اقتصادات أمريكا اللاتينية تتجه لاستعادة قوة الدفع .. وتشيلي قد تكون مفاجأة العام

الثلاثاء, 26 شباط/فبراير 2019 17:00


20/02/2019
عند الحديث عن أمريكا اللاتينية، فإن الصراعات والخلافات السياسية تطغى على ما عداها من أحداث، وفي الوقت الحالي فإنه يصعب أن تجد أخبار بلدان أمريكا اللاتينية في صفحات الاقتصاد، بينما ستجدها تحتل مقدمة العناوين الرئيسة لصفحات السياسة، حتى في عالمنا العربي الذي لم يعرف عنه متابعة دقيقة أو لصيقة لتطورات الأوضاع في تلك القارة البعيدة نسبيا، فإنه بات في الآونة الأخيرة وتحديدا منذ اشتعال الأزمة السياسية في فنزويلا متابعا دقيقا لمشكلات القارة وأخبارها.
وتشير التوقعات إلى أن أمريكا اللاتينية تستعيد قوة الدفع المفقودة في اقتصادها، وربما يشهد اقتصاد تشيلي نقلة نوعية تكون مفاجأة العام، وذلك رغما عن التهديدات الصريحة من قبل إدارة الرئيس ترمب للرئيس مادورو بضرورة الانصياع لمطالب المعارضة، والاحتكاك المتزايد بين فنزويلا وجارتها كولومبيا، ووصول رئيس يميني مفرط في تشدده إلى هرم السلطة في البرازيل، ووصول رئيس يساري إلى مقعد السلطة في المكسيك لأول مرة منذ 70 عاما، وكل تلك الأحداث التي اتسمت جميعها بالإثارة السياسية.
وما سبق جعل الحديث عن اقتصاد بلدان أمريكا اللاتينية يحتل المقعد الخلفي للأنباء، ورغم تلك التطورات السياسية، وكثير منها سلبي، ويكشف النقاب عن غياب استقرار حقيقي في عدد من أكبر وأهم اقتصادات القارة، التي عدها بعض كبار الاستراتيجيين الأمريكيين الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، فإن المشهد الاقتصادي مع هذا لا يبدو من وجهة نظر بعض الخبراء البريطانيين سيئا.
ويقول لـ"الاقتصادية" الدكتور جيمس دين أستاذ الاقتصاد الدولي السابق في جامعة لندن، والاستشاري في منظمة دول اتحاد الإنديز: "العام الماضي لم يتجاوز المتوسط العام للنمو في القارة بأكملها 1.6 في المائة، لكن التوقعات تشير إلى أنها ستستعيد هذا العام والعام المقبل مزيدا من قوة الدفع المفقودة، ويتوقع أن يبلغ متوسط النمو العام في مجمل بلدان أمريكا اللاتينية 2.1 في المائة العام الجاري و2.4 في المائة العام المقبل".
وأضاف: "معدل النمو ذلك، على الرغم من أنه ما يزال منخفضا ولا يتفق مع المقومات الاقتصادية العملاقة للقارة، فإنه يخفي في طياته تباينا واضحا من دولة إلى أخرى، فبينما يكون الاستثمار المفتاح الرئيس لعملية الشفاء الاقتصادي من الحرب التي خاضها بلد مثل كولومبيا لسنوات ضد التنظيمات اليسارية وتجار المخدرات، فإن النمو البرازيلي الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام 2.2 في المائة مصدره إصلاح السياسة المالية وزيادة الثقة الاقتصادية في ظل الحكومة الجديدة".
وعن فنزويلا يعلق قائلا: "فنزويلا في حالة من التراجع السياسي والاقتصادي منذ سنوات، ووصلت حاليا إلى حد الانهيار، وفي الواقع ورغم صخب المعارضة والدعم الذي تناله من الخارج، يصعب الجزم بأن أحدا لديه القدرة على إخراج البلاد من الهوة الاقتصادية التي وقعت فيها".
إذن وباختصار يتوقع أن يكون العام الجاري أفضل بالنسبة لاقتصادات أمريكا اللاتينية، بعد عام 2018 الصاخب والمليء بانتخابات شابتها الفوضى، وانخفاض حاد في معنويات المستثمرين بالنسبة للأسواق الناشئة في أمريكا اللاتينية، وانحراف الاقتصاد العالمي نحو الحمائية، وما تركه ذلك من بصمات سلبية على صادرات عديد من بلدان القارة.
وعلى الرغم من أن فنزويلا ستواصل الدوامة الراهنة التي تمر بها من صراع على السلطة بين مادورو وخصومه لبعض الوقت، وسينخفض معدل النمو الاقتصادي في الأرجنتين بعد التعديلات الاقتصادية الصعبة التي تبنتها العام الماضي، فإنه يتوقع أن تقود البرازيل وتشيلي وبيرو وكولومبيا تعزيز النمو الإقليمي.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن كثيرا من الأنظار في الوقت الراهن تتجه إلى المكسيك التي تصفها شيري سيمون الباحثة الاقتصادية في جامعة كامبريدج بأنها يمكن أن تكون "رمانة الميزان" التي ستحدد بشكل كبير المسار الاقتصادي للقارة اللاتينية.
وتقول لـ"الاقتصادية": "آفاق النمو الاقتصادي على المدى القصير في المكسيك أصيبت ببعض خيبات الأمل في الأسابيع الأخيرة، بسبب عدم اليقين المحيط بسياسات أندريه مانويل لوبيز أوبرادور المعروف اختصارا باسم آملو، حيث إن المحللين خفضوا توقعاتهم الاستثمارية بسبب مخاوف الشركاء من الإدارة الجديدة.
