العلاقات الدبلوماسية خلال سنة 2012
يظهر بشكل واضح أن منطقة أمريكا اللاتينية لم تكن حاضرة في الأجندة الدبلوماسية لوزير الشؤون الخارجية المغربي خلال سنة 2012، فلولا المشاركة في أشغال القمة الثالثة بين العالم العربي وأمريكا الجنوبية التي عقدت بليما لم يكن مبرمجا زيارات للمنطقة، واكتفى المغرب هذه السنة بتسجيل حضوره في حفلات تنصيب الرؤساء الجدد من خلال الوزير المنتدب في الخارجية، كما زار هذا الأخير كذلك غواتيمالا بعد انتخبها عضوا غير دائم بمجلس الأمن، لكن سفارة المغرب الجديدة في غواتيمالا التي من المفترض أن تساهم في تطوير العلاقات مع دول أمريكا الوسطى لم تفتح أبوابها منذ أن عين في دجنبر 2011 السفير السابق في المكسيك على رأسها.
ولم تظهر الحركية في العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية سوى من خلال الزيارات التي قام بها لبلادنا وزراء خارجية البيرو والشيلي وجمهورية الدومينيكان ووزير الدفاع البرازيلي، بالإضافة إلى زيارات بعض الوفود البرلمانية. لكن العلاقات مع تلك الدول أظهرت أن الاستقبالات لوحدها ليست كافية، فالانفصاليون يتوفرون على "وزير" مكلف بالعلاقات مع أمريكا اللاتينية، كما أن تلك المنطقة مازالت تفاجئنا بمواقفها إزاء قضيتنا الوطنية الأولى، في ظل اختراق متواصل لخصوم وحدتنا الترابية لمختلف شبكات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والبرلمانات الوطنية والجهوية.
ومازالت البعثات والتمثيليات الدبلوماسية ووفود الجمهورية الوهمية تستفيد في المنطقة من استقبالات الوزراء وزعماء الأحزاب والجمعيات وحضور مجموعة من التظاهرات، وذلك سواء في الدول التي تعترف بالبوليزاريو أو تلك التي سحبت اعترافها به، وهذا التطبيع اليومي في التعامل مع ممثلي الجمهورية المزعومة في أمريكا اللاتينية يهددنا بشكل مستمر، ونحن اليوم في غنى عن هبوب موجات من إعادة الاعترافات بعد أن قامت دولتين خلال الثلاث سنوات الماضية بإعادة الاعتراف بجمهورية الخيام.
ليس من السهل أن ننكر المجهودات المستمرة التي يقوم بها سفراؤنا في المنطقة، لكن القضية أكبر من أن يتوفر المغرب على سفارة تغطي عدة دول ويشتغل فيها مستشاران اثنان فقط إلى جانب السفير. ولذلك فنحن في حاجة إلى التفكير في استراتيجية جديدة لتطوير العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية يشترك في تطبيقها على الخصوص البرلمان والأحزاب السياسية، لكي لا تكون الدبلوماسية البرلمانية أو الحزبية كمتدخل ثانوي في السياسة الخارجية للمملكة المغربية في ظل الدستور الجديد.
الصحراء المغربية والانتخابات في أمريكا اللاتينية
تشكل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تجرى في دول أمريكا اللاتينية محطات متميزة لمعرفة توجه دول المنطقة من قضية الصحراء المغربية، فقد فاز الرئيس هوغو شافيز، أكبر سند للبوليزاريو في أمريكا اللاتينية، بالولاية الرابعة لرئاسة فنزويلا في الانتخابات التي أجريت في 7أكتوبر الماضي، حيث استطاع شافيز ضمان البقاء على رأس فنزويلا منذ 14 سنة تعرض خلالها لمحاولة للانقلاب سنة 2002 وأصيب بسرطان استدعى تنقله عدة مرات إلى كوبا للعلاج، ورغم أن بلاده تواجه مشاكل كبرى وعلى رأسها الارتفاع الكبير في نسبة التضخم والاعتماد على الاستيراد وعائدات البترول بشكل كبير، إلا أنه يواصل سياسته الشعبوية ويتزعم محور مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في قارته والعالم.
وقد شكلت انتخابات 2012 في فنزويلا محطة بارزة بدت فيها المعارضة أكثر قوة بقيادة هنريكي كابريلس الذي كان مرشحا ضد شافيز، مما دفع الرئيس البرازيلي السابق لولا داسيلفا إلى القول بأن على شافيز الشروع في التحضير للمرحلة التي ستلي خروجه من رئاسة فنزويلا.
وفي المكسيك استقبل الرئيس الجديد نييتو بينيا بعد فوزه في الانتخابات زعيم البوليزاريو خلال حفل التنصيب، فالمكسيك تقيم علاقات دبلوماسية مع الجمهورية المزعومة وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بها منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يفلح المغرب في تغيير موقف المكسيك من هذه القضية طيلة هذه المدة.
تداعيات أزمة الباراغواي على علاقات المغرب بالمركوسور
اهتزت دول أمريكا اللاتينية يوم 21 يونيو بسماع خبر فتح برلمان جمهورية الباراغواي لمسطرة محاكمة رئيس الدولة فيرناندو لوغو، وبـ 34 صوتا مقابل 4 تمت المصادقة في اليوم الموالي على عزل الرئيس من مهامه بسبب عدم قيامه بواجباته على أكمل وجه طبقا لمقتضيات المادة 225 من الدستور ليتم بعد ذلك تعويضه بنائبه فدريكو فرانكو.
