المسلمون في تشيلي..والإصرار على البقاء
الأربعاء, 16 آذار/مارس 2016 10:00عدد المسلمين في جمهورية "تشيلي":
تقدر الإحصائيات المسلمون في تشيلي بحوالي 4000 مسلم يمثلون أقل من 0.1% من السكان. ومعظم المسلمين في تشيلي من أهل السنة والجماعة.
كيف وصل الإسلام إلى "تشيلي" ؟
في جمهورية "تشيلي" لم تختلف الروايات كثيراً عن معظم دول أمريكا اللاتينية في الطريقة التي وصل بها الإسلام إلى تلك الأراضي البعيدة؛ فقد كان لوصول المورسيكيين إلى تشيلي السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي ضمن قوات الاستعمار الإسباني أكبرُ الأثر في معرفة التشيليين بالدين الحنيف، رغم أن المورسيكيين كانوا يُخفون إسلامهم؛ خوفًا من ملاحقة محاكم التفتيش لهم، ونتيجة للبطش والقهر؛ ظلَّت هُويَّتهم الدينية سِريَّة لأعوام طويلة؛ مما أثَّر بالسلب على الدعوة الإسلامية، ولكن بقي تأثر الثقافة والهوية التشيلية بالثقافة المغربية واضحاً؛ نظراً لدور الموريسكيين (وهم مسلمو الأندلس) الذين أُجبِروا على اعتناق المسيحية الكاثوليكية وكانوا من أصول مغاربية، وتم تهجير جماعات كبيرة منهم قسراً إلى العالم الجديد، ومنه إلى تشيلي؛ بحسب ما ذكره المؤرخ أوريليو دياز ميزا.
أما الموجة الثانية لوصول الإسلام إلى الأرض البعيدة، فتمثَّلت في الهجرات العربية لتشيلي؛ حـيث بدأت في أواخر القرن الماضي، كانت أغلبها قادمة من لبنان وسوريا وفلسطين حتى اقتربت أعدادهم من50 ألف مسلم، معظمهم عرب، وبعض الآلاف من سكان تشيلي الأصليين، رغم أن البعض يُشير إلى إمكانية تَجاوُز أعدادهم هذا الرقم بكثير، وقد نجحت الجالية العربية في تأسيس جمعية إسلامية في العاصمة سنتياجو عام 1936 لكن دور الجمعية تَراجَع مع مرور الأيام؛ لدرجة أنها لم يَعُد لها أي نشاط ذي قيمة حاليًّا.
أهم المساجد والمراكز الإسلامية في "تشيلي":
عدد من المنظمات الإسلامية في تشيلي، منها "الجمعية الإسلامية في تشيلي"، كما يوجد في "تشيلي" عدد من المساجد، ويُعَد مسجد "السلام" بالعاصمة سانتياجو - الذي بدأ بناؤه في 1988م، وافتُتِح أمام المصلين في عام 1996 - أول مسجد شيد بتشيلي، وللمسجد مركز تابع له يتميز بنشاطاته الدعوية وخدمة المسلمين.
وفي سنة 1997م تم بناء مسجد "بلال" في مدينة إكيكي (بفضل جهود التجار الباكستانيين)، ثم أعطى ملك المغرب "محمد السادس" في عام 2004م أثناء زيارته لتشيلي أمراً ببناء أكبر مركز ثقافي ومسجد في تشيلي على نفقته الخاصة، وتخصص نشاطات المركز في التعريف بالإسلام والدعوة الإسلامية.
أجندة التنصير تلاحق المسلمين في "تشيلي" ..!
في حديث أجرته معه شبكة "الألوكة" أكَّد د. سامي المشطاوي - مدير معهد العلوم الإسلامية بالعاصمة التشيلية سنتياجو - أن مسلمي تشيلي يواجِهون حُزمة من التحديات، أهمها: ضَعْف الوازع الديني، وافتِقاد المؤسسات الدعوية الإسلامية لأبسط الإمكانات، وعدم وجود صِلات بينهم وبين العالم الإسلامي بشكل يجعل ذوبانهم في المجتمع ذات الأغلبية النصرانية أمرًا ميسورًا، خصوصاً أنه في ظل ظروف كهذه من المؤكد أن هناك جهات تُحاول استغلال ظروف المسلمين الصعبة لتنفيذ أجندتها المشبوهة في صفوفهم، مثل المنظَّمات التنصيرية التي تقوم بالفعل بمحاولات لإغراء بعض ضِعاف النفوس والعقيدة بالارتِداد عن الإسلام، وتُهيمن على المشهد المنظَّمات البروتستانتية، وفي مُقدِّمتها الكنيسة المعمدانية الأمريكية، والكنيسة الإصلاحية، ومنظمة النُّصرة البروتستانتية، وغيرها من المنظَّمات، ورغم الإنفاق السخي من قِبل المنظمات التنصيريَّة إلا أنها لم تحقِّق النتائج المرجوَّة منها، مع الوضع في الاعتبار أنها قدَّمت إغراءات لعشرات من المسلمين للحصول على مِنحٍ للسفر للولايات المتحدة؛ لإجبارهم على الارتداد عن الإسلام، وهذا أمر خطير، لا سيَّما أن ضَعْف المؤسسات الإسلامية يُغري المنظماتِ التنصيريةَ لنفْث سمومها في الجسد المسلم في تشيلي.
وهكذا.. تتضافر عوامل ذوبان الهوية الإسلامية لمسلمي "تشيلي" داخل المجتمع ذا الطابع والهوية النصرانية، مثل عدم معرفة الدين الإسلامي معرفة صحيحة، وكذلك عدم الإلمام بالثقافة الإسلامية، وعدم التزام كثير من مسلمي تلك الدول بالعبادات وإقامة شعائرهم الدينية، إضافة إلى عجزهم عن التمسك بالهوية العربية والإسلامية، وعدم قدرتهم على إبراز ثقافتهم الإسلامية، بسبب عدم فهمهم للإسلام، محاولين الظهور بمظاهر مناوئة لثقافتهم الدينية إرضاءً للمجتمع، وتقليداً للعادات الغربية، إضافة إلى عدم الاهتمام بتعليم اللغة العربية، وعدم توفر المصادر الإسلامية من كتب وأشرطة، وفقدان البرامج الخاصة بالشباب والأطفال المتعلقة بالتوعية الدينية، وغياب الهيئات المتخصصة بإدارة الأوقاف الإسلامية وتنميتها، وعدم توفر المنشآت التعليمية الدينية والعربية للمرحلتين المتوسطة والثانوية، وندرة المصادر الإسلامية باللغة الإسبانية، وغياب التنسيق والتعاون في نشاطات الهيئات الإسلامية، كما أن الإعلام المحلي في تشيلي وبقية دول أمريكا اللاتينية يشوه صورة الإسلام والمسلمين.
أهم المشاكل التي تعاني منها الجالية الإسلامية في "تشيلي":
- تدني الوضع الاقتصادي المتدني؛ حيث تنتشر البطالة ويكثر الفقر في تشيلي عموماً.
- كثرة زواج الشباب من غير المسلمات أو بالمسلمات اسميّاً؛ وهذا يؤثر في مستوى التزام الشباب أنفسهم بالإسلام وأبنائهم بعد ذلك، ويزداد الأمر سوءاً عندما ينفصل الزوجان وتتولى الأم حضانة أبنائها فتنشئهم بعيداً عن تعاليم الإسلام كما يحدث في جل الدول الغربية.
- الانفلات الأمني الذي تعاني منه الحكومة التشيلية المتمثل في ضعف التشريعات والإجراءات الإدارية، وعدم كفاية إجراءات الشرطة كما ذكرت منظمة حقوق الإنسان، وقد ألقت هذه المشكلة بظلالها على الجالية الإسلامية.
- جهل كثير من المسلمين بتعاليم الإسلام الأساسية، ولعل من أهم أسباب ذلك قلة الموارد البشرية؛ مثل قلة عدد الدعاة المجيدين للغات المحلية مع دراية كافية بعادات شعوب تلك الدول وتقاليدها، وقلة العناصر القادرة على تمثيل المسلمين في بعض المناسبات والحوارات التلفزيونية، والتفاعل مع وسائل الإعلام المحلية للتعريف بالإسلام والرد على دعاوى التضليل الإعلامي المعادي للإسلام والمسلمين.
- غياب برامج رعاية المرأة والطفل؛ وهذه تضعِف بناء الأجيال التالية للمهاجرين؛ نظراً لكون الأطفال يتأثرون أكثر ببيئتهم المحيطة وبأمهاتهم الغير مسلمات أحياناً.
- ومن أهم الاقتراحات للنهوض بمسلمي تشيلي:
- إنشاء مدارس إسلامية وإعداد مناهج تتبع التعليم الرسمي في البلاد؛ لكي لا يعزف الآباء عن تدريس أولادهم في المدارس الإسلامية؛ فإذا كانت المدارس الإسلامية معترفاً بها، فإن هذا مما يزيد إقبال أبناء الجالية عليها، وتضاف إلى هذه المناهج المواد الإسلامية ومواد اللغة العربية.
- التركيز على ترجمة الكتب الإسلامية والأدبية للغة الإسبانية وهذا مما يربطهم ويقوي صلتهم بالثقافة الإسلامية.
- تواصل الدول العربية والإسلامية مع الجالية الإسلامية في تشيلي عن طريق المؤتمرات الدولية وغيرها من صور التبادل الثقافي، وهو ما يعزز الانتماء لدى الجالية المسلمة في تشيلي لدينها.
- أن تتهيَّأ معاهد لتدريب الدعاة في الدول الإسلامية، ويتم من خلالها التعريف بأحوال الجالية الإسلامية في تشيلي؛ حيث يكون لدى الداعية معرفة تامة بأحوال الجالية؛ لكي يكون التأثير عليهم قوياً وفعالاً في الوقت نفسه عند الذهاب إليهم لتقديم جهوده الدعوية.
- ابتعاث الطلاب المسلمين من تشيلي إلى الدول العربية وتسهيل المنح الدراسية لهم؛ لكي يتعلموا العلوم الدينية والعربية ويعودوا لمجتمعهم سفراء صالحين ومؤثرين لنشر دينهم ورفع رايته.
- توجيه الفضائيات الإسلامية ووسائل الإعلام المختلفة لمخاطبة هؤلاء الأخوة وتدريب العناصر لذلك من حيث اللغةُ وأسلوبُ الدعوة.
وأخيراً..أعزائي القراء
نسأل الله تعالى أن يثبت عباده المسلمين في "تشيلي" وفي كل مكان، ويرزقهم الهداية والثبات..وإلى لقاء قادم إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم المصادر:
- مجموعة من المواقع على شبكة الانترنت:
شبكة الألوكة – موقع (قصة الإسلام) - موقع الفاكت بوك، وإسلام ويب، وهدي الإسلام، والموسوعة الثقافية، وإسلام أون لاين، ومفكرة الإسلام، العرب في أمريكا اللاتينية... وويكيبيديا.
- صراع الغربة والاندماج: مجموعة باحثين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006م
http://islammemo.cc/nahn-we-el-gharb/2016/03/16/286316.html