تركيا وأمريكا اللاتينية..علاقات تاريخية تُحييها مساعي النهضة المشتركة

الخميس, 04 شباط/فبراير 2016 10:37

تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أمريكا اللاتينية، وخصوصًا دول “تشيلي”، و”بيرو”، و”الإكوادور”، وسط توقعات عديدة، أهمها أن تؤدي هذه الزيارة إلى إحياء العلاقات الاقتصادية بين تركيا وتلك الدول.

وتعتبر زيارة أردوغان هذه، الأولى من نوعها لرئيس تركيّ إلى دولتي بيرو والإكوادور، والثانية من نوعها لدولة تشيلي بعد 21 عامًا، ويرى المحلل السياسي التركي، أكطاي يلماز، أن “الروابط القوية لتركيا مع دول أمريكا الجنوبية، يدعم سياسة انفتاحها على أكثر من ضفة”.

خيارات الانفتاح هذه، كما يقول يلماز، “سواء كانت في أمريكا الجنوبية أو أفريقيا، تصب بشكل أساسي في تقوية التواجد الاقتصادي لتركيا وترسيخه، على اعتبار أن علاقات الصداقة والتعاون بين تركيا وتشيلي، على سبيل المثال، تدخل عامها التسعين”.

وقد توسعت التجارة بين تركيا ودول أمريكا اللاتينية 800 في المئة على مدى سني العقد الماضي، إذ وصل حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار عام 2014، وقامت أنقرة بفتح عدة سفارات ومكاتب دبلوماسية جديدة في أنحاء المنطقة.

تاريخ طويل وانفتاح عريق
يعود تاريخ العلاقات بين تركيا ودول أمريكا اللاتينية إلى القرن التاسع عشر، حيث حصلت موجات هجرة متعددة من الإمبراطورية العثمانية إلى أمريكا اللاتينية ابتداء من ستينيات القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد أطلق على هؤلاء المهاجرين الذين كانوا في أغلبيتهم عربًا تسمية “الأتراك” بسبب حملهم لجوازات سفر عثمانية.

فيما بدأت العلاقات القنصلية بين الإمبراطورية العثمانية وأمريكا اللاتينية في نهايات القرن التاسع عشر، ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية، بدأت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية التركية ودول أمريكا اللاتينية، وكانت تشيلي أول دولة اعترفت بالجمهورية التركية بتوقيعها على اتفاقية الصداقة والتعاون عام 1926، واليوم توجد لتركيا سفارات في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكوبا والمكسيك وكولومبيا والبيرو وفنزويلا والأكوادور وقنصلية عامة في مدينة سان باولو البرازيلية.

وقد تميزت العلاقات بين تركيا ودول المنطقة دائما بأنها علاقات صداقة، ولكنها كانت مستقرة لغاية تسعينيات القرن الماضي، ولم تبلغ العلاقات بين الجانبين المستوى المطلوب بسبب البعد الجغرافي وقلة الاتصالات، ومع ذلك فإن الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس الأسبق للجمهورية التركية “سليمان داميرال” عام 1995 والتي شملت كلًا من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي، كانت أول زيارة في التاريخ يجريها رئيس للجمهورية التركية لأمريكا اللاتينية، وشكلت نقطة انعطاف في العلاقات بين تركيا وأمريكا اللاتينية.

العلاقات السياسية والاقتصادية
في إطار سياستها الداعية للانفتاح على دول العالم، والتي انتهجتها قبل ما يقارب العشر سنوات، بدأت تركيا باتباع سياسة خارجية فعالة حيال أمريكا اللاتينية من أجل تطوير علاقاتها مع دول هذه المنطقة في إطار السياسة الخارجية متعددة الأبعاد التي تتبعها.

وفي هذا السياق عقدت سلسلة اجتماعات في وزارة خارجية الجمهورية التركية في شهر سبتمبر/أيلول من عام 1998 بمشاركة السفارات التركية لدى دول أمريكا اللاتينية وممثلي القطاعين العام والخاص التركي والقنصليات الفخرية لدول أمريكا اللاتينية والكاريبي لدى تركيا، وذلك من أجل تحديد كيفية تطوير العلاقات التركية مع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي والمجالات التي يجب أن تشملها هذه العلاقات، ونتيجةً لهذه الاجتماعات تم إعداد “خطة العمل المتعلقة بأمريكا اللاتينية والكاريبي” التي تعتبر بمثابة خارطة طريق للانفتاح السياسي والاقتصادي تجاه المنطقة.

وفي هذا الإطار، تم إعلان عام 2006 “عام أمريكا اللاتينية والكاريبي” في تركيا، حيث نظمت في تركيا في الفترة ما بين 5 – 11 يونيو/حزيران 2006 في سياق خطة العمل المتعلقة بأمريكا اللاتينية والكاريبي، “أسبوع أمريكا اللاتينية”، وتم توجيه الدعوة للمشاركة في فعاليات هذا الأسبوع إلى وزارات الخارجية والتجارة والاقتصاد وممثلين من أوساط الجامعات والعمل في دول أمريكا اللاتينية، وتم تأمين عقد مباحثات ولقاءات بينهم وبين ممثلي المؤسسات العامة والقطاع الخاص التركي، وتم دعوة القنصليات العامة التركية الفخرية الموجودة في نفس هذه البلدان إلى تركيا وإطلاعهم على توجهات السياسة الخارجية التركية.

