الدول العربية واللاتينية.. عشر سنوات من التقارب والمواقف المشتركة

الأربعاء, 04 تشرين2/نوفمبر 2015 09:38

 

يعود تاريخ تبادل التمثيل الدبلوماسي لبعض الدول العربية مع دول أمريكا الجنوبية إلى منتصف القرن العشرين، حيث كانت علاقاتها على مستوى عال في الخمسينات والستينات من القرن العشرين في إطار مجموعات سياسية واقتصادية عديدة، وتميزت العلاقات بمواقف متوازنة بل ومؤيدة في أحيان كثيرة للمواقف العربية، فيما يتصل بالصراع العربي-الإسرائيلي.
القضية الفلسطينية كانت الملف العربي الوحيد الحاضر لدى الرأي العام في أمريكا اللاتينية، في الوقت الذي شهدت فيه الكثير من الدول اللاتينية حركات تحرر مسلح اتخذت الكفاح الفلسطيني نموذجا يقتدى به، بينما كانت الأنظمة العسكرية الحاكمة في السبعينات والثمانينات تميل إلى (إسرائيل) إلا أن هذه المواقف تبدلت بعد مجيء حكومات لها جذور يسارية تعود إلى حقبة السبعينات، كالبرازيل وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور.
العلاقات بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية أثبتت تميزها قبل عشرة أعوام في القمة الأول التي جمعت الدول العربية واللاتينية في البرازيل، وجاء في البيان الصادر عن القمة والمعروف باسم (إعلان برازيليا) التأكيد على قوة العلاقات بين القطبين، وشدد على "حق الشعوب في مقاومة الاحتلال" البند الذي أثار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة إثر مطالبة البيان بتفكيك المستوطنات الموجودة على الأراضي الفلسطينية، ومطالبته بانسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل 1967، ما دفع حكومة الاحتلال خلال الأعوام التي تبعت القمة الأولى إلى محاولة تكثيف تواصلها مع الدول اللاتينية لدفعها إلى إعلان تحفظها على مخرجات القمة المتعلقة المطالبات بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، وإزالة المستوطنات بما فيها المتواجدة في القدس الشرقية، إضافة إلى المطالبة بتنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن جدار العزل العنصري، لكن هذه التحركات الإسرائيلية فشلت بسبب متانة العلاقات بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.
قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والاعتراف بها رسميا كان ضمن المواقف التي عملت مجموعة من دول أمريكا الجنوبية في صالحها، حيث توج ذلك باعتراف البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وبوليفيا وباراغواي وأورغواي وبيرو وتشيلي بفلسطين، ما شكل مفتاحا لدول أخرى الى أن تحذوا حذوها متجاوزة بذلك عدد من القرارات التي رفضت الاعتراف بدولة فلسطينية على أراضي (1967) كما عكس إمكانية وقوة التحرك حتى في بعض دول القارة التي يوجد بها لوبي إسرائيلي، ما يؤكد قوة التأييد للقضية.
وقال الدكتور محسن منجيد المتخصص في شؤون أمريكا الجنوبية في حديث ل«الرياض» إنه خلال السنوات الماضية اعترفت دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية (باستثناء كولومبيا) كما نددت بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأن الدعم الثابت لدول أمريكا الجنوبية لصالح القضية الفلسطينية أصبح يأخذ أشكالا متعددة، كوقف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل والتنديد الجماعي بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، كما دعمت تلك دول بشكل قوى انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم سنة 2011 ، وصوتت كذلك لصالح حصولها على صفة عضو غير مراقب بمنظمة الأمم المتحدة سنة 2012.
مشيراً إلى أن رؤساء دول أمريكا الجنوبية يعبرون عن تضامنهم ودعمهم لمختلف الجهود العربية والدولية المبذولة لإيجاد حلول سلمية للنزاعات في المنطقة، في مختلف القضايا.
الدولة اللاتينية كان لها موقف من الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران حيث طالبت في إعلان برازيليا بالاستجابة لمبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة آن ذلك والتي ترمي لمواصلة الحل السلمي لقضية جزرها الثالث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) وذلك طبقاً لمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي، وعبر الحوار والمفاوضات المباشرة.
الدولة العربية من جانبها أيدت موقف دول أمريكا الجنوبية حول الجزر المتنازع عليها بين الأرجنتين وبريطانيا، إذ جاء بالإعلان دعوة بريطانيا وأيرلنديا الشمالية إلى استئناف المفاوضات من أجل إيجاد حل عادل وسلمي دائم، فيما يتعلق بالسيادة في قضية جزر مالفيناس في أقرب وقت ممكن وفقا لقرارات الأمم المتحدة المتعددة في هذا الشأن، واعتبر تضمين جزر مالفيناس وجورجيا الجنوبية وساندويتش الجنوبية كأراض مرتبطة بأوروبا، لا يتفق مع حقيقة وجود نزاع على السيادة في هذه الجزر.
وفيما يتعلق بالتمثيل الدبلوماسي بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية أوضح منجيد، أن ديناميكية التقارب بين الجانبين كان لها دور رئيسي في الرفع من مستوى البعثات الدبلوماسية بين كلا الجانبين خلال السنوات الماضية، مبيناً أنه وبحكم العلاقات المتميزة للدول العربية مع كل من البرازيل والأرجنتين فقد بلغ اليوم عدد السفارات العربية المعتمدة في برازيليا 14 سفارة وفي بوينس أيرس 11 سفارة، مشيراً إلى أنه رغم تركيز التمثيل الدبلوماسي سواء من قبل الجانب العربي أو الجنوب أمريكي على عدد محدود من العواصم في كلا المنطقتين، إلا أن الوتيرة المتميزة التي يعرفها تطور العلاقات الثنائية بين الجانبين ستكون حاسمة في الرفع من مستوى البعثات الدبلوماسية إلى الدرجة المطلوبة في أقرب وقت.
وقال المتخصص في شؤون أمريكا الجنوبية أنه من المرتقب أن يصدر عن القمة الرابعة لرؤساء الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية "إعلان الرياض" الذي سيتوج عشر سنوات من التقارب بين الجانبين، حيث ستشكل القمة على المستوى السياسي فرصة لاتخاذ مواقف مشتركة حول أهم القضايا المطروحة داخل الإقليمين كالوضع في اليمن وسوريا والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وأنه من المنتظر كذلك صدور قرارات تعزز التعاون بين الجانبين حول مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية واللوجستية منها.
وحول القضايا الدولية أشار محسن منجيد إن القرارات المرتقب صدورها ستدعم مواقف الدول النامية في المطالبة بحكامة دولية انجح داخل المؤسسات الاقتصادية والتجارية الدولية وبديمقراطية أكثر داخل هيئات اتخاذ القرار الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، معتبراً أن القمة المرتقبة في العاصمة الرياض سوف تشكل محطة متميزة لتقوية التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.
04/11/2015
http://www.alriyadh.com/1097170

 

قراءة 1700 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)