حتى مع بدء انحسار وباء كورونا في أجزاء من آسيا وأوروبا، إلا أنه لا يزال يجتاح أمريكا اللاتينية من المكسيك إلى تشيلي وما بعدها. وبعض بلدان أمريكا اللاتينية معرضة للخطر أكثر من غيرها بسبب عدة عوامل منها الكثافة السكانية، ونقص موارد نظم الرعاية الصحية، والأعداد الهائلة للعمال غير النظاميين الذين يقطع بعضهم مسافات طويلة بحثا عن فرص العمل وأي عمل مؤقت. كما تفتقر أجزاء من أمريكا اللاتينية التي تنفصل فيها السلطة عن الدولة إلى حد كبير، كما هو الحال في أحياء ريو دي جانيرو الفقيرة، إلى المياه النظيفة، كما أن الصرف الصحي فيها يعدّ ترفا. ويفتقر معظم المواطنين إلى شبكة الأمان الاجتماعي التي تشمل الرعاية الصحية أو الاستحقاقات الطبية مما يجعلهم يعتمدون على أنفسهم بالكامل. وتعاني بلدان كثيرة في أمريكا اللاتينية من تفاوت اجتماعي واقتصادي شاسع بين سكانها، أي أن الثري فيها لديه إمكانية الوصول إلى موارد هي حلم بسيط لكل فقير.
وفي جميع أنحاء المنطقة، تزداد أعداد المصابين بشكل مرعب. فتشهد البرازيل يوميا زيادة في عدد الإصابات والوفيات أكثر من أي بلد آخر في العالم، وقد تحتل المرتبة الأولى بين الدول في إجمالي عدد الوفيات آخر هذا الصيف. أما اليوم، فتعد بلدان أخرى، منها إكوادور وبيرو، من بين أكثر البلدان تضررا، مع غياب أي علامات تدل على أن وباء كورونا قد أوشك على الانحسار. كما شهدت بلدان أمريكا اللاتينية التي اتبعت نهجا ناجحا في البداية، انتكاسة واضحة وتفشيا واسع النطاق للوباء في المدن الكبرى والمناطق الحضرية الكبرى، بما في ذلك الأرجنتين وشيلي. كما لا تزال المناطق الريفية ومناطق شعوب المجتمعات الأصلية معرضة للخطر، ولا سيما بالنظر إلى انخفاض مستويات الإلمام بالأمور الصحية والافتقار إلى البنية التحتية للرعاية الصحية ومن ذلك نقص المعدات الأولية مثل خزانات الأوكسيجين.
وقد كشف وباء كورونا عن التصدعات السياسية الكبيرة في جميع أنحاء المنطقة، وأصيب بعض السياسيين الرفيعي المستوى بالوباء، بمن فيهم رئيس هندوراس. وقد اشتبك رؤساء الدول علنا مع حكام الولايات والقادة المحليين حول النهج الأفضل للحد من انتشار الوباء. ومن الجدير ذكره أن رؤساء البرازيل والمكسيك ونيكاراغوا تعرضوا لانتقادات كبيرة لعدم اتخاذ التدابير الوقائية على محمل الجد ولتقديمهم نصائح غير مجدية للمواطنين. بيد أن المنطقة شهدت بعض النقاط المضيئة، بما في ذلك كوستاريكا وأوروغواي، وهما بلدان نجحا في الحد من انتشار الوباء. وعلى العكس من ذلك، برزت تداعيات اقتصادية شديدة بفعل الوباء، إذ أصبح الملايين عاطلين عن العمل وزيد الملايين إلى قائمة الفقر. وبما أن الأفراد يسعون جاهدين إلى تجنب الوقوع تحت خط الفقر، فقد يسعون إلى إيجاد عمل حتى وإن كانوا مصابين، مما يؤدي إلى العجز عن الحد من انتشار المرض والوقوع في حلقة مفرغة من الأمراض والضيق الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن سكان أمريكا اللاتينية لا يشكلون إلا 8% من سكان العالم، إلا أن هذه المنطقة سجلت على مدى الأسابيع القليلة الماضية 47% من الوفيات بكورونا في جميع أنحاء العالم، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال. وبالمجمل، سجلت أمريكا اللاتينية أكثر من مليوني إصابة، وأكثر من مئة ألف حالة وفاة. ومما لا شك فيه أن المستشفيات ووحدات العناية المركزة ستكون مستنزفة في الوقت الذي يعمل فيه الأطباء والممرضون وطاقم الموظفين في مجال الرعاية الصحية للتعامل مع الأعداد الهائلة من المرضى. وتبرز مخاوف من عدم إبلاغ بعض البلدان عن عدد الإصابات والوفيات الحقيقي. ففي البرازيل، توقفت إدارة جايير بولسونارو عن إبلاغ عدد الوفيات الإجمالي دون سابق إنذار. وقد انتشرت بعض نظريات المؤامرة في مجتمعات معينة ومن ذلك أن عجز الحكومات الإقليمية عن التعامل بكفاءة مع المرض هو مؤامرة متعمدة للتقليل من أعداد السكان وبالتالي التخفيف من أعباء المعاشات التقاعدية. إن انتشار الوباء، وضعف البنية التحتية الصحية، والإدارة الهشة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية كلها عوامل تسهم في تسجيل المزيد من وفيات وباء كورونا في المستقبل القريب وفي اتساع الفجوة الاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.
المصدر
28/06/2020
https://thesoufancenterarabic.org/%d8%a5%d9%86%d8%aa%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d8%aa%d8%a7%d8%ad-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%84/