31 غشت 2018
تعتبر كولومبيا إحدى دول الجوار المباشر الأكثر تأثرا بأزمة الهجرة التي انفجرت في أمريكا اللاتينية بسبب الأوضاع الداخلية المتردية في فنزويلا، حيث يمر من معبر سيمون بوليفار الرابط بين البلدين ما يقارب ثمانية آلاف مهاجر يوميا وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على البنيات التحتية الاجتماعية وتحديا أمنيا أمام الحكومة الكولومبية.
تشير إحصائيات الامم المتحدة إلى أن 2.3 مليون فنزويلي غادر بلده خلال السنوات الأخيرة بحثا عن فرص عيش أحسن بسبب التضخم الذي بلغ 13 ألف في المائة ونذرة المواد الأساسية اليومية وقلة الأدوية، إلى جانب تزايد العنف وتصدع الاستقرار السياسي في فنزويلا.
لقد انطلقت الهجرة الفنزويلية في البداية بين صفوف الأطباء والأساتذة الجامعيين عبر الطائرة، لكنها حاليا أصبحت هجرة خاصة بالفقراء بعد أن أعسرت شرائح كبيرة من المجتمع، وأصبحت الهجرة على الأقدام باتجاه دول الجوار المباشر وهما كولومبيا والبرازيل الطريقة المتبعة للهروب من واقع مرير طال في فنزويلا، وحتى القوارب السرية التي كانت تستعمل لنقل المخدرات والمواد المهربة أضحت وسيلة لنقل المهاجرين.
وقد بلغت جحافل الفنزويليين مختلف دول أمريكا اللاتينية، فالإكوادور رغم أنها من دول الجوار غير المباشر لكن آلاف الفنزويليين يستعملونها كمحطة بحكم قربها من كولومبيا للتوجه نحو البيرو والشيلي والأرجنتين، مما دفع حكومة الإكوادور إلى إعلان حالة طوارئ إنسانية ووفرت خلاللها حافلات لنقل المهاجرين عبر ترابها الوطني نحو البيرو.
أمام هذا الوضع غبر المسبوق في المنطقة بدأت بعض الدول تفرض إجراءات جديدة لتقليص عدد المهاجرين الوافدين إليها مثل فرض التأشيرة بالنسبة لدول أمريكا الوسطى أو فرض التوفر على جواز سفر بدل بطاقة الهوية الوطنية من أجل دخول البيرو والإكوادور. وما يقلق أكثر هو ما حصل من مواجهات بين المهاجرين الفنزويليين والسكان المحليين في المدن الحدودية مع البرازيل الشيء الذي دفع إلى تدخل الجيش البرازيلي لفرض الأمن والنظام.
رغم ان عددا كبيرا من المهاجرين يقصدون مختلف دول أمريكا اللاتينية لكن أغلبهم يتوقف في كولومبيا بحثا عن العمل والاستقرار في انتظار تحسن الأوضاع والعودة إلى وطنهم الأم، هذا الوضع يشكل ضغطا على القطاعات الاجتماعية الأساسية وهي الصحة والتعليم والشغل وهو ما يذكر بالوضع الذي يعيشه المهاجرون السوريون في الأردن.
وتأكد الحكومة الكولومبية على أن حوالي مليون مهاجر فنزويلي دخلوا ترابها الوطني، وهي تنشط حاليا على المستوى الإقليمي والدولي لإيجاد حل لهذه الأزمة الانسانية بتنسيق مع دول المنطقة والهيئات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة.
كما تنشط كولومبيا دبلوماسيا في دعوة دول الجوار لتبني حل إقليمي موحد، وتنشط كذلك على مستوى أوسع بهدف تعبئة المجتمع الدولي ومواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة في أمريكا اللاتينية. وقد بدأت عدة أطراف دولية كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تستجيب من خلال تقديم دعم مالي مستعجل.
لقد تمكنت بوغوطا خلال السنة الماضية من شد انظار العالم إليها بعد التوقيع على اتفاق السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك)، وبعد حصولها منذ شهرين على صفة شريك عالمي لحلف شمال الأطلسي، توجد السياسة الخارجية الكولومبية اليوم، رغم ضغط ازمة المهاجرين على المستوى الداخلي، أمام فرصة جديدة للعب دور إقليمي بارز والظهور كمحاور نشيط على المستوى المتعدد الأطراف، فهل تتمكن الدبلوماسية الكولومبية بقيادة الرئيس الجديد إيفان دوكي من التموقع كفاعل مؤثر داخل أمريكا اللاتينية.