العلاقات المستقبلية المغربية-البرازيلية 2/2 (أرجحية إعادة انتخاب العمالية ديلما روسيف)

الجمعة, 26 أيلول/سبتمبر 2014 07:40

أحمد بنصالح الصالحي
إن امكانية إعادة انتخاب ديلما روسيف (حزب العمال) تعد بدورها أرجحية واردة. فللأخيرة أيضا أوراقها الرابحة. فأولا، يساندها الرئيس البرازيلي الأسبق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا بشعبيته الواسعة؛ ثانيا، تترشح باسم حزب مدعوم من الشعب؛ ثالثا، تتوفر على أصوات القطاعات الزراعية، المتقاطعة مع الناشطة الايكولوجية، مارينا سيلفا، منافستها؛ خامسا، لها ضمانة تصويت نحو 40 مليون من الفقراء اللذين لم يعودوا كذلك، حيث دافع عنهم حزبها طيلة اثني عشر عاما الأخيرة من رئاسته للبلاد؛ سادسا، استفادتها من دعم القطاعات العمالية والطلابية والنقابية والساكنة الريفية؛ سابعا، امكانية حصولها على أصوات الهيئة الناخبة المترددة ولعب الامتناع والأصوات الملغاة، المقدرة بثلث الكتلة الناخبة لصالحها.

إذا فازت ديلما روسيف بولاية رئاسية ثانية، فإن امكانية انحيازها لصالح طروحات النزعة الانفصالية بجنوب المغرب واعترافها بما يسمى "جمهورية الصحراء" غير واردة تماما، ما دامت لم تخرج عن الحيادية طيلة عهدتها الرئاسية (2010 / 2014) ومادام لم يقم بذلك رفيقها بالحزب، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، إبان ولايتيه الرئاسيتين (2002/2006) و (2006/2010). لذلك، فالمطلوب، بهذا الموقف المتوازن والمحايد، تسريع وثيرة تكثيف العلاقات الاقتصادية والتجارية والإسراع بإتمام العديد من المشاريع المُشتركة المغربية-البرازيلية، الموقوفة التنفيذ، كونها ستكون ذات مردودية وانتاجية. بالإضافة إلى استعجالية التفكير بضرورة تحريك اتفاقية "الميركوسور" لتعزيز التجارة البينية.
أمَّا بالنسبة لموقف البرازيل من نزاع الصحراء، فينتظر على الأرجح أن يتسم طيلة الأربع سنوات القادمة، بالحياد بدلا من الانحياز، كما يرتقب اتخاده بالعودة إلى المواثيق الدولية وبالاستناد إلى التزاماتها الدولية، خاصة وأنَ البرازيل تعتبر اليوم دولة مؤثرة بالأسرة الدولية. لذلك يرتقب استمرارها بدعم المساعي الأممية، بهدف بلوغ تسوية سياسية تفاوضية، عادلة ودائمة، ومتوافق بشأنها ومقبولة من طرف جميع الأطراف. كما لن تقوم بدعم طرف على حساب الآخر، وإنَّما ستتشبث بالقرارات الأممية، كونها الفيصل، فضلا عن أنه يرتقب منها امتناعها عن أية خطوة لتغيير مسار النزاع لصالح أحد الأطراف وضد الآخر، كما يستبعد منها اتخادها أية خطوة أحادية الجانب، طالما هيئة الأمم المتحدة لم تبث بالنزاع.
إلا أنه لتفاد تأثير نزاع الصحراء مستقبلا على العلاقات الدولية للمغرب، يجب انتهاج متلازمة الاقتصاد مفتاح السياسية كونها سبيلا مضمونا لهاته الغاية. لذلك، فالمطلوب، بمبادرة من المغرب، هو تحديد الآليات الكفيلة ببلورة الإرادة السياسية المشتركة المغربية-البرازيلية إلى أجندة عملية، وتحويلها إلى انجازات ملموسة، بهدف تقوية الشراكة الثنائية ورفع المبادلات التجارية، سعيا لتحقيق الاستفادة المتبادلة. فهذه الامكانية ليست بتاتا بالمستحيلة وإنما بالممكنة. لذلك، يجب تقوية المنظومة اللوجستية وإقامة خطوط جوية وبحرية منتظمة بين البلدين بما يعزز المبادلات التجارية، فضلا عن إنشاء مشاريع استثمارية مشتركة مغربية-برازيلية، واعتماد رسوم جمركية تفضيلية ومنخفضة لتشجيع التجارة البينية.
بالإضافة إلى إقامة الشراكات مع القطاعات الخاصة بالبلدين، خاصة وأنه بالمغرب، يعد القطاع الخاص قاطرة تنموية وشريكا للدولة كما أنه يتوفر بالبرازيل على أجندة دولة، فيما معناه أنه بإمكانه عقد اتفاقيات ذات طبيعة دولية. فبإشراك هذا القطاع، بوسع البرازيل والمغرب، الرفع من منسوب علاقاتهما الاقتصادية، بحيث بإمكان البرازيل التي تعتبر إلى حدود اليوم الشريك رقم واحد للمغرب بالقارة الأمريكية اللاتينية بأسرها، بما معدله تقريبا 55 بالمائة من مجموع التجارة البينية بذات القارة، وفق أرقام 2012، رفع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب، ما دامت هناك امكانيات هائلة للاستفادة منها وما دامت هناك حاجة بالآخر وطالما هناك علاقة تكاملية وصيغة رابح-رابح بين البرازيل والمغرب.
فالمغرب، المقدرة حاليا ايراداته من البرازيل بما يناهز 50 بالمائة من مجموع الواردات القادمة من أمريكا اللاتينية، يمكنه أن يسترد منها مواد غذائية يستهلكها بامتياز. فالنسبة للقمح تعتبر البرازيل (السادسة عالميا من حيث الانتاج) وبالنسبة للذرة فتعتبر (الثالثة) وبالنسبة للأرز فتعتبر (السابعة)، فضلا عن امكانية استيراد السكر وزيت المائدة النباتية. بالإضافة إلى استيراد اللحوم الحمراء منها، كونها تعتبر أكبر منتج للحوم بالعالم حيث تقدر إنتاجيتها 15 مليون طن سنويا، نظرا لتوفر على ثاني أكبر قطيع للماشية بالعالم بعد الهند طبعا، بما مجموعه (200 مليون رأس) محتكرة بذلك 13 بالمئة من مجموع ثروة العالم الحيوانية كما تعتبر كذلك سابع منتج للألبان و مشتقاتها بالعالم بما مقداره 22 مليون طن سنويا.
بالنسبة للصادرات المغربية نحو البرازيل المستحوذة حاليا على أكثر من 70 بالمائة من مجموع صادرات المملكة نحو أمريكا اللاتينية، فبدورها مطالبة بالارتفاع، خاصة وأنها إذا قارناها بالصادرات الجزائرية مثلا، فنجد الأخيرة تضاعفها، حيث بلغت السنة المنصرمة (ثلاثة مليارات دولار). لذلك يجب، فضلا عن تعزيز صادرات المغرب للأسواق البرازيلية من الفوسفاط ومشتقاته والأسمدة والمقويات والمكملات الزراعية، تعزيز تصدير قطع غيار السيارات والطائرات المنتجة بالمغرب كون البرازيل تعتبر خامس أكبر منتج للسيارات بالعالم وشريك بصناعة الطيران، علاوة على رفع صادرات منتجات الصناعة التحويلية والزيوت الصناعية والمنتجات الكيماوية والتقنية المصنعة محليا.
لذلك، يجب، لبلوغ هذه الغايات، الإسراع بتكييف الاتفاقات-الإطار الثنائية وتقوية الآليات السياسية ( التشريعات والاتفاقيات واللقاءات واللجان المشتركة والصداقة البرلمانية...)، كونها البوابة الآمنة والضامنة لمزيد من تطوير العلاقات الاقتصادية و التجارية، وذلك بهدف بلوغ المغرب لمكانة متميزة كشريك واعد بالمنطقة الشمالية الأفريقية لتجمع "الميوركوسور" عبر البوابة البرازيلية وكذا بلوغ الصادرات البرازيلية للأسواق الأفريقية. كما قد يعد التفكير في عقد اتفاقية للمبادلات الحرة، بصيغة تكاملية ذكية، مستلهمة من فكرة التعاون جنوب-جنوب، البرازيلية-المغربية، عاملا لتمنيع العلاقات السياسية من التأثر والتوتر، وبالضرورة، تمتيع العلاقات الاقتصادية مستقبلا من مزيد من التطور.
التحديات، بالنسبة للحكومات المغربية والبرازيلية، ليست بالهينة أمام الاكراهات والظروف، إلا أن المهمة ليست مستحيلة بتاتا. فالمغرب، مطالب من جهته، حكومة وقطاعا خاصا، بأخذ زمام المبادرة والتسلح بأجندة مشاريع مشتركة، ذات انتاجية ومردودية، لطرحها على طاولة المفاوضات مع السلطات أو الأطراف البرازيلية، بهذف اقناعها وبلورتها إلى انجازات ملموسة. لماذا؟ لأن البرازيل ستصبح إذا استحضرنا الأمد البعيد (الثلاثة العقود القادمة) القوة الاقتصادية الخامسة بالعالم، بحسب الاستطلاعات، حيث ستقع في سلم الترتيب مباشرة خلف الدول الصناعية، الولايات المتحدة واليابان والصين وألمانيا، و ستتجاوز دولا أوروبية متقدمة كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ودولا صاعدة كالهند وروسيا.
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية والمغربية-الأمريكية اللاتينية
26/09/2014

 

قراءة 1352 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)