أصدرت وزارة الخارجية المغربية الأسبوع المنصرم بلاغا أفاد بأنه: "تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس أعادت المملكة المغربية علاقاتها الدبلوماسية مع جمهورية كوبا". لمحاولة فهم خلفيات و حيثيات استئناف المغرب و كوبا لعلاقاتهما الدبلوماسية سنقدم قراءة تقريبية من وجهة نظر مغربية صرفة٬ و ذلك بطرح استفهام أغفله العديد من المتتبعين للعلاقات المغربية-الأمريكية اللاتينية عند مقاربتهم للموضوع و من دونه٬ بالمناسبة٬ يصعب تقديم قراءات مُقنعة لحدث استئناف المغرب و كوبا لعلاقاتهما الدبلوماسية. الاستفهام ببساطة هو: ماذا تغير أو استجد حتى أقدم المغرب على استئناف علاقاته الدبلوماسية مع كوبا؟
نجاح المغرب في توظيف المتغيرات و السياقات و التقاط الإشارات الكوبية
عمليا ليست هناك أية مستجدات مهمة مثلما هو متعارف عليه بالعلاقات الدولية عجلت باستئناف المغرب لعلاقاته مع كوبا. فكوبا لم تُعلن عن قطع علاقاتها بتنظيم الجبهة و "جمهوريته" المعلنة من جانب واحد٬ و إنما قامت٬ إبان قضاء الملك محمد السادس لعطلة خاصة بها٬ بإيفاد سفيرها بالجزائر إلى مخيمات تندوف، بحسب الصحافة الإسبانية، لتمرير رسالة مفادها على الأرجح أن موقفها من النزاع ثابت. فما هو سِرُ هذا الاستئناف للعلاقات؟ الجواب هو توظيف المغرب بنجاح اللعديد من المتغيرات الكوبية و استغلاله بذكاء للعديد من السياقات بكوبا و إدراكه بسرعة لمجموعة من الإشارات السياسية الكوبية.
أما استئناف العلاقات الدبلوماسية المغربية-الكوبية٬ بالنسبة للواقعية الجديدة في العلاقات الدولية٬ فقد كان مُنتظرا مثلما تمت الإشارة إلى ذلك بمقالة سابقة٬ و ذلك بالنظر لعدة مؤشرات٬ منها أساسا أن كوبا بالسنوات الأخيرة لم تقم علانية أو جهارا بمهاجمة أو معاداة المغرب٬ سواء بالمنتديات الدولية أو بتصويت اللجان الأممية٬ خلافا للأوروغواي و فنزويلا٬ و هذا الأمر اعتبره المغرب إشارة كوبية للمُبادرة نحوها٬ خاصة أن التوقيت كان مواتيا٬ كونه يشهد ميلاد كوبا جديدة تقوم ببناء علاقاتها الدولية و تُقدم فيه على الانفتاح على العالم و تندمج فيه من جديد بالأسرة الدولية بعد عزلة دامت خمسة عقود.
دور المصلحة المشتركة و تأثير الواقعية المغربية و البراغماتية الكوبية
إن هذا التطبيع يُعد تجسيدا لتحولات السياسة الخارجية الكوبية و البراغماتية الكوبية الجديدة من النزاعات الدولية و منها نزاع الصحراء. براغماتية أملتها المصلحة المشتركة للمغرب و كوبا على السواء. المغرب في إطار القطع مع سياسة المقعد الفارع و مزاحمة خصومه بأمريكا اللاتينية و كوبا في إطار انفتاحها على العالم و بحثها عن موقع جديد بخارطة عالم اليوم الآخذ في التبلور٬ و عمليا فالمغرب ظهر بأنه قام بتكسير التحالفات المناوئة له بأمريكا اللاتينية و كوبا ظهرت بأنها تحولت من العزلة إلى الاندماج بالعالم و أصبحت محط اهتمام أنظار العالم من جديد٬ بعدما قامت بتطبيع علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية.
فكوبا اليوم٬ بالإضافة إلى انخراطها منذ سنة 2008 في ديناميكية اصلاحية داخلية و انفتاحها على الولايات المتحدة الأمريكية٬ فقد أعطت للمنطقة و العالم٬ العديد من المؤشرات و الإشارات على أنها تشهد تغيرات بسياستها الخارجية٬ أفقية و عمودية٬ بحيث انخرطت بتسوية أقدم نزاع بأمريكا اللاتينية بين الحكومة الكولومبية و تنظيم القوات المسلحة الثورية الكولومبية٬ و ذلك باستضافتها و رعايتها لجولات المفاوضات بين الأطراف المعنية٬ و أبانت عن حياديتها الإيجابية الجديدة تجاه الأزمة السياسية الفنزويلية القائمة٬ بحيث التزمت الحياد من الأزمة و أخذت مسافة من النظام القادم و من المعارضة كذلك.
معالم السياسة الخارجية و الدبلوماسية المغربية الجديدة بأمريكا اللاتينية
أما بالنسبة للمغرب٬ فاستئناف العلاقة مع كوبا يُعد أحد تجليات تغير أداء الدبلوماسية المغربية بأمريكا اللاتينية و يتجسد بقطعها مع سياسة المقعد الفارغ و عدم انزعاجها من خصمها جبهة "البوليساريو"٬ إلا أن هذا التكيف الجديد للمغرب مع أمريكا اللاتينية قد تترتب عنه انعكاسات محتملة غير محمودة إذا لم يكن قد قام بحساباته. الانعكاسات موضوع الحديث ليست إلا ازدياد رقعة قبوله التعايش مع خصومه بأمريكا اللاتينية و إمكانية تأثيرها على تغيير معادلة نزاع الصحراء بالمنطقة. فالأمر وقع أولا مع المكسيك و استجد سنة 2016 مع بنما و اليوم يقع من جديد مع كوبا٬ و قد يقع من جديد مستقبلا مع فنزويلا و غيرها.
