20/09/2018
على بعد أقل من شهر من إجراء الانتخابات الرئاسية في البرازيل يعيش هذا البلد الجنوب أمريكي وضعا تاريخيا فريدا، ذلك أن الشخص الأكثر شعبية في البرازيل يوجد في السجن ولا يستطيع الترشح للانتخابات، أما المرشح المنافس فيتواجد اليوم في المستشفي، بينما الشعب البرازيلي برمته مستاء من اللعبة السياسية وفضائحها ومستاء من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
جاء إعلان الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا، المحكوم عليه بـ 12 عاما سجنا بسبب تلقى رشاوى، عن تخليه عن معركته للترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراءها في السابع من أكتوبر المقبل ليبعثر المشهد السياسي البرازيلي بسبب تداعياته المباشرة على الحملة الانتخابية، حيث سيخلف لولا وراءه فراغا كبيرا بعدما كانت مختلف استطلاعات الرأي تمنحه فوزا مؤكدا في الانتخابات.
لقد مارس أنصار لولا وحزب العمال الذي ينتمي إليه ضغطا كبيرا على المؤسسة القضائية من خلال التمسك بلولا كمرشح للانتخابات الرئاسية ودفعها للاستجابة لضغط الشارع بالسماح له بالترشح، لكن فشل هذه الخطة واقتراب وقت إجراء الانتخابات دفع لولا إلى اختيار فرناندو حداد وزيره السابق في التعليم كمرشح بديل عنه، كما دعا الناخبين البرازيليين إلى دعمه يوم الاقتراع.
يشكل هذا الدعم المباشر فرصة كبيرة أمام حداد لاستقطاب الفئة الناخبة المحسوبة على لولا من أجل المرور للدور الثاني للانتخابات الرئاسية، لكن حداد يواجه تحديا حقيقيا مرتبطا بالزمن الانتخابي فهو يبدأ حملته الانتخابية متأخرا عن بقية منافسيه، وهو مطالب بالتقرب أكثر من الأوساط الشعبية وتركيز حملاته الانتخابية في ضواحي المدن، وكذا استغلال حصته من البث التلفزي لتقديم نفسه كخليفة للرئيس السابق لولا داسيلفا.
لكن مهمة الاستفادة بشكل كامل من الإرث السياسي للولا لن تكون سهلة بسبب تواجد حلفاء يساريين سابقين يترشحون كذلك للانتخابات الرئاسية وهما من جهة المنشقة عن حزب العمال الوزيرة السابقة والبرلمانية مارينا سيلفا التي ترشحت مرتين للرئاسيات في 2010 و 2014 ممثلة لتحالف ريدي وحزب الخضر، ومن جهة أخرى البرلماني والوزير السابق سيرو غوميز عن الحزب الديمقراطي العمالي.
المرشح اليميني المتطرف عن الحزب الاجتماعي الليبرالي جاير بولسونارو دخل غمار الانتخابات الرئاسية مستخدما خطابا قويا وعنصريا، لكن ترشحه فتح نقاشا جديدا حول مخاوف تنامي تأثير الجيش في الانتخابات الرئاسية، فهذا الضابط السابق في الجيش لا يخفي حنينه إلى فترة الدكتاتورية العسكرية في البرازيل وإعجابه بالمسؤولين عن ممارسة التعذيب، والأكثر من ذلك أنه اختار جنرالا في الاحتياط كرفيقه في الحملة الانتخابية مرشحا لمنصب نائب الرئيس، وهو ما يرفع احتمال تعيين جنرالات آخرين في مناصب وزارية في حال فوز بولسونارو. وقد تعرض هذا الأخير خلال تجمع جماهيري بمدينة جويز دي فورا لطعن بسكين وهو مشهد ناذر من العنف السياسي في الحملات الانتخابية بالبرازيل، لكن تواجد بولسونارو في المستشفى لم يمنعه من مواصلة معركته الانتخابية.
إلى جانب الشخصيات السياسية الأربعة المذكورة، يصل العدد الإجمالي للمترشحين للانتخابات الرئاسية إلى 13، وحسب استطلاع للرأي نشر يوم 17 شتنبر فإن نوايا التصويت ترجح مرور كل من اليميني بولسونارو واليساري فرناندو حداد للدور الثاني المقرر إجراءه يوم 28 أكتوبر، كما كشف الاستطلاع كذلك أن الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي الذي يقدم جيرالدو ألكمين كمرشح للرئاسيات سيعرف أقل نسبة من نوايا التصويت في تاريخه وهي ضريبة تحالفه مع حزب الرئيس الحالي ميشيل تامر الأقل شعبية في التاريخ السياسي للبلاد.
ورغم أن التصويت في البرازيل إلزامي بموجب القانون لكن يرتقب أن ترتفع أعداد الأصوات الملغاة (الأوراق البيضاء) في الدور الأول وتزايد نسبة العزوف السياسي في البرازيل، وذلك راجع أساسا إلى تزايد تذمر المواطنين من النخب السياسية بسبب فضائح الفساد وغياب التغيير وتراجع نسبة الثقة في الحكومة والأحزاب.
إن البرازيل كإحدى الدول الصاعدة تحتاج إلى مواجهة التحديات المرتبطة بانعدام المساواة والفساد والعنف والركود الاقتصادي، غير أن تواجد أكثر من 20 حزبا سياسيا ممثلا في المؤسسة التشريعية يفرض توفر رئيس الدولة على قاعدة برلمانية قوية لمباشرة الإصلاحات الضرورية.
ستكون الأيام المقبلة بدون شك حاسمة لمعرفة مستقبل البرازيل وأمريكا اللاتينية.