الأهمية الإستراتيجية لقناة نيكاراجوا

الثلاثاء, 28 تموز/يوليو 2015 13:29

يوليوز 2015
من خلال توسعة قناة بنما ، وحفر قناة نيكاراجوا ، وتطوير ميناء "مارييل"، ستصبح منطقة أمريكا الوسطى والكاريبى منطقة استراتيجية للنقل التجارى خاصة فى ظل تزايد التبادل التجارى بشكل هائل بين الدول الأسيوية - وعلى رأسها الصين - وأمريكا اللاتينية ، لذا فإن استغلال مشروعات البنية التحتية هذه والسيطرة عليها بات أمرا مرغوبا فيه بشدة.
وإليكم جولة سريعة للتعرف على الدول المهتمة بزيادة حجم التبادل التجارى بين المحيطين الأطلنطى والهادى عن طريق الفرص المطروحة لتأسيس بنية تحتية لها ثقلها فى منطقة أمريكا الوسطى. بدءا ذى بدء، لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية تكترث بالبنية التحتية فى أمريكا الوسطى ترقبا لمواصلتها تصديرها الغاز الصخرى لدول آسيا خلال الأعوام المقبلة؛ ففى عام 2012، بلغ حجم الإنتاج من الغاز الطبيعى الأمريكى 40% وهو مستخرج من الغاز الصخرى (بينما كان 2% فقط فى عام 2000 )، علما أن تكلفة استخراج الغاز الصخرى زهيدة للغاية، بالرغم من أن انهيار أسعار النفط فى هذه الفترة مازال يحمل فى طياته زيادة فى إنتاجه، مما جعل الإقبال عليه أقل من الإقبال على النفط الخام.
جدير بالذكر أنه إذا كانت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ستستمر فى سلميتها، سيعمل تطوير مشروعات البنية التحتية فى أمريكا الوسطى - بما فيها قناة نيكاراجوا التى ستربط المحيطين الأطلنطى والهادى - على تيسير حركة النقل البحرى بين هاتين القوتين، مما سيسمح بمرور السفن العملاقة ذات الحمولة الضخمة التى تحمل ثمانى عشرة آلاف حاوية بحد أقصى، وهذه هى طرق نقل السلع التى تم الاتجاه إليها على مدار الأعوام الأخيرة ( بزيادة سنوية بلغت نسبتها 70% نظرا لكونها وسيلة اقتصادية للغاية)، أما إذا شابت العلاقات بين الصين وأمريكا حالة من التوتر، فى ظل سيناريو من التكتلات السياسية والاقتصادية المغلقة، فيمكن للصين أن تقرر تجنب استخدام قناة بنما، ومن خلال شق قناة نيكاراجوا، يمكنها أن تجعلها الشريان الرئيس للتجارة بين آسيا وشركائها من دول الأطلنطى وفى مقدمتها البرازيل التى تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فى الآونة الأخيرة استكمال الحوار السياسى الذى انقطع معها، لجذبها واستمالتها مرة أخرى إلى دائرتها الاقتصادية من أجل تفادى تنامى قوة مجموعة "البريكس".
وفى هذا الصدد، تهتم الصين بشدة بتطوير البنية التحتية فى أمريكا الوسطى، وربما تكترث أيضا بإحكام السيطرة عليها إما لوصول حجم التبادلات التجارية بين الصين وأمريكا اللاتينية العام الماضى إلى مئتى وواحد وستين مليار دولار ( لذا فإنه من المهم بالنسبة للصين أن يكون لديها روابط مميزة مع اقتصادات أمريكا اللاتينية مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية)، وإما لرغبتها فى أن تضمن لنفسها الاستفادة من مصادر طبيعية استراتيجية ضرورية من أجل معدلات إنتاجها المرتفعة (ولاسيما النفط الفنزويلى، والحديد البرازيلى، والكربون الوارد من غابات الإكوادور، و"الليثيوم" البوليفى).
ومن ثم، فلا داع لتولى الصين إدارة ميناء "مارييل" الجديد فى كوبا؛ إذ أنها ستمول إنشاء قناة نيكارجوا بين المحيطين؛ وخطوط السكك الحديدية العابرة للأطلنطى التى ستمر عبر أربع ولايات برازيلية ( ميناس جيرايس، وماتو جروسو، وروندونيا، وأكرى)، وهو ما سيربط ميناء "أكو" على ساحل المحيط الأطلنطى بميناء " إيلو" فى بيرو على ساحل المحيط الهادى؛ علاوة على قناة "سيكو" التى سيتم إنشاء خط سكة حديدية أخر بها يعبر كولومبيا بأكملها من ميناء " بوينافينتورا" المطل على المحيط الهادى حتى ميناء "أبارتادو" فى الكاريبى.
وفيما يخص المصادر الطبيعية التى تحتاج الصين إليها، فيتضح جليا اهتمامها بزيادة واردات البترول