المغرب و كوستاريكا: ضرورة الإسراع بالارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات العلاقات الديبلوماسية

الإثنين, 05 أيار 2014 08:14

بانتخاب جمهورية كوستاريكا لرئيس جديد لها، هو لويس غييرمو سوليس ريفيرا، لولاية رئاسية من أربعة سنوات تمتد إلى غاية 2018، و قيام الملك محمد السادس ببعث برقية تهنئه للرئيس الجديد بمناسبة فوزه، و اعرابه عن حرصه على مزيد من تقوية العلاقات الثنائية بين المغرب وكوستاريكا بمختلف المجالات، سيَّما الاقتصادية منها، يتجدَّد بسط التساؤلات المستقبلية المتعلقة بإمكانية تطور مستويات العلاقة الثنائية بين المغرب و كوستاريكا.
استشراف امكانيات تطور أو احتمالات تدهور العلاقة بين المغرب و كوستاريكا يعد بالعملية الغير السهلة، نظرا لقلة الروابط الجامعة بين المغرب وكوستاريكا، إلا أنه بالنظر إلى العديد من المؤشرات، يمكن التنبؤ بمستقبلها. فعدم دعوة جبهة "البوليساريو" الانفصالية المُتنازعة مع المغرب، لحضور مراسيم تنصيب الرئيس الجديد، يُعد إشارة ايجابية وقوية يجب استثمارها من طرف ديبلوماسية الرباط ورسالة مُطمئنة يجب توظيفها وذلك باتخاذ المبادرة.
لماذا على الديبلوماسية المغربية الاسراع باتخاذ زمام المبادرة تُجاه كوستاريكا؟ لسبب بسيط، وهو أنَّ جبهة "البوليساريو"، المسنودة من طرف الجزائر، قد تقوم بتكرار سيناريو مطالبة برلمان التشيلي الاعتراف بما تصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية"، مُستغلة بذلك موقع ضعف الرئيس الجديد بالمؤسسة البرلمانية وعدم تمتع حزبه "العمل المواطن" بأغلبية النواب، ما قد يدفعه إلى احراج من طرف المعارضة ذات الأغلبية النيابية ببرلمان كوستاريكا.
فعمليا الرئيس لويس غييرمو سوليس ريفيرا، الحاكم الجديد لجمهورية كوستاريكا لمدة أربعة سنوات المُقبلة، سيحكم البلاد محكوما ببرلمان يمتلك فيه حزب "الوحدة"، بمرجعية اشتراكية وديموقراطية، الأغلبية، بما مجموعه 18 مقعد من 57، بينما حزب الرئيس "العمل المواطن"، بمرجعية طليعية وتقدمية، يملك 13 مقعد وحزب "الجبهة الواسعة" (يسار) يملك 9 مقاعد، أما الاصوات المتبقية، فموزعة بين مختلف الأطياف السياسية.
لهذه الاعتبارات يستوجب على الديبلوماسية المغربية، بجميع مكوناتها، المؤسساتية والبرلمانية والحزبية والشعبية، التحرك بكوستاريكا، بالتوقيت المُناسب والكيفية المُناسبة، لربط علاقات واجراء اتصالات بهذا البلد بهدف استمالته، بعدما تم تحييده سابقا، سيَّما وأنَّ كوستاريكا كانت قد اعترفت بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية" سنة 1980، إلا أنها قامت باستدراك خطيئتها وقامت بذلك بسحب ذات الاعتراف سنة 2000.
ضرورة تحرك الديبلوماسية المغربية
فالديبلوماسية المؤسساتية المغربية مُطالبة بالمبادرة بفتح مفاوضات مع كوستاريكا بشأن فتح سفارة معتمدة ومقيمة لها بالمغرب، بدلا من سفارة متمركزة بإسبانيا، كما يجب فتح سفارة للمغرب بكوستاريكا، بدلا من الحاقها بسفارة غواتيمالا. لماذا؟ لأن كوستاريكا اليوم ديموقراطية منذ 1950 ودولة ناهضة بكافة المجالات وقوة اقليمية فاعلة ودولة مستقرة بوسط بيئة اقليمية غير مستقرة كفاية، ودولة متقدمة بسلم مؤشر التنمية البشرية.
الديبلوماسية المُطالبة بالتحرك أكثر صوب كوستاريكا، ليست غير الديبلوماسية البرلمانية. فالأخيرة مُطالبة بالتوجه نحو كوستاريكا، لشرح وجهة نظر المغرب وموقفه من وحدته الترابية، لمجموعة الصداقة النيابية المغرب – كوستاريكا وللنواب والساسة وصناع القرار بهذه الجمهورية، واطلاعهم على الوضع بالصحراء وتعريفهم بمبادرة الحكم الذاتي واقناعهم على أنها نوع من أنواع تقرير المصير الكثيرة واقناعها بدعمهم للشرعية الدولية.
إلا أن الاستفهام الكبير والمطروح بقوة، هو كيف لدولة غير عسكرية ككوستاريكا، الاعتراف بميليشيات عسكرية كجبهة "البوليساريو" المُسلحة ؟ فكوستاريكا، للتذكير، تخلصت من جيشها منذ مدة طويلة، وتعتبر دولة تؤمن بالحوار والمفاوضة، سيَّما وأنها ساهمت بوساطتها في عقد اتفاقية سلام بين السلفادور وجبهة تحريرها الوطنية أدت إلى انهاء الخلاف بينهما، وتعتبر دولة عانت من ويلات الحروب الأهلية سنة 1949 إبان فترة الديكتاتورية.
ضرورة العلاقات الديبلوماسية
