باستلام ميشيل تامر رئاسة فدرالية البرازيل مُؤقتا٬ بعد قيام مجلس الشيوخ بالتصويت لصالح اتهام الرئيسة المُبعدة عن السلطة ديلما روسيف٬ بسبب التقصير في أداء مسؤوليتها و التلاعب بالميزانية٬ يوم 12 مايو 2016، بنسبة 55 صوتا مُؤيد لقرار الإبعاد و 22 ضده وامتناع واحد وغياب ثلاث أعضاء، يرتقب أن تشهد السياسة الخارجية البرازيلية تغيرات جذرية بالمقارنة مع الحكومة اليسارية السابقة.
العديد من القراءات التقديرية البرازيلية أشارت بهذا الصدد إلى أن السياسة الخارجية لهاته الفدرالية الأمريكية الجنوبية ستشهد تغييرا كبيرا وعليه فإن العلاقات الدولية-البرازيلية بدورها ستشهد تغييرات جوهرية٬ واستنادا إلى ذات القراءات التقديرية٬ فإن السياسة الخارجية البرازيلية الجديدة ستقوم على مقومات جديدة و ستتخذ مواقفها وفقا لمرتكزات جديدة وستنشأ تحالفاتها بناء على معطيات جديدة.
التغيير المُرتقب٬ ستتحكم فيه مصلحة الدولة و ليست المصلحة الأيديولوجية أو الحزبية وسيتم الاعتماد فيه على مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات٬ نظرا لتصور الأحزاب اليمينية٬ تقليديا٬ للعلاقات الدولية عموما وللسياسة الخارجية خصوصا، خاصة و أن الحكومة الانتقالية البرازيلية تنظر لعالم اليوم٬ الآخذ في التغيير يوما بعد يوم٬ باعتباره فرصة يجب انتهازها و استثمارها لصالحها.
التغيير الآخر٬ بحسب ذات القراءات دائما٬ سيتم تجسيده بإعطاء أهمية بالغة للدبلوماسية الاقتصادية٬ وذلك بنهج البراغماتية٬ بهدف تقوية تنافسية اقتصاد وتجارة الفدرالية بالعالم٬ والرفع من الصادرات البرازيلية نحو العالم وتكثيف مبادلاتها التجارية العالمية والرفع من منسوب معاملاتها التجارية مع شركائها والانفتاح على شركاء جُدد٬ خاصة وأن اقتصادها عرف مؤخرا ركودا وكسادا وتباطأ.
التغييرات المرتقبة أعلاه تدفعنا لطرح أسئلة تهم العلاقة المستقبلية المغربية-البرازيلية٬ وتأثيرات التغييرات الجديدة على مصالح المغرب وتداعياتها المحتملة على نزاع الصحراء. فهل ستتأثر بهذه التغييرات هذه العلاقات الثنائية أو أنها ستصمد؟ وهل السياسة الخارجية البرازيلية الجديدة تصب في صالح المغرب أم في غير صالحه؟ وهل تعد هذه التغييرات تهديدا محتملا على نزاع الصحراء؟
المقالة التحليلية التالية ستقوم بتقديم أجوبة للأسئلة المطروحة أعلاه٬ وذلك باستحضار السياقات الدولية الراهنة والتحولات الكبيرة والسريعة بأمريكا اللاتينية وتصور المغرب لسياسته الخارجية تجاه أمريكا اللاتينية. فضلا عن استحضار التقارب الكبير والتطور السريع للعلاقات البينية المغربية-البرازيلية٬ وذلك لفهم إمكانية تأثير السياسة الخارجية للفدرالية الأمريكية الجنوبية على المغرب من عدمه.
القطع مع التحالفات الأيدلوجية الأمريكية اللاتينية يخدم المغرب
أولا٬ تجدر الإشارة إلى أن الانعكاسات المحتملة للتغيرات المرتقبة بالسياسة الخارجية البرازيلية ستتأثر بها٬ بالسلب أو بالإيجاب٬ مجموع أمريكا اللاتينية٬ بحيث ينتظر أن تعمد البرازيل الاتحادية إلى إعادة النظر في علاقتها مع "اتحاد أمم أمريكا الجنوبية" أساسا كوبا وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور وباراغواي ونيكاراغوا٬ باعتبارها جمهوريات يسارية تجمعها الايدولوجيا أكثر من مصلحة شعوبها.
أما من حيث الإيجاب٬ فستتم بتقوية العلاقة بالأرجنتين وكولومبيا والبيرو٬ فضلا عن مزيد من تطوير العلاقة مع المكسيك خصوصا وكذا تجمع "تحالف الباسيفيك" عموما. بالإضافة إلى تأييد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين تجمع "الميركوسور" و"الاتحاد الأوروبي" وتعزيز الشراكة البرازيلية بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر فأكثر وأخيرا إقامة علاقات براغماتية مع أفريقيا والدول العربية.