أما آخر تمثلات الدبلوماسية المغربية الجديدة بأمريكا اللاتينية فليست إلا الصدام الأخير مع فنزويلا٬ بحيث نشبت أزمة بين فنزويلا و المغرب على خلفية نزاع الصحراء بالمداولات الأممية المتعلقة بالنزاع تطورت إلى التدخل في شؤون الآخر الداخلية و توظيف الورقة الحقوقية. فالمغرب أخد موقفا من المظاهرات الشعبية بفنزويلا مثلما قامت الأخيرة بالتطرف تجاه نزاع الصحراء٬ إلا أن المغرب بموقفه ظهر على أنه الدولة العربية الوحيدة المتضامنة مع الشارع بفنزويلا حيث يراهن المغرب على المعارضة ذات الأغلبية البرلمانية لفك ارتباط فنزويلا بجبهة البوليساريو و "جمهوريتها" المعلنة من جانب واحد.
المغرب و كوبا أمام اختبار اجتياز المرحلة الانتقالية لبناء العلاقات المؤسساتية
و بالنسبة للتطورات المستقبلية٬ فيرتقب بالأمد المنظور صعوبة تراجع كوبا بسرعة عن موقفها من نزاع الصحراء٬ مثلما يستبعد إقدامها على سحب اعترافها بتنظيم جبهة البوليساريو أو "جمهوريته" المعلنة من جانب واحد و الغير المعترف بها أمميا٬ مثلما يستبعد كذلك الاعلان عن تعليقه أو تجميده٬ و إنما تكييفه نسبيا مع توجهات الأسرة الدولية إلى أن يقع تغير بموازين النزاع لصالح طرف على حساب الآخر٬ و ينتظر مبدئيا أن يتغير الموقف من الاستمرار بالانحياز إلى الالتزام بالحياد و معاملة الأطراف المعنية بنزاع الصحراء المغرب و الجبهة على قدم المساواة و من دون تمييز و في إطار الاعتراف بالجميع.
و في انتظار سنة 2018، حيث ستعرف كوبا رئيسا جديدا للبلاد٬ فيرتقب استمرار كوبا بالاعتراف بتنظيم جبهة "البوليساريو" و إبقائها على إقامة علاقات دبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية"، مثلما ينتظر أن تستمر كوبا بارتباطها بالجبهة بآلية للحوار الرفيع و تأييد "تقرير المصير" كتسوية لنزاع الصحراء و عمليا يرتقب استئناف كوبا للعلاقة مع المغرب و حفاظها على العلاقة مع "البوليساريو". أما بعد هذا التاريخ القريب٬ فيرتقب بداية الحديث حينها عن بناء علاقات بينية مغربية-كوبية٬ خاصة و أن المغرب و كوبا اليوم بصدد اختبار اجتياز المرحلة الانتقالية بنجاح في انتظار بناء العلاقات المؤسساتية الفعلية.
الدبلوماسية الاقتصادية: الضمانة الوحيدة لحماية العلاقات الدبلوماسية
إن المغرب٬ بعد بسط المعطيات السالفة و مواكبة علاقاته بأمريكا اللاتينية٬ يبدو أنه نجح نسبيا و ينجح تدريجيا ببسط تواجده بأمريكا اللاتينية و بدأ يتمتع نسبيا بموقع أكثر أريحية بالقارة، إلا أن هذه الأريحية يبدو أنها هشة و غير مؤمنة إذا لم تتم صيانتها لضمان استمراريتها، حيث يرتقب أن تواجه الدبلوماسية المغربية صعوبات عديدة و تحديات مفاجأة و غير منتظرة، بسبب الردود الفعلية الغير المُتوقعة من العديد من الحكومات الأمريكية اللاتينية، ما يستوجب الاستعداد و الانتباه و اليقظة و التعبئة المُستمرة. فبنما مثلا أقدمت سنة 2013 بعدما تقرب منها المغرب٬ بمفاجأته بإعادة إقامة علاقاتها بجبهة "البوليساريو".
أما بالنسبة لكوبا٬ فيجب بمجرد تنصيب رئيسها الجديد سنة 2018 مثلما هو مُنتظر٬ القيام بخطوات و مبادرات بحجم كوبا بأمريكا اللاتينية٬ و ذلك بالرفع من البعثة المغربية المكلفة بحضور تنصيب الرئيس الجديد٬ و إعطاء الإشارات بأن المملكة جاهزة للرفع من وثيرة علاقاتها بكوبا و منحها إيقاعا سريعا٬ قصد إعطاء الانطباع على أن المغرب يسهر على تقوية علاقاته، بغية تحقيق قفزة نوعية وموذجية٬ و ذلك طبعا بإعطاء الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية٬ المُتمثلة بعقد اتفاقيات و إبرام شراكات و إحداث مشاريع مشتركة كونها اليوم الضمانة الوحيدة للحفاظ على استمرارية العلاقات بعالم العولمة و الاقتصاد.
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية
رابط المقالة السابقة
http://www.marsadamericalatina.com/index.php/maroc/1807-2016-12-28-14-36-51