتين تفاهم سياسي حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث تعتبر الأرجنتين من أوائل الدول في أمريكا اللاتينية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة وتدعم الحل العادل لهذه القضية، ويتقاسم البلدان كذلك تطلعاتهما في إصلاح هيئة الأمم المتحدة وتقوية التمثيلية الديمقراطية للمؤسسات الدولية.
ويزيد من دعم هذا التفاهم السياسي ذلك التراث الحضاري الأندلسي المشترك الذي يربط المغرب بالأرجنتين وباقي دول أمريكا اللاتينية ويساهم في التقريب بين شعوب الجانبين.
وعلى المستوى الاقتصادي والتجاري، تعتبر الأرجنتين الشريك التجاري الثاني للمغرب في منطقة أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، حيث تبلغ نسبة المبادلات التجارية مع الأرجنتين 24% من مجموع المبادلات الخارجية للمغرب مع دول تلك المنطقة حسب إحصائيات سنة 2016، وبالنسبة للأرجنتين يعتبر المغرب شريكا تجاريا مهما تحقق معه فائضا ملحوظا في الميزان التجاري.
وقد عرفت المبدلات التجارية الثنائية ارتفاعا متزايدا خلال العقد الأخير رغم تواضعها، بحيث بلغت نسبة الصادرات الأرجنتينية نحو المغرب حوالي 446.5 مليون دولار سنة 2016، ورغم أن المغرب يحتل المركز الثالث على مستوى الدول العربية المصدرة نحو الأرجنتين إلا ان صادراته مازالت ضعيفة وإن كانت تعرف تطورا مستمرا مقارنة بالسنوات الماضية فقد وصلت خلال سنة 2016 إلى 113.5 مليون دولار حسب قاعدة معطيات مركز التجارة الدولي للأمم المتحدة والمنظمة العالمية للتجارة.
وتتشكل الواردات المغربية أساسا من الذرة والحبوب بنسبة 46%، أما الصادرات المغربية نحو الأرجنتين فهي تتركز حول الفوسفاط ومشتقاته بنسبة تتجاوز 90% حسب إحصائيات سنة 2016، ويتوفر المجمع الشريف للفوسفاط على مكتب ببوينس أيرس أحدثه من أجل رفع صادراته والتقرب من زبنائه بالسوق الأرجنتينية.
وتشكل زيارة نائبة رئيس الأرجنتين للمغرب فرصة لتقوية العلاقات التجارية وإشراك الفاعلين من القطاع الخاص، بحيث يرافق نائبة الرئيس وفد هام من رجال الأعمال لاستكشاف الفرص الممكنة للولوج بشكل أكبر للسوق المغربية، وتعتبر الزراعة والصيدلة من بين القطاعات التي تحظى باهتمام متزايد من جانب الأرجنتين، ويمكن للجنة الثنائية المشتركة المغربية-الأرجنتينية التي أنشأت سنة 1993 أن تقدم اقتراحات نوعية بهدف تقوية الإطار القانوني للتعاون في هذه القطاعات بين كلا البلدين.
وتجدر الإشارة إلى أن نائبة رئيس الجمهورية تشغل منصب رئيسة مجلس الشيوخ طبقا لأحكام المادة 57 من الدستور الأرجنتيني، وهو ما سيعطى دفعة جديدة للعلاقات البرلمانية الثنائية وسيفتح آفاقا لدعم التقارب بين ممثلي الشعبين في كلا المؤسستين التشريعيتين المغربية والأرجنتينية.

 

• علاقات ثنائية قوية لدعم التعاون جنوب – جنوب

 

وعلى مستوى آخر، تترأس الأرجنتين حليا التجمع الاقتصادي لدول السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية المعروف بالمركوسور والذي يضم كلا من البرازيل والأوروغواي والباراغواي بالإضافة إلى الأرجنتين (تم تعليق عضوية فنزويلا مؤخرا)، وتسعى بوينس أيرس كذلك من هذه الزيارة إلى إعطاء دفعة جديدة لعلاقات التعاون مع الرباط.
فقد وقع المغرب في نونبر 2004 على اتفاق إطار للتعاون التجاري مع المركوسور دخل حيز التنفيذ سنة 2010، ويضع هذا الاتفاق الأسس الأولية نحو إبرام اتفاق تفضيلي ثابت مع المغرب بهدف زيادة التدفقات التجارية في أفق إبرام اتفاقية للتبادل الحر بين كلا الجانبين.
وعلى صعيد آخر، يساهم التقارب الحاصل بين المغرب والأرجنتين في دعم المبادرة التي أطلقت سنة 2004 لتسهيل حركة التبادل التجاري ودعم التنسيق السياسي والحوار الثقافي بين 34 بلدا من العالم العربي وأمريكا الجنوبية في إطار التعاون جنوب- جنوب. فقد عقدت أربع قمم للتقارب بين الجانبين ولعب المغرب دورا مهما في هذا التقارب من خلال احتضانه للاجتماع التحضيري الأول لقمة رؤساء الدول والحكومات (الأسبا-ASPA)، وقد عقدت لحد الساعة أربع قمم كانت القمة الأولى بالبرازيل سنة 2005 والثانية سنة 2009 بقطر، وعقدت القمة الثالثة بالبيرو سنة 2012 والرابعة في السعودية سنة 2015.
كما أن محورية الفضاء الإفريقي في السياسة الخارجية المغربية يزيد من فرص التعاون والتنسيق مع الأرجنتين فكلا البلدان ينشطان داخل قمة إفريقيا وأمريكا الجنوبية (أسا-ASA) ويتطلعان إلى رفع مستويات التعاون جنوب-جنوب. أضف إلى ذلك أن الحضور الدبلوماسي المكثف للمغرب داخل التنظيمات الجهوية والقارية في أمريكا اللاتينية يساهم في تموقعه كمحاور مميز داخل القارة الإفريقية.

ويعتبر بدون الشك النموذج المغربي في الاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي عامل جلب للدبلوماسية الأرجنتينية الرامية إلى تنويع شركائها في المنطقة العربية والقارة الإفريقية وتوفير ظروف أحسن لتحقيق تعاون أشمل بين مناطق جغرافية واعدة.

 

 

 

قراءة 1703 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)