ثانيا٬ يجوز استحضار أن التغييرات المرتقبة تصب جلها في صالح المغرب. كيف؟ لنتابع. فمثلا فك الارتباط بالتحالفات الأيديولوجية الاقليمية معناه التقاطع والقطع مع الأطراف الأمريكية اللاتينية المساندة للنزعة الانفصالية بجنوب المغرب وتحجيم العلاقة مع التحالفات والتكتلات الاقليمية المناوئة للمغرب. بمعنى آخر٬ البرازيل لن تقدم أبدا على اتخاذ مواقف هاته الجمهوريات من نزاع الصحراء.
لذلك، يُتوقع عدم امكانية ردة البرازيل عن موقفها المحايد ويُرتقب استمرارها باتخاذ موقف محايد من النزاع، دعما للمساعي الأممية وتأييدا لتسوية سياسية مقبولة من جميع الأطراف تستند إلى مبدأ تقرير المصير٬ خاصة وأن البراغماتية البرازيلية تقتضي الربح على جميع المستويات. فإذا اتسم موقفها بالحياد من النزاع فإنها ستربح إلا أنها إذا انحازت فإنها ستخسر لذلك ستحافظ على مسافة من الأطراف.
الاستمرار بالالتزام بالحياد من نزاع الصحراء
أما امكانية الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" المعلنة من طرف واحد، فالأمر متعذر للغاية، طالما أنها فاقدة لمقومات النشأة المتعارف عليها بالتشريعات الدولية. لذلك ففدرالية البرازيل لن تأثر بموقف منحاز في نزاع تبث فيه هيئة الأمم المتحدة لعدم التأثير على تفاعلاته وخدمة أجندة طرف بعينه على حساب الطرف الآخر٬ طالما أن النزاع معروض على أنظار هيئة الأمم المتحدة للبث فيه.
إلا أنه يجب على المغرب التأهب لتحركات وردود فعلية انفصالية على توطيد البرازيل لعلاقتها مع المغرب، كتوظيف البرلمان بهذا الصدد وذلك بتمرير توصيات تطالب الرئاسة المؤقتة بالاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" وإقامة علاقات دبلوماسية معها ومطالبتها بإدانة "خروقات حقوقية" بالصحراء وتأييد تكليف بعثة الأمم المتحدة بالصحراء بمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء.
لذلك يتوقع استمرار قيام النزعة الانفصالية بحملات ببرلمان الفدرالية بدعم من نواب وأحزاب يسارية، لدفع البرلمان للتورط في النزاع وذلك باتخاذ قرارات أو التوقيع على ملتمسات أو بلورة توصيات مناوئة للمغرب وبالتالي اقحام الحكومة في أزمة دبلوماسية مع المغرب بهدف إرباك العلاقات المغربية-البرازيلية٬ مثلما يتوقع منها أيضا استمرارها بنهج استراتيجية دعائية وعدائية ضد المغرب.
التغير الآخر٬ المرتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان بدوره يصب في صالح المغرب٬ إذا استثمر المغرب هذه الورقة٬ وإن كان مرتبط فقط على الأرجح بالمسألة الحقوقية بأمريكا اللاتينية٬ بحيث هذا الأمر سيدفع ربما البرازيل لشجب انتهاكات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف وانجاز تقارير بهذا الصدد وبلورة توصيات تدين هذه التجاوزات و تدين استبداد وديكتاتورية النزعة الانفصالية بجنوب المغرب.
الدبلوماسية الاقتصادية ضمانة للعلاقات الدبلوماسية
النقطة المتعلقة بنهج الدبلوماسية الاقتصادية بدورها تصب في صالح المغرب٬ حيث أنها ستقوم بالارتقاء بالعلاقات التجارية البينية٬ خاصة إذا استحضرنا أن حجم المبادلات التجارية الإجمالية المغربية-البرازيلية لم يتجاوز سنة ٬2015 ما مجموعه 12.5 مليار درهم٬ و هذا الرقم بالمناسبة غير متناسب والإدارة السياسية للبلدين. لذلك على المغرب تنويع وارداته من البرازيل لتجاوز وارداته التقليدية كالسكر.
هذه المسألة بودها تقوية الشراكة المغربية-البرازيلية ورفع المبادلات التجارية والرفع من مستويات التجارة البينية٬ لتجنب أية تأثيرات محتملة على العلاقات المغربية-البرازيلية٬ خاصة إذا استحضرنا اليوم بأن البرازيل تعد سادس منتج للقمح وثالث منتج للذرة وسابع منتج للأرز وثاني منتج للحوم وسابع منتج للألبان وخامس منتج للسيارات بالعالم. لذلك يعد التوجه نحو البرازيل ضرورة حتمية.
أما عمليا، فيرتقب بالأمد القصير-المتوسط تطوير للعلاقات المغربية-البرازيلية وارتفاع منسوب الشراكة الثنائية، طالما أن علاقاتهما البينية تكاملية٬ خاصة وأن البرازيل تعتبر الشريك الأول للمغرب بأمريكا اللاتينية، باحتكارها لوحدها تقريبا نصف المعاملات التجارية مع مجموع الشبه القارة الأمريكية اللاتينية، بحسب احصائيات سنة 2012. أما التفكير بعقد اتفاقية للتبادل الحر فقد نضجت ظروفه كفاية.
أحمد بنصالح الصالحي: مُهتم و مُتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية