المغرب والسلفادور: توقُّع تعُّذر إقامة علاقات ديبلوماسية خلال الفترة [2014 / 2019]

الجمعة, 16 أيار 2014 09:22

بعد فوزه بمنصبه الجديد، رئيسا لجمهورية السلفادور، لعهدة رئاسية تمتد من 2014 إلى 2019، سيقوم سانشيز سيرين سلفادور، الحاكم الجديد للسلفادور، بحسب التوقعات المنظورة، بالاستمرار بالإعتراف بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية"، المُعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة، تماما كما تم الاعتراف بها سنة 1989، إبَّان رئاسة البلاد من طرف فليكس الفريدو كريستيان بوركارد (1989-1994) ما لم تُقنع الديبلوماسية المغربية، طيلة السنوات الأربع المقبلة، جمهورية السلفادور، بأخذ مواقف متوازنة واعتدالية من النزاع، و ذلك بالالتزام بالحياد، بدلا من الانحياز.
هذا الحُكم الصادر فقط بُعيد انتخاب الرئاسة الجديدة لجمهورية السلفادور له مبرارته، إيمانا بأنَّ العلاقات الدولية ليست تكهنات وإنَّما توقعات يَتِمُ استشرافها باستقراء العديد من المُعطيات الدالة. فالرئيس الجديد، سانشيز سيرين سلفادور، يُعد، بحسب خصومه، مُتشبعا بالفلسفة الاشتراكية الفنزويلية للراحل هوغو شافيز وبعقيدة الإخوة كاسترو الكوبية، وزعيما تحرريا وثوريا سابقا بجبهة التحرير الوطنية بالسلفادور، ما يُفسر توقع امكانية ميلان إلى تنبيه لموقفه من نزاع الصحراء طبقا لمواقف كوبا وفنزويلا، أو امكانية تأثره بمواقفها من نزاع الصحراء، نظرا تطابق مرجعيتهم الأيديولوجية و سياستهم الخارجية و مواقفهم من النزاعات الدولية.
فهذه النزوعات والولاءات والتطابقات، تُزكي جلية، توقعات استمرار سانشيز سيرين سلفادور، رئيس السلفادور الجديد، بنهج سياسة سلفه، وذلك بالحفاظ على الاعتراف بذات "الجمهورية الصحراوية"، خدمة لمصالح السالفادور أولا وأخيرا. أمَّا اعترافها، بالمُناسبة، بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية"، تحت مُبرر دعم الشعوب في تقرير مصيرها، فيُعد، بالعودة إلى الأعراف الدولية، اعترافا شاملا، بحيث تُقيم جمهورية السلفادور، شكليا وعمليا، علاقات ديبلوماسية مع ذات "الجمهورية"، و"مُمثلها" بهذا البلد يقوم بلقاء وزير خارجيتها ويتباحث مع برلمانييها ويُبرم الاتفاقيات معها، كما لو كانت دولة قائمة الذات.
أمَّا المُفارقة بامتياز بقرار السلفادور الاعتراف بجمهورية غير موجودة أصلا - بالرغم من أن قرارها بالاعتراف يعتبر قرارا سياديا و بالرغم من اختلافنا معها وتقاطع قراءاتنا وتفاوت مقاربتنا للنزاع - فهو أن السلفادور تُعتبر أقرب الجمهوريات بأمريكا اللاتينية فهما ووعيا لمعنى وحدة الدول وسيادتها الترابية، إلا أنَّها لم تقم بالحفاظ على مسافة من الأطراف المتنازعة، كما لم تقم كذلك بمعاملتهم بقدم المساواة، كما هو مطلوب أخلاقيا ومبدئيا بهكذا نزاعات، وذلك لعدم تبنيها لمواقف اعتدالية ومتوازنة، وقيامها بموقفها، بانحيازها لصالح طرف على حساب الآخر، بدلا من التزامها الحيادية ما دام الأمر يتعلق بنزاع بين أطراف.
فالسلفادور عانت الكثير من حرب أهلية كادت أن تعصف بوحدتها، لولا الوساطة الاقليمية والأممية. فمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ألفارو دي سوتو، الوسيط السابق بنزاع الصحراء، نفسه من لعب دورا رئيسا بوضع الحرب أوزارها بالبلاد، انطلاقا من اشرافه على مفاوضات بين حكومة السلفادور و"جبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير"، عام 1990، سنة بعد الاعتراف. مفاوضات حقَّقت التزامات باحترام حقوق الإنسان بالسلفادور وإقامة العدالة والاقرار بحقيقة الانتهاكات وإعطاء تعويضات عن الأعطاب وتحقيق لوقف إطلاق النار، وبالنهاية، إصدار العفو العام وتوقيع اتفاقية السلام بالمكسيك عام 1992.
أمَّا بالنسبة للإعتراف المُنتزع سنة 1989، إبَّان مرحلة تاريخية فاصلة، سقوط جدار برلين وانتهاء الثنائية القطبية، فقد تم تعليقه سنة 1997، إبَّان رئاسة البلاد من طرف صول كالديرون أرماندو (1994-1999)، وقد كان انتمائه السياسي بالمناسبة والمفارقة بذات الوقت، لذات الحزب السياسي المُعترف بذات "الجمهورية الصحراوية"، حزب "ائتلاف الجمهورية القومية"، إلا أنَّ السلفادور أعادت الاعتراف عام 2009، إبَّان رئاسة كارلوس ماوريسيو فونيس كارتاخينا (2009/2014) المُنتهية ولايتها للتو، من دون أية تحفظات مبدئية أو احتياطات شكلية أو أدبيات أخلاقية أو أعراف الاعتراف المُتعارف عليها بِالقانون الدولي العام.
فما دامت السلفادور قد اعترفت؛ ثم علقت الاعتراف؛ ثم اعترفت من جديد، فهذا معناه أنه ليست لها سياسة دولة متعلقة بالنزاعات الدولية، وإنَّما مواقفها خاضعة للحكومات وألوانها السياسية، إلا أنه بانحيازها هذا، تعترف بتنظيم مسلح معلن من جانب واحد وفاقد للشرعية الدولية وعديم السيادة الشعبية والاقليمية، ومُفتقر للشخصية القانونية وغير مستف لشروط الاعتراف به وفقا لقواعد القانون الدولي العام، وذلك خِلافا تماما لوصية رومولو ارنستو بتانكور، الرئيس السابق لفنزويلا، عندما دعا حكومات أمريكا اللاتينية بعدم الاعتراف بالميليشيات المسلحة المنتهكة لحقوق الإنسان والكيانات غير المنبثقة من اقتراعات حرة ونزيهة.
فبناء على هذا الواقع، فالسلفادور تعترف بتنظيم مسلح، بغير الاستناد إلى التشريعات القانونية، ما يتناقض مع التزاماتها الدولية وتعهداتها الأممية. كما أنها تقر، زعما، بإقامتها لعلاقات ديبلوماسية مع هذا التنظيم، بوجود دولة قائمة الذات وكأنها تتمتع بمواصفات الدولة ومقوماتها كاملة؛ وذلك خلافا للقواعد الدولية المتعارف عليها، ومُؤثرة بذلك على مجريات التسوية الأممية القائمة، وذلك بانحيازها لصالح النزعة الانفصالية بجنوب المغرب. أمَّا اليوم، فكفة النزاع بأمريكا اللاتينية تنتصر للشرعية الدولية، وموقع المغرب بذات القارة يتعزز يوما بعد يوم، وذلك بنجاح استراتيجية سياساته الديبلوماسية المخصصة للمنطقة.
أمَّا توجسات الأطراف المناوئة للمغرب بأمريكا اللاتينية فلها أسبابها. أولها، تزايد تأكيد شرعية المغرب دوليا يوما بعد يوم. ثانيا، ارتفاع انخراطه بوثيرة سريعة، بالعديد من التكتلات الاقليمية بأمريكا اللاتينية، بصفة ملاحظ، وذلك خدمة لغايات وأهداف استراتيجية مستقبلية. ثالثا، سحب أو تجميد أو تعليق الكثير من الجمهوريات الأمريكية-اللاتينية باعترافها بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية" لعدم توفرها على الحدود الدنيا لشروط الاعتراف بها، وتيسيرا للأمم المتحدة لتسوية سياسية نهائية للملف. رابعا، اندثار الطروحات الانفصالية سيَّما بعد سنة 2007، وأخيرا توار نفوذ التحالفات المناوئة للمغرب وفتور تأثيرها.
إن توقُّع تعُّذر إقامة علاقات ديبلوماسية بين المغرب والسلفادور خلال الفترة [2014 / 2019] ليس تبريرا لعدم أداء الديبلوماسية لمهامها. فالأخيرة يستوجب عليها، بجميع روافدها، خاصة الديبلوماسية المؤسساتية ونظيرتها الحزبية، سيَّما ذات المرجعية اليسارية والتقدمية المنتمية للأممية الاشتراكية، التوجه صوب جمهورية السلفادور، بهدف تنبيهها إلى انحيازها بقرارها الاعتراف بكيان غير معترف به أمميا، ومطالبتها بتبني الحياد ودعمها الشرعية الدولية. فما دامت جمهورية السلفادور اعترفت، بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية" ثم سحبت الاعتراف بها، ثم أعادت الاعتراف بها، بمعناه أنها مُترددة بقرارتها السيادية.
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع العلاقات المغربية-الإسبانية و العلاقات المغربية-الأمريكية اللاتينية

 

قراءة 1658 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)