وأضافت: "عزز ضعف الأجور أسواق العمل، خاصة مع الاتفاقية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التي ستزيد الصادرات المكسيكية، وترفع النمو إلى 2 في المائة عام 2020، كما أن التضخم في تراجع وبحلول عام 2020 لن يتجاوز 3.7 في المائة.
لكن بعض القصص الاقتصادية لبلدان أمريكا اللاتينية، تحمل إحباطات حقيقية لحكوماتها قبل شعوبها، وربما تكون كوبا واحدة من تلك القصص المحبطة، فالتوقعات من الرئيس الجديد دياز كانيل متواضعة في الأجل القصير على الأقل، وما تزال حدة العداء بين هافانا وواشنطن مرتفعة، وهذا يمثل عبئا حقيقيا على رغبة القيادة الجديدة في اتباع مزيد من التحرر الاقتصادي، وربما كان غياب الولايات المتحدة عن الساحة فرصة لآخرين لملء الفراغ.
ويعلق جون كليف الخبير الاستثماري في بنك الاستثمار الاسكتلندي قائلا: "غياب أو انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة شجع الاستثمارات الصينية، وقد باتت بالفعل مرئية بقوة في كوبا وفنزويلا، فهناك فجوة ضخمة في البنية التحتية في كوبا، وهم لا يستطيعون قول "لا" للصينيين، أضف إلى ذلك سنوات الحرمان في تلك البلدان، عزز من الفساد وهذا يسهل الأمر لعديد من المستثمرين الصينيين".
ويرى بعض الاقتصاديين أن الاقتصاد الشيلي ربما يكون مفاجأة العام بين اقتصادات أمريكا اللاتينية، إذ بدأ في التعافي بشكل ملحوظ من نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وسط توقعات بنمو قوي بعيدا عن القطاع التعديني وتحديدا النحاس، وعلى الرغم من القلق الذي يساور البعض من أن يؤدي تراجع التجارة الدولية إلى التأثير سلبا على قطاع الصادرات، الذي يلعب دورا مهما في تحقيق النمو الاقتصادي في شيلي، إلا أن التوسع الكلي سيظل قويا نتيجة الطلب المحلي القوي.
ويعتقد مارتين نيل الباحث في صندوق النقد الدولي أن سياسة الاقتصاد الكلي التي ترمي إلى تحقيق التوازن ستمكن الحكومة في سنتياجو من الإبقاء على التضخم تحت السيطرة، إضافة إلى أن ارتفاع الأجور سيدعم نمو استهلاك الأسر".
وتراهن الحكومة في شيلي بناء على تحليلات مارتين على أن يؤدي برنامج الإصلاح الضريبي إلى تعزيز النشاط الاستثماري في النصف الثاني من العام الجاري وفي عام 2020، وربما تكون شيلي واحدة من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في قارة أمريكا اللاتينية في العام الجاري والمقبل لتصل إلى 3.3 في المائة و3.1 في المائة على التوالي.
وإذا لم تؤد الأزمة السياسية الجارية في فنزويلا إلى صدام مع الجارة كولومبيا فإن انتعاش الاقتصاد الكولومبي سيكون حتميا بسبب أسعار النفط القوية، والاستثمارات الدولية الكبيرة، خاصة في قطاع الاستخراج، إضافة إلى الزيادة الملحوظة في الإنفاق الأسري.
ولا شك أن العلاقات المميزة بين باغوتا وواشنطن، تعزز الثقة في الأعمال التجارية بكولومبيا خاصة في ظل الخلفية السياسية الصديقة للسوق، وقد أعلن صندوق النقد توقعاته بأن تحقق كولومبيا معدل نمو بنحو 3.2 في المائة هذا العام، وعلى الرغم من ضعف البيزو فإن التضخم ظل ضمن النطاق المستهدف بين 2-4 في المائة، والمتوقع أن ينتهي هذا العام ومعدل التضخم المتحقق في كولومبيا 3.4 في المائة
بصفة عامة تشير مؤسسات التصنيف الائتماني إلى أن الأفق الائتماني لبلدان أمريكا اللاتينية مستقر بصفة عامة، وبفضل بلدان مثل تشيلي وتحسن ثقة المستثمرين فيها، وآفاق النمو المرتفع فيها وفي كولومبيا، فإن الوضع الاقتصادي الإجمالي لبلدان القارة إيجابي.
إلا أن هذا لا ينفي أن تحقيق هذا الوضع الإيجابي، يتطلب عدم تدهور المشهد السياسي أكثر مما هو عليه حاليا، إذ يمكن أن يؤدي العنف داخل الدولة الواحدة مثل فنزويلا، أو اتساع نطاق العنف وتمدده في الإقليم، أو بروز موجات من النزوح الجماعي إلى الإخلال بالتوازن المالي، وفقدان الشركات الدولية شهية الاستثمار في القارة، إضافة إلى تزايد القلق الداخلي الذي يترافق عادة مع تقلص الطلب، وتنامي اكتناز المعادن النفيسة خاصة الذهب، وهو ما قد يؤدي عمليا إلى تغير المشهد الاقتصادي برمته بعيدا عن الصورة الإيجابية المتوقعة لاقتصاد أمريكا اللاتينية هذا العام.
http://www.aleqt.com/2019/02/19/article_1545846.html

 

قراءة 698 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)