وترجع بداية هذه القضية إلى الأحداث التي شهدتها الباراغواي عندما تدخل رجال الشرطة لإخلاء الأراضي التي قام بعض القرويين بالاستيلاء عليها في منطقة كوروغواتي الحدودية مع البرازيل، مما أدى إلى مقتل 11 قرويا و6 من عناصر الشرطة وحدوث سخط عارم في أوساط الرأي العام استغلته المعارضة لإثارة النص الدستوري المذكور.
وفي تفاعل مع هذه القضية أعلن اتحاد دول أمريكا الجنوبية "الأوناسور" عن تعليق عضوية الباراغواي وسحب سفرائها من العاصمة أسونسيون، كما اتخذ تجمع دول المركوسور موقفا مماثلا. لكن مسلسل التوتر على المستوى الجهوي لم ينطلق سوى بعد قبول فنزويلا كعضو في المركوسور مباشرة بعد تعليق عضوية الباراغواي. فقد ظل انضمام فنزويلا للمركوسور معلقا منذ عدة سنوات بسبب معارضة مجلس شيوخ الباراغواي، وقد رفضت هذه الأخيرة بشكل كبير استغلال تعليق عضويتها لضم فنزويلا للمركوسور. ولا يظهر حسب التصريحات الرسمية أن الباراغواي ستعود إلى هذا الاندماج قبل شهر أبريل 2013 تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة بهذا البلد.
وبعد ضم فنزويلا أعلن عن ضم بوليفيا كذلك إلى المركوسور، وبانضمام الدولتين الجديدتين إلى هذا الاندماج يمكن القول أن طموحات المغرب في تطوير علاقاته الاقتصادية مع المركوسور سوف تدخل في مرحلة من الجمود بسبب المواقف الرسمية للعضوين الجديدين من قضية وحدتنا الترابية.
القمة الثالثة بين العالم العربي وأمريكا الجنوبية
تميزت سنة 2012 بالخطوة الهامة التي حققها المغرب في دعم التقارب مع دول أمريكا الجنوبية، وذلك من خلال مشاركته بصفته ملاحظا لأول مرة في القمة الإيبيروأمريكية التي انعقدت مؤخرا بمدينة قاديس الإسبانية في نونبر الماضي.
كما شارك المغرب بوفد وزراي في أشغال القمة الثالثة بين العالم العربي وأمريكا الجنوبية التي احتضنتها العاصمة البيروفية ليما يومي فاتح وثاني أكتوبر تحت شعار "ثقافة السلام والشمولية والتنمية". وتميزت هذه القمة بتبني إعلان ليما لعدة اقتراحات قدمتها الوفود المشاركة وعلى رأسها إنشاء أمانة عامة وبنك استثماري مشترك لتمويل المشاريع ودعم التعاون البرلماني بين كلا المجموعتين.
وجاء الإعلان ليؤكد على حق الشعب الفلسطيني في استقلاله وسيادته وفي العيش ضمن الحدود المعترف بها والسيادية، خاصة بعد أن اعترفت خلال السنوات الأخيرة أغلب جمهوريات أمريكا الجنوبية بدولة فلسطين المستقلة وعلى رأسها البرازيل.
ومن المثير للانتباه خلال هذه القمة هو تخلف القادة العرب عن حضور هذا الموعد الذي سبق تأجيله بسبب التظاهرات الشعبية العربية، فلم يحضر أشغال القمة سوى أربع زعماء عرب، فيما شارك 9 رؤساء من أصل 12 من قادة أمريكا الجنوبية.
تساؤلات حول العلاقات الثنائية خلال سنة 2013
بالإضافة إلى الباراغواي من المنتظر أن تجرى انتخابات رئاسية أخرى سنة 2013 ستشمل الإكوادور والهندوراس والشيلي ولا يعرف توجهها العام بين اليسار واليمين بعد إعادة انتخاب شافيز وما سيترتب عن ذلك من انعكاسات على قضية الصحراء المغربية في أمريكا اللاتينية.
وعلى مستوى آخر ستدخل دولة صديقة للمغرب مجلس الأمن الدولي خلال سنة 2013 وهي الأرجنتين التي ما زلنا ننتظر أن تقوم رئيستها كريستينا فرنانديز دي كيرشنر بزيارة لبلادنا بعد إعادة انتخابها، خاصة بعد تأجيل زيارتها التي كانت مبرمجة من قبل خلال ولايتها الرئاسية الأولى.
كما سيشكل الاحتفال بذكرى مرور 50 سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والبيرو فرصة لتمتين التعاون مع هذا البلد الذي تمارس فيه ضغوطات متواصلة للاعتراف بالجهورية المزعومة، كما أصبح من الضروري خلق لجنة مشتركة للتعاون مع البيرو التي تتميز بين دول المنطقة بنموها الاقتصادي السريع، كما أن الوضع الاقتصادي الدولي أضحى يفرض تنشيط عمل اللجان المشتركة بين المغرب وباقي دول أمريكا اللاتينية.
ويظهر أن البوليزاريو يعمل على توسيع دائرة اعترافات برلمانات دول العالم بجمهوريته المزعومة بعد قرار البرلمان السويدي الاعتراف به، وليس من المستبعد أن يبذل جهود مكثفة في هذا الاتجاه على مستوى دول أمريكا اللاتينية خلال سنة 2013، فهل ستكون دبلوماسيتنا الحكومية والبرلمانية استباقية لتجاوز سلبيات المفاجئات القادمة في أمريكا اللاتينية بخصوص وحدتنا الترابية؟.
نشر بجريدة المنعطف بتاريخ 31 دجنبر 2012 العدد4483.
---------------------------------------