وبحسب معلومات من وزارة الاقتصاد التركية، فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا وتشيلي، بلغ 604.9 مليون دولار أمريكي، عام 2011، عقب بدء العمل رسميًا باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي تم التوقيع عليها عام 2009، وشكّلت أهمية كبيرة آنذاك، لكونها أول اتفاقية تجارة حرة في أمريكا الجنوبية.

وبلغ حجم التبادل التجاري، بين البلدين، اعتبارًا من شهر نوفمبر/تشرين ثاني من العام الماضي، 418.5 مليون دولار أمريكي (166.6 مليون دولار منها صادرات، و251.9 مليون دولار واردات)، وتصدّر النحاس المكرر وسبائك النحاس قائمة الوارات التركية من تشيلي، فيما تصدرت الآليات المخصصة لنقل البضائع وقضبان الحديد والفولاز، قائمة صادراتها إليها.

وتمارس ثمانية شركات تشيلية، نشاطات داخل الأراضي التركية، بينما تبنى المقاولون الأتراك مشاريع عديدة في هذه البلاد، بلغت قيمتها 48 مليون دولار أمريكي حتى نهاية العام الماضي.

من جهة أخرى، بلغ حجم الصادرات التركية إلى الإكوادور، حتى نهاية شهر نوفمبر/تشرين ثاني من العام الماضي، 35 مليون و417 ألف دولار، والواردات 77 مليون و489 ألف دولار أمريكي.

وتحتل تركيا المرتبة 49 من بين الدول الأكثر استيرادًا من بيرو، وبلغ حجم وارداتها من تلك الدول خلال الفترة مابين يناير/كانون ثاني، ونوفمبر/تشرين ثاني من العام الماضي، 57 مليون و717 ألف دولار، بينما بلغ حجم صادرتها إلى الدولة نفسها خلال تلك الفترة، 162 مليون و636 ألف دولار أمريكي.

ووقعت تركيا وجمهورية البيرو، الاربعاء، على 5 اتفاقيات في مجالات مختلفة، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.

ووقعت الاتفاقيات بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس جمهورية البيرو “أولانتا هومالا”.

وقال الرئيس أروغان خلال مؤتمر صحفي إن “علاقات تركيا مع البيرو شهدت تطورًا في العديد من المجالات، مؤكدًا أن أول خطوة في طريق تعزيز العلاقات بين البلدان كانت عام 2010 بافتتاح السفارة التركية في ليما، مبيناً أن البيرو وبنفس العام افتتحت سفارتها في أنقرة.

وعقد الرئيس التركي اجتماعين مع رئيس البيرو أحدهما ثنائي والآخر على مستوى الوفود، في القصر الرئاسي بالعاصمة “ليما” التي يزورها أردوغان في إطار جولة تشمل عددا من بلدان أميركا الجنوبية، حيث لفت أردوغان إلى أن زيارته تعد الأولى على مستوى الرؤساء إلى البيرو.

وأكد الرئيس التركي أن اللقاءات كانت مثمرة للغاية، حيث بحثوا خلالها كافة المواضيع الموجودة على أجندة البلدين، مضيفاً ” وجدنا فرصة لتبادل وجهات النظر بشكل موسع حول التعاون في المجال العسكري والدفاعي، وما يمكن القيام به في المجال التجاري، والبنية التحتية، والخطوات الممكن اتخذاتها على المجال السياسي، والثقافي والتعليمي”.

وأعرب أردوغان عن رغبته في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مليار دولار أمريكي في أقرب وقت بعد أن وصل عام 2015 إلى 260 مليون دولار.

العلاقات الإنسانية والثقافية
تقدم تركيا مساعدات إنسانية وتنموية وفنية لدول أمريكا اللاتينية، بدءًا من المساعدات الإنسانية لدول الكاريبي وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية مثل هاييتي وتشيلي بسبب الأعاصير والزلازل التي شهدتها، إذ تقوم وزارة الصحة التركية بإرسال مشافي متنقلة وفرق ومواد طبية وأدوية، بالإضافة إلى أن منظمة الهلال الأحمر التركي دائمًا ما تساهم بإرسال خبراء مختصين بالكوارث وأطباء نفسيين وخيم وبطانيات وأدوات مطبخ، إلى المناطق المنكوبة بفعل الزلازل والأعاصير، وإضافة إلى هذه المعونات تقوم وكالة التعاون والتنسيق التركية TİKA، بتنفيذ مشاريع بقيمة 1 مليون دولار وهي عبارة عن إنشاء مركزين صحيين وترميم 15 مركزًا صحيًا آخر.

وقد أضاف مركز أمريكا اللاتينية للأبحاث والتطبيقات التابع لجامعة أنقرة والذي افتتحه رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية، عام 2009، بُعدًا هامًا للعلاقات الثقافية والأكاديمية بين تركيا وأمريكا اللاتينية، ومن جهة أخرى وفي إطار التعاون بين جامعتي أنقرة وهافانا وصلت الأعمال الجارية لافتتاح مركز التاريخ والثقافة التركية في جامعة هافانا إلى مراحلها الأخيرة.

ومنذ بداية عام 2000، ازداد الانفتاح الثقافي في دول أمريكا الجنوبية على تركيا وشعبها وثقافتها، بفعل المسلسلات التركية التي أخذت بالانتشار في معظم دول العالم، مكتسبةً شعبية كبيرة، جعلها تنافس المسلسلات المحلية في تلك البلدان وتتصدر شاشات عرضها.

TRT العربية
https://www.trtarabic.tv/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/

قراءة 1398 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)