فبالرغم من أن كوستاريكا سحبت اعترافها بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية"، فإنَّها وفقا لكلمتها باللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، لعام 2013، تتبنى موفقا مغلوطا ومخالف لمهمات البعثة الأممية "المينورسو"، بحيث تعتبر بذات الكلمة: "إننا نؤكد على ضرورة قيام بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية برصد ومراقبة حقوق الإنسان في كل من الصحراء الغربية وفي مخيمات تندوف، وذلك كجزء من تفويضها".
فبالإضافة إلى الفهم المغلوط لمهام بعثة المينورسو الأممية، فكوستاريكا تعتبر، بالجهة المقابلة، بأنَّ "التسوية ينبغي أن تتم صياغتها وفقا لمبادئ وأحكام القانون الدولي لا سيَّما تلك التي تحكم عملية تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة"، خاصة "قرارات الجمعية العامة ( XV ) 1514 و ( XV ) 1541 ، التي تنص على حق إجراء استفتاء تقرير مصير الشعوب، يتضمن خيار الاستقلال أو الحكم الذاتي أو الاندماج"، بحسب ذات الكلمة.
إلا أنها تعتبر، تداركا لموقفها المغلوط من مهمة المينورسو، بأنَّ "حق تقرير المصير يجب أن يمارس في إطار ديمقراطي مع الاحترام الكامل لحقوق الانسان ووحدة الدول وفي إطار السلم." مثلما "تدافع وتشجع على احترام حقوق الإنسان دون استثناء أو معايير مزدوجة" و "تدعو لتسوية عادلة ودائمة وديمقراطية ومقبولة من طرف جميع الأطراف المعنية بالصحراء الغربية، طبقا لقرارات التسوية الأممية المنطلقة منذ عام 2007.
المسؤولية، بالنسبة للديبلوماسية البرلمانية المغربية ليست بالهينة أمام تحد تغيير نظرة كوستاريكا المغلوطة لفهمها لمهام المينورسو. فالأخيرة مطالبة بالتسلح بقوة اقناع وحنكة ديبلوماسية وقدرات تأثيرية وأوراق نافذة، لتصحيح فهم كوستاريكا، ما يتطلب منها الرفع من مردوديتها وايقاعها ولياقتها وجعلها أكثر فعالية ونجاعة، مثلما دعا إلى ذلك الملك محمد السادس بالعديد من خطاباته، وذلك بالنظر إلى حجم التحديات ومناورات الخصوم.
فترات المد و الجزر العابرة
أمَّا علاقة المغرب بكوستاريكا، فقد عرفت مدَّا و جزرا، بحيث سنة 1984، قام المغرب، بقطع علاقاته بكوستاريكا على خلفية قيامها بنقل سفارتها بإسرائيل من تل أبيب إلى القدس وكان موقف المغرب آنذاك راجع إلى قرار للجنة القدس التي يرأسها، والمنعقدة بفاس يومي 19 و 21 من شهر أبريل من سنة 1984، بحيث دعت لجنة القدس الدول الاسلامية ذات العلاقة مع كوستاريكا بقطع تلك العلاقات، عقابا لقرارها نقل سفارتها إلى القدس الشريف.
بعدها بسنتين استأنفت المملكة المغربية علاقاتها المؤسساتية بجمهورية كوستاريكا سنة 1986، بطريقة عادية، إلا أن الجدير بالذكر هو أنه كانت هناك اتصالات دائمة بين البلدين راجعة لسنوات السبعينيات من القرن 20، بالضبط، لفترة مُلك الراحل الحسن الثاني و عهدة الرئيس خوسيه فجيريس فرير (1970-1974)، إلا أنه قام بتوقيفها الرئيس رودريغو كاراسو أوديو، عام 1978، بعد ما تم انتخابه رئيسا جديدا لجمهورية كوستاريكا.
فإبان عهدة الرئيس رودريغو كاراسو أوديو، المنتخب على رأس جمهورية كوستاريكا للفترة الممتدة بين ( 1978-1982 ) ممثلا عن "ائتلاف الوحدة" المكون من أطياف سياسية ديمقراطية ومحافظة وليبرالية وتحررية، فقد اعترفت كوستاريكا شهر أكتوبر 1980 بما يصطلح عليه "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية"، المُعلنة من طرف واحد، وأقامت علاقات دبلوماسية معها ودعمتها بالجمعية العامة للأمم المتحدة .
أمَّا أثناء عهدة الرئيس ميغيل أنخل اتشيفيريا (1998-2002) عن حزب "الوحدة المسيحية الاجتماعية" حزب بمرجعية مسيحية محافظة و أيديولوجية ليبرالية اجتماعية، فكوستاريكا قرَّرت سحب الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" إلى أن يتم الانتهاء من عملية التسوية الأممية الجارية، بحيث فهذه الفترة تم عقد أكبر عدد من الاتفاقيات الثنائية مع المغرب على نحو ما حددته تماما اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، سيَّما المواد 7 و 11 و 12.
بالنهاية، تجدر الإشارة إلى أنه إبَّان العهدة الرئاسية الأخيرة بكوستاريكا، عهدة الرئيسة لورا شينشيا ميراندا الممتدة من 2010 إلى حدود 2014، ممثلة عن حزب التحرير الوطني المعتبر من أقدم الأحزاب السياسية التحررية في كوستاريكا، قامت الأخيرة (لورا شينشيا ميراندا) باستضافة العديد من الصحراويين الانفصاليين بكوستاريكا، إلا أنها لم تقم باتخاذ أية مواقف مؤيدة لطروحاتهم، اللَّهم ابلاغهم بالالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية.
أحمد بنصالح الصالحي: مُهتم و مُتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية

قراءة 2341 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)