13/06/2018
في ابريل قام الرئيس البرايلي السابق لويس ايناسيو لولا داسيلفا بتسليم نفسه الى الشرطه وذلك لتنفيذ حكم بالسجن لمدة 12 عاما بعد ادنته بالفساد وغسيل الاموال ولقد كان هذا الحكم الاخير في سلسله من الاعتقالات والمحاكمات لقادة سياسيين واقتصاديين في امريكا اللاتينيه – وهو توجه بدأ قبل اربع سنوات مع اندلاع فضيحة الرشوه المتعلقه بمجموعة اوديبريشت ولكن بينما هناك حاجه شديده لشن حمله للقضاء على الفساد ،فإن النهج المسيس على نحو متزايد يضع المنطقه بكاملها عند منحدر خطير.
بينما حكومات وبرلمانات امريكا اللاتينيه تواجه ازمه عميقه في المصداقيه فإن القضاء قد أصبح لاعبا رئيسيا في بعض البلدان، ففي البرازيل على سبيل المثال فإن شخصيات مرتبطه بعملية“غسيل السيارات” ( وهي عبارة عن تحقيقات في الفساد على نطاق واسع في شركة النفط المملوكه للدوله بيتروبراس) مثل ديلاتون دالاجنول المدعي العام الرئيسي وسيريجيو مورو ، القاضي الفيدرالي المسؤول عن التحقيق قد اصبح لهم تأثير قوي على السلطه السياسيه وهذا النفوذ هو أكبر بكثير من ادوراهم كمحامي أو قاضي صلح أو قاضي في المحاكم الابتدائيه.
إن المشكله الحقيقيه هي ان المسؤولين مثل مورو قد عملوا على تحويل العمل القضائي ضد الفساد الى حمله اخلاقيه وسياسيه مستعدين من اجلها لتطويع القوانين . لقد جادل قضاة المحكمة العليا انه من اجل وضع لولا في السجن قبل الحمله الرئاسيه لسنة 2018 ، قام مورو بتجاهل احكام الاجراءات الجنائيه وتلاعب باليات الحبس الاحتياطي . ان مورو نفسه يعترف في حكمه انه يدين لولا بدون اي دليل مباشر على تورطه باعمال غير شرعيه .
ان مقاضاة السياسيين وقادة الاعمال الفاسدين هي القضيه التي عادة ما تحظى بدعم شعبي واسع ولكن بسبب نهج القضاء الذي يشبه نهج النشطاء فإن 51% من البرازيليين لا يتفقون مع افعال مورو بما في ذلك ادانة لولا بالفساد سنة 2017 .
إن لامريكا اللاتينيه تاريخ طويل من العداله السياسيه ومن السياسه القضائيه وكما قال الرئيس المكسيكي من القرن التاسع عشر بينيتو خواريز مرارا وتكرارا ” لإصدقائي الفضيله والعداله ولاعدائي القانون ” وللاسف ما يزال هذا الشعور يحظى بشعبيه كبيره في معظم امريكا اللاتينيه اليوم.
في المكسيك ، فإن مكتب المدعي العام –والذي ليس فيه قائد منذ اشهر – كان مترددا في ملاحقة سياسيين قريبين من الحكومه والذين طبقا لوزارة العدل الامريكيه متورطين في الرشى المتعلقه بقضية اوديبريشت وعلى النقيض من ذلك قام المكتب نفسه وبحماس شديد باجراء تحقيق يتعلق بغسيل الاموال مع ريكاردو انايا وهو احد مرشحي المعارضه للرئاسه.
ولكن وحتى وان كان انايا ضحيه لقيام القضاء بالعمل كالنشطاء فإن احد كبار مستشاريه هو سنتياجو كريل والذي كان وراء مقاضاة عمدة مدينة مكيسكو سيتي السابق اندريس مانويل لوبيس اوبرادور قبل 13 عاما وذلك من اجل منعه من الترشح للرئاسه.
وفي مثال آخر على تسييس تحقيقات الفساد ،استقال الرئيس البيروفي بيدرو بابلو كوزنسكي عشية التصويت على خلعه والذي كان من اسبابه علاقة بيدرو كوزنسكي باودبيريشت بعد نشر تسجيلات مصوره تظهر بعضا من حلفائه الرئيسيين وهم يحاولون شراء دعم نواب المعارضه ولكن هذه التسجيلات لم يتم الكشف عنها كنتيجة لتحقيق قضائي مستقل بل كجزء من نزاع سياسي بين ابناء الدكتاتور السابق البيرتو فوجيموري على السيطره على الكونجرس (وعمليا على السيطره على البلاد).
لكن البرازيل تعتبر النموذج المثالي للملاحقات القضائيه ذات الدافع السياسي . ان معظم البرازيليين يعتقدون انه قد تم خلع الرئيسه السابقه ديلما روسيف بسبب الفساد ولكن في الحقيقه كانت متهمه باستخدام مناوره حسابيه-تم استخدامها من قبل رؤساء سابقين بدون عواقب رئيسيه –من اجل التقليل من العجز الحكومي بشكل مؤقت وطبقا لمدعي عام لدى الحكومه الفيدراليه فإن روسيف لم ترتكب جريمه.
لكن هذا الكلام لا ينطبق على خليفة روسيف ميشيل تامير والذي تمكن من تجنب محاولتين لخلعه وذلك من خلال شراء الدعم السياسي في الكونجرس وفي واقع الامر هناك مزاعم بوجود تسجيلات لتامير يفوض فيها بدفع مبالغ لادواردو كونها وهو رئيس سابق لمجلس النواب من اجل ان يبقى صامتا علما انه حاليا في السجن بسب تورطه في فضيحه بيتروبراس.
ان اسيو نيفاس والذي خسر الانتخابات الرئاسيه امام روسيف سنة 2014 من المفترض ان يحاكم بتهم الفساد واعاقة العداله ولكن القضاه المسؤولين عن التحقيق لم يتحركوا بالسرعة التي تحرك بها مورو وزملائه في قضية لولا مع ان قضية نيفاس مثبته بادله اقوى بكثير.
” ان القانون للجميع ” كما اعلن مناصرو حملة مورو وهم محقون في ذلك ولكن هذا يعني ان القانون يجب ان يكون للولا كذلك والذي كان ضحية اضطهاد قضائي واعلامي وسياسي حقيقي في السنوات الاربع الماضيه ولهذا السبب فإن قادة وباحثين عالميين بالاضافة الى فائزين بجائزة نوبل للسلام –بما في ذلك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند والاقتصادي توماس بيكيتي والناشط ادولفو بيريز اسكويفل – وقعوا عدة مناشدات بالنيابة عن لولا.
ان هذا لا يعني انه لم تعد هناك حاجه لإن يقوم القضاء بملاحقة السياسيين والشخصيات النافذه الاخرى بتهم الفساد بل على العكس من ذلك فعملية “غسيل السيارات ” قد كشفت بشكل واضح العلاقه المريبه والقويه بين المال والسياسه في امريكا اللاتينيه.
لكن عندما يقوم القضاه بالتحايل على حكم القانون فهم في واقع الامر يضعفونه وعندما تخدم تلك التكتيكات اهداف سياسيه كما هو الحال في البرازيل فإن القضاه يضعون الديمقراطيه نفسها في خطر .
على اي حال فإن موجة القضاء الذي يشابه عمل النشطاء والتي اثارتها الفضائح الاخيره لم تؤدي لتغيير حقيقي يذكر وعلى وجه الخصوص ، لم يكن هناك اي اصلاحات انتخابيه او اصلاحات تتعلق بتمويل الحملات الانتخابيه لإن كان ذلك سيتطلب دعم اصحاب النفوذ الذين يمتلكون سلطه سياسيه واقتصاديه والمستفيدون من النظام القائم كما إن اعلان مورو بإن عملية “غسيل السيارات ” قد شارفت على نهايتها قد اضعف بشكل اكبر أي حافز لديهم على التحرك.
من البرازيل الى المكسيك فإن اولئك الذين تم تكليفهم بالمحافظه على حكم القانون يقومون بشكل متزايد باستخدام ادارة العداله لإغراض حزبيه وفي وقت يتزايد فيه الاستقطاب السياسي فإن هذا لا يبشر بالخير لمستقبل امريكا اللاتينيه .