كتاب جديد: تجربة البرازيل التنموية الرائدة

الإثنين, 30 أيار 2016 09:35


كيف نجح الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا فى إبداع تجربة تنموية رائدة تغير بها وجه البرازيل الحديثة؟ كيف جعل من الفقراء أيقونته الأثيرة، وهدفه الأول، فسعى لإنقاذهم من واقعهم المرير؟ هذان السؤالان وغيرهما يجيب عنها إبراهيم السخاوى مراسل الأهرام فى البرازيل فى كتاب بعنوان "لولا دا سيلفا وحلم البرازيل".
- ضد الظروف والأحوال المتردية، ضد الفقر والجهل والبؤس، جاء لويس إيناسيو لولا داسيلفا. هل كانت السماء تجهزه للمقاومة ثم الحلم والتغيير لتولد معجزة الثمانى سنوات التى غيرت وجه البرازيل؟ من ثلاثية الفقر والجهل والمرض كتب داسيلفا ثلاثية البرازيل الجديدة: ثراء الإمكانات، وتطوير التعليم، والرعاية الصحية. نعم مازالت البرازيل لم تتخلص من بعض مشكلاتها الاجتماعية حتى الآن لكنها تخلصت من العجز والفشل والكسل على يد داسيلفا وربما إلى غير رجعة.


وفى هذا الكتاب الجديد "لولا دا سيلفا وحلم البرازيل" للكاتب الصحفى إبراهيم السخاوى شرح ا لتجربة البرازيل التنموية الرائدة.
وبالنسبة لى أنا الصحفى المصرى (مراسل الأهرام بالبرازيل) عندما أسأل نفسى: كيف أضع ملامح محددة للتجربة البرازيلية أجدنى مدفوعا للإجابة عن السؤال الأشمل: هل يمكن بناء دولة بينما قرارها الاقتصادى فى يد "الآخر"؟ هذا السؤال الأساسى هو قضية داسيلفا الأولى، وتستدعى إجابته الإصرار على الاستقلال الاقتصادى للبرازيل من أجل إعادة بناء البرازيل. ومن أولى خطواته بإلغاء المنطقة الحرة للتجارة بين الأمريكتين التى كانت تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المقام الأول. وفى المقابل استطاعت البرازيل أن تشكل تجمعات اقتصادية ذات هدف مزدوج، الاستقلال الاقتصادى الذاتى، وقيادة دول أمريكا الجنوبية وبلدان أخرى من العالم للتخلص من السيطرة الاقتصادية الأمريكية خاصة والغربية عامة، وإعلاء شأن التنمية الاقتصادية الوطنية ودعم الاستقلال الاقتصادى. وعندما أتطلع إلى فكرة العائلة كنواة أساسية للمجتمع فإنه لا يمكن اعتبار برنامج الدعم العائلى "بولسا فاميليا"Bolsa Familia مجرد برنامج يمنح أقساطا مالية لمساعدة الفقراء فحسب، بل إنه البرنامج الذى وضع شروطا لكى تصبح مساعدة الفقراء دعما اجتماعياً للمجتمع بأسره، فالمواطن لا يحصل على إعانته ما لم يلتزم بإرسال أولاده إلى المدارس، والالتزام برعايتهم صحيا بالالتزام بتناول الأمصال الوقائية، إنه الدعم الاجتماعى الذى يحول المسار المجتمعى للفقراء، فلا يجب توريث الفقر والمرض وراثيا وطبقيا. هكذا يجب فهم سياسات الدعم الاجتماعى التى طبقها داسيلفا. ومن الأسرة إلى قوتها - أقصد سياسات الأمن الغذائى التى توفر للشعب مايجعله قادرا على التقدم للأمام.


ترى كيف كان يحلم لولا داسيلفا بمحتوى سلة غذاء البرازيليين؟ وعندما جاءت الفرصة ليرأس البرازيل تحول الحلم بإصرار وعناد إلى سياسات عاجلة وحيوية لتؤمن الغذاء من ناحية وتكافح الفقر الذى استشرى فى البرازيل من ناحية أخرى، ويبدع داسيلفا ورفاقه فى الأمن الغذائى فيتم طرح فكرة الإصلاح الزراعى الأسرى ليكون مدخلا لبرنامج القضاء على الجوع فى البرازيل أو ما يسمى برنامج (الجوع صفر)، وعلى الدرب يعطى ضمانات بغدٍ تودع فيه البرازيل الجوع لتكمل مسيرة عنيدة وفاعلة فى القضاء على الفقر. وقد قال لى رئيس البرازيل السابق لولا داسيلفا بحيوية فائقة تنم عن نشاط ذهنى مستمر ومتقد: لقد تركت منصب رئيس البرازيل وأنا على اقتناع بأننى قد وفيت واجبى واستوفيت الثقة التى أودعنى اياها الشعب البرازيلى، لقد تمكنا من القيام بثورتين صغيرتين فى هذا البلد: الأولى، أثبت الشعب البرازيلى فيها أنه من الممكن انتخاب "عامل تعدين" رئيسا للبلاد، ثم يأتى هذا العامل ليثبت أنه يستطيع أن يدير ويحكم بشكل أفضل من الكثيرين ممن يحملون الكثير من الشهادات. والثانية: أنه بعد فترتى حكمى تم انتخاب أول امرأة رئيسة للجمهورية.


- "سياسات الدعم الاجتماعى"


لقد ارتفعت معدلات النمو فى البرازيل إلى مستويات مبشرة بفترة رخاء فى السنوات الأولى من حكم لولا داسيلفا بسبب سياسات توزيع الدخل، بالإضافة إلى التحكم والسيطرة على التضخم، وزيادة حد الائتمان لمختلف طوائف الشعب على حد سواء، كل تلك الأمور تسير جنبا إلى جنب مع سياسات الدعم الاجتماعى. وتشير المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التى سنقوم بإدراجها لاحقا إلى أن سكان البرازيل يعيشون على نحو أفضل، حيث نرى ذلك من خلال زيادة القوة الشرائية، وتوافر المزيد من فرص النمو ورقى الحياة اليومية للمواطن، وتوفير فرص أفضل للعمل، وارتفاع دخل المواطن البرازيلى. ويتضح ذلك من خلال الآتى:


- "الاقتصاد":
الحد الأدنى للأجور فى عام 2002 كان يقدر بنحو 200 ريال برازيلى، ثم اتجه صعودا إلى 510 ريالات فى عام 2010. مقارنة بالدولار الأمريكى الذى كان يقدر بـ81 دولارا برازيلياً ثم اتجه إلى 288 فى الفترة نفسها. وبالنسبة لفرص العمل الرسمية فإن حكومة لولا وفرت 14.7 مليون فرصة عمل فى الفترة من يناير 2003 إلى سبتمبر2010، ومعدلات البطالة - فى عام 2002، كانت تقدر بنحو 9.2% ثم انخفضت لتصبح 6.2% فى سبتمبر 2010، أما معدلات التضخم فقد انخفضت من 12.53% فى 2002 إلى 4.31% فى 2009. والصادرات زادت نسبتها لتصل إلى 152.9 مليار دولار فى 2009 بعد ان كانت تقدر بـ60.3 مليار دولار فى 2002. وارتفعت الاحتياطيات الدولية من 38 مليار دولار فى 2002 إلى 275 مليار دولار فى 2010. وصافى الدين العام كانت نسبته إلى الناتج المحلى الإجمالى تقدر بـ60.6% فى عام 2002، وهو العام الأخير من إدارة كاردوزو، ثم مع حكومة لولا، انخفضت هذه النسبة إلى 41.4%.


- "التنمية الاجتماعية":


فى عام 2002 كانت نسبة الفقر بين الشعب البرازيلى تقدر بنحو 44.7%، ونصيب الفرد من الدخل الشهرى كان يصل إلى نصف الحد الأدنى للأجور. لكن، فى عام 2009 انخفضت تلك النسبة إلى نحو 29.7%، وهذا يعنى ان 27.9 مليون شخص استطاعوا أن يتعدوا خط الفقر ما بين عامى 2003 و2009. والمرافق الاجتماعية فى الدولة تقريبا يبلغ عددها 7000 مرفق - هى حلقة الوصل بين الحكومة والمواطن، وهناك طريقة مباشرة للمساعدة الاجتماعية الموحدة أنشأتها حكومة لولا، ففى حكومة كردوزو لم تكن هناك مرافق اجتماعية. وكانت نسبة سوء تغذية الأطفال 12.5% فى عام 2003 ثم انخفضت إلى 4.8% فى عام 2008، أى انخفاض بنسبة 61% ومعدلات وفيات الأطفال الرضع انخفضت من 24.3 حالة وفاة لكل ألف مولود حى فى عام 2002 إلى 19.3 فى الألف فى عام 2007. وفيما يتعلق بخدمة تقديم الدواء فقد ارتفعت الموارد المخصصة من جانب وزارة الصحة لتوفير الأدوية للمواطنين بدون مقابل من 660.16 مليون ريال فى عام 2002 إلى 2.36 مليار ريال فى عام 2010.


وبالنسبة للتعليم، انخفضت معدلات الأمية فى البرازيل من 11.9% من السكان فى عام 2002 إلى 9.6% فى عام 2009. وتضاعفت أعداد المدارس الفنية هناك مرتين ونصف المرة فى عهد لولا. وبحلول نهاية عام 2010، تم الانتهاء من تشغيل 214 مدرسة، بينما فى عهد سيرا وكاردوزو كانت هناك 11 مدرسة فنية فقط. وقام لولا - وبعده الرئيسة ديلما - بإنشاء 15 جامعة جديدة، وزادت معدلات الالتحاق بالتعليم العالى بنسبة 63% ما بين عامى 2003 و2009. حيث ارتفعت أعداد الطلاب من 394 مليون طالب إلى 644 مليون طالب.
وفى الإسكان، كانت استثمارات ومشروعات الإسكان تقدر بـ7 مليارات فى عام 2002. وفى 2009 زادت لتصبح 63.3 مليار. وقد تضاعف الحد الأدنى للأجور عن تلك الأخيرة التى مُنحت فى 2003 لتصل لنمو اسمى بنحو 72% وزيادة حقيقية بمقدار 46.05%، حيث شملت تلك الزيادة نحو 42 مليون برازيلى، معظمهم من العمال الرسميين وغير الرسميين، كما شملت المتقاعدين وأصحاب المعاشات. تلك الزيادة الكبيرة تعنى زيادة القوة الشرائية، وخدمة الفقراء. ومع استئناف حركة التنمية، استطاع العمال من خلال النقابات العمالية الحصول على أجور أفضل. ففى 2004 وحتى 2009 نما متوسط الرواتب البرازيلية بنسبة 22.36%. ومتوسط الراتب المقبول ارتفع من 568.88 ريال برازيلى فى عام 2003 إلى 696.10 ريال فى عام 2008. وفى خلال السبع سنوات لحكومة لولا، 92% من فئات الوظائف حصلت على زيادة حقيقية.
وبفضل تشجيع الائتمان والاستهلاك وإدراج ملايين العائلات فى السوق الاستهلاكية، تم خلق ملايين من فرص العمل.


- "الطابع الديمقراطى للدولة":


اهتمت حكومة الرئيس لولا بتنفيذ ديمقراطية متشددة فى جميع قطاعات الدولة، حيث قامت بالعمل على إفساح المجال للمشاركة الشعبية وتقدير دور المنظمات الاجتماعية من خلال إنشاء مجالس مختلفة على مستوى الوزارات لفتح قنوات الحوار مع الحركات الاجتماعية، والاعتراف الكامل بها وبالمراكز النقابية، بالإضافة إلى عشرات المؤتمرات التى ناقشت بعمق وبمشاركة واسعة مختلف الموضوعات المتعلقة بالمجتمع البرازيلى. وتمثلت التحديات التى واجهت حكومة حزب العمال فى: ضمان توفير الخدمات الصحية بشكل كامل للمواطن البرازيلى، وتعميق برنامج النظام الصحى الموحد SUS وتخصيص المزيد من الموارد لهذا القطاع، وإقامة شراكات بين حكومات الولايات والمحليات والبلديات كمثال خدمة الطوارئ المتنقلة Samu وأيضا تحدى عالمية التعليم، اى تعميم التعليم وحصول الجميع على تعليم ذى كفاءة وذات نوعية جيدة.


- "الخلاص من الدين الخارجى":


لأول مرة فى التاريخ تستطيع البرازيل تسديد ديونها للدول الأجنبية، ففى منتصف فترة حكم لولا أصبحت البرازيل دوله دائنة وليست مدينة. هذا التحول له بالتأكيد أهمية تاريخية، ولكن لكى نفهم تلك التحولات يجب علينا ان نعى طرق تكوين الديون الخارجية، وطرق سدادها، وتأثير ذلك على وضع الدولة بالنسبة للتكامل الاقتصادى العالمى.
الدين الخارجى هو مجموع ديون المقيمين فى البرازيل للخارج، متمثلين فى الحكومة الوطنية وحكومات الولايات والمحليات، والمؤسسات المالية والشركات المحلية والأجنبية، بشرط ان يكون مقرها داخل الأراضى البرازيلية. وعلينا أن نفرق بين نوعين من الديون: مسئولية الكيانات الخاصة، وما هى مسئولية الحكومة. وقد كان أكبر دين خارجى وصلت إليه البرازيل فى عام 1998 وكانت قيمته 223.8 مليارات دولار. فى ذلك الوقت، وبسبب أزمة كبيرة فى روسيا أدت إلى هروب كميات كبيرة من رءوس الأموال البرازيلية، والذى أدى بدوره إلى ركود شديد فى البرازيل. وفى ذلك الوقت قام الرئيس كاردوزو بتغيير إدارات البنك المركزى البرازيلى، وتم خفض قيمة الريال فى بداية ولايته الثانية فى عام 1999. ونتيجة لذلك، تمكن من تقليص العجز فى الميزان التجارى، وتمكن من عكس الموقف الكارثى للديون الخارجية حينذاك. وبعدها قامت حكومة الرئيس لولا بتعويم سعر الصرف مع مراقبة معدل التضخم، وبالرغم من هروب رؤوس أموال كبيرة فى عام 2003، قامت الحكومة بخفض سعر الفائدة ونشر برامج تعمل على إعادة توزيع الدخل، وهكذا بدأ الاقتصاد يتعافى وينمو مرة أخرى، ففى تلك الفترة كانت أرباح البنوك والشركات الكبرى تزداد بشكل ملحوظ. وتمت زيادة معدل الفائدة لما هو أعلى بكثير من الدول المتقدمة، مما أدى إلى عودة طوفان من الأموال، وأيضا العملة الصعبة، وكان لذلك مردود كبير على قوة الريال البرازيلى، مما تسبب فى نمو الصادرات وزيادة الواردات فى السنوات الأخيرة.


- "برنامج الدعم العائلى":


برنامج الدعم العائلى "البولسا فاميليا" Bolsa Familia هو برنامج حكومى، بدأ بشكل مؤقت فى أكتوبر 2003، من قبل حكومة لولا داسيلفا، يهدف إلى التحويل المباشر للدخل للأسر الفقيرة، التى يتراوح دخل الفرد الشهرى فيها من 60 ريالا برازيليا إلى 120 ريالا، بالإضافة إلى الأسر التى تعانى الفقر المدقع، والتى يصل دخل الفرد فيها إلى 60 ريالا شهريا. ومن السمات الرئيسية للبرنامج أنه يسعى إلى الدمج بين المزايا المالية والحصول على الحقوق الاجتماعية الأساسية، مثل الصحة والغذاء والتعليم والمساعدات الاجتماعية. البولسا فاميليا له هدفان أساسيان: مكافحة الفقر والتهميش الاجتماعى، وتمكين الأسر الأكثر فقرا. ومن مستجدات هذا البرنامج الاجتماعى، أنه جاء ليوحد مختلف البرامج الاجتماعية الأخرى للحكومة الفيدرالية، مثل بولسا أسكولا (المنح الدراسية)، وبولسا ألمنتاساو (الغذاء)، وكارتاو ألمنتاساو (كارت التغذية)، وأوسيليوا غاز (الخاص بتوفير أسطوانات الغاز المنزلية). كل هذا فى برنامج واحد فقط. هذا التوحيد كان يهدف لضمان أكبر قدر من المرونة فى التحويلات المالية، والحد من الروتين وتحسين السيطرة على الموارد. وتعد وزارة التنمية الاجتماعية ومكافحة الجوع (MDS) هى المخولة بإدارة برنامج البولسا فاميليا بالشراكة مع حكومات الولايات والمحليات. وحكومة المحليات تقوم بجمع وتسجيل بيانات الأسر فى قاعدة بيانات كسجل موحد، مع مراعاة شروط الاستحقاق، بجانب القيام بإجراءات تكميلية تهدف إلى التنمية المستديمة للأسر الفقيرة فى المدينة.
وتلك الإجراءات تتمثل فى: المشاركة فى المتابعة الصحية، والانتظام فى برنامج التغذية السليمة للأطفال، والمواظبة على مراقبة مستوى الأطفال فى مدارس التعليم الأساسى، والمشاركة الفعالة فى أنشطة التوعية الغذائية، واستنادا إلى تلك المعلومات الصادرة من المحليات، تقوم الوزارة باختيار الأسر المستفيدة. وتتم الرقابة الاجتماعية للبرنامج من خلال تشكيل اللجان المحلية المشتركة، بالتعاون بين القطاعات بشكل متساو. ويقوم بنك كايشا أكنوميكا فيديرال (CEF) بإدارة عملية تحويل المساعدات.


- "مكافحة الفقر":


تمثلت التحديات الرئيسية التى واجهت حكومة الرئيس لولا ما بين عامى 2003 و2010 للقضاء على الجوع فى مواجهة الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائى للأسر فى ظروف الفقر والضعف الاجتماعى، بالإضافة إلى حماية الزراعة الأسرية والمزارعين من الآثار السلبية لسياسات الأسعار التى تخضع للسوق، فى ظروف ضياع المحاصيل بسبب الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والآفات. وقد تم مناقشة السياسات العامة لقضايا انعدام الأمن الغذائى، والضعف الاجتماعى، وشبكة الأمان الاجتماعى، تلك القضايا الثلاث أسفرت عن نتائج مهمة بالنسبة للملايين من الأسر الضعيفة اجتماعيا فى البرازيل.
الأولى: إستراتيجية الحكومة الاتحادية لتعبئة الدولة والمجتمع لمكافحة ومواجهة الجوع، المعروفة باسم استراتيجية القضاء على الجوع (الجوع صفر). والثانية: تشير إلى العمل السياسى والمؤسسى لتشغيل وتنفيذ وتأسيس نظام الأمن الغذائى والتغذية الآمنة (Sisan). والثالثة: إدارة السياسات العامة والقدرة على حماية وتعزيز حق الأسر فى الحصول على غذاء صحى من خلال تعزيز وتطوير الزراعة الأسرية فى الريف والزراعة التقليدية.
وتتميز استراتيجية القضاء على الجوع (الجوع صفر) Fome zero بالدعم المستمر منذ انطلاقها فى عام 2003، من خلال تعزيز حق الدولة فى التدخل والتنظيم، بالإضافة إلى الرقابة والمشاركة الاجتماعية، وتغيير الإطار القانونى لمصلحة تلك السياسات واعتماد مبادئ توجيهية لحماية حق الحصول على الغذاء وتعزيز الزراعة الأسرية، وإنشاء وتعديل البرامج الوطنية لتخدم اكبر عدد من المحتاجين، والسعى للحصول على موارد وميزانيات مناسبة لحجم الطلب، بما فى ذلك سياسات التنسيق الأفقية (بين القطاعات) والعمودية (اللامركزية).


- "سياسات الأمن الغذائى":


فى عام 2002 تم انتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئيسا لجمهورية البرازيل، وقد اختار مشروع مكافحة الجوع - أو الجوع صفر - ليكون واحدا من أهم برامجه خلال حملته الانتخابية. وبدأ برنامج الجوع صفر قبل عامين من الانتخابات، من خلال التنسيق من معهد المواطنة، كمؤسسة خيرية وغير حكومية، كان يرأسها فى ذلك الوقت لولا نفسه. وبعد الانتخابات وفوز لولا بالرئاسة قامت الحكومة بتنفيذ ذلك البرنامج الذى حظى بتأييد جماهيرى كبير، إلى جانب تأييد فى جميع أنحاء العالم، فكان بمثابة اقتراح لضمان سياسة الأمن الغذائى لدول العالم الثالث. وكان من أول أعمال لولا بعد توليه منصب الرئيس هو إنشاء حقيبة وزارية للأمن الغذائى ومكافحة الجوع، وخصص لها ميزانية كبيرة، قدرت بنحو 1.8 مليار ريال برازيلى، وأعاد إنشاء المجلس الوطنى للأمن الغذائى والتغذية، كجهاز يقدم المشورة لرئيس الجمهورية، مكون من 62 عضوا من بينهم 13 وزيرا و38 من ممثلى المجتمع المدنى و11 مراقبا.
بعد سنتين وعشرة أشهر، قام برنامج مكافحة الجوع (الجوع صفر) بتعزيز حق المواطن فى الغذاء الكافى، من خلال سياسة الأمن الغذائى والتغذية والزراعة الأسرية، وتشجيع تأسيس الجهات التعاونية، وزيادة اعمال البنية التحتية، حيث اتيحت فرصة امام المواطن للوصول إلى التثقيف الغذائى. وللمرة الأولى يتم إدراج مفهوم حق الإنسان فى الغذاء فى السياسات العامة للدولة، من خلال تنفيذ برنامج الجوع صفر فى عام 2003. وقد ساعدت تلك السياسات فى نشر مفهوم الأمن الغذائى فى العملية التشاركيه بين قطاعات الإدارة المختلفة والمجتمع. واستطاعت أن تتميز عن العديد من السياسات الاخرى، بإتباعها نهجا متكاملا فى التعامل من خلال الجهات الحكومية على جميع مستويات الحكومة الثلاثة بطريقة تشاركيه، ومع المجالس الوطنية، والقطاعات المسئولة عن الأمن الغذائى.


- "سياسة خارجية منضبطة":


قامت السياسة الخارجية لحكومة لولا على احترام المعالم التى وضعها دستور جمهورية البرازيل الاتحادية، الذى تم اعتماده فى عام 1988، حيث المادة رقم 4 التى تنص على أن جمهورية البرازيل الاتحادية تحكمها فى علاقاتها الدولية المبادئ التالية: الاستقلال الوطنى. سيادة حقوق الإنسان، حق تقرير المصير، عدم التدخل، المساواة بين الدول، الدفاع عن السلام، التسوية السلمية للنزاعات، التنصل من الإرهاب والعنصرية، التعاون بين الشعوب من أجل تقدم الإنسانية، ومنح اللجوء السياسي. ومن خلال تلك المعايير الدستورية استخدمت حكومة لولا سياساتها الخارجية كأداة مهمة لتحقيق ما يلى: أ) التنمية الوطنية والتكامل الإقليمى والحد من مواطن الضعف الخارجية، ب) تعزيز دور الدولة فى مجال حماية الحدود البحرية والبرية، خاصة فى منطقة الأمازون، ج) التوسع فى الدور الدولى للبرازيل، كمثال الحصول على العضوية الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، مع التركيز على إصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف، وتعزيز العلاقات مع الدول الرئيسية الأخرى، متجنبين الاتفاقات الفرعية، والعمل على الاستثمار بكثافة فى التكامل الإقليمى.


- "كأس العالم والاوليمبياد":


كان الإبداع سمة مميزة للسياسة الخارجية لحكومة الرئيس لولا، وذلك إلى جانب التحالفات المختلفة التى تم تنفيذها حينذاك من خلال الآليات الإقليمية وموقف البرازيل الجاد فى المحافل الاقتصادية المختلفة. وهنا يجب تسليط الضوء على استخدام الرياضة كأداة فى السياسة الخارجية البرازيلية، فعلى الرغم من أن السياسة الخارجية قد تكون مهمشة فى كثير من البلدان، فإنها فى البرازيل حظيت باهتمام كبير من جانب حكومة لولا، ويرجع السبب فى ذلك إلى استضافة البرازيل اثنتين من أكبر الفعاليات الرياضية فى العالم: كأس العالم فى عام 2014 ودورة الألعاب الأوليمبية والبارالمبية، التى سوف تقام هذا العام 2016. وهذا هو المغزى السياسى من وراء تلك الفعاليات والاهتمام الموجه للرياضة، الذى تم إنشاؤه فى هيكل وزارة الخارجية البرازيلية من خلال إنشاء هيئة تنسيق التعاون الرياضية. وقد كان لإنشاء الهيئة العامة لتنسيق التبادل والتعاون الرياضى (CGCE) فى يناير 2008 صدى جيد ورد فعل إيجابى لعدة أسباب منها: الطلب المتزايد من البلدان النامية للتعاون مع البرازيل فى مجال الرياضة، وخاصة فى مجال كرة القدم. واختيار البرازيل لتكون منظم فعاليات كأس العالم 2014. وترشيح البرازيل لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية 2016.


http://digital.ahram.org.eg/articaldetails.aspx?Serial=2096118&part=2

قراءة 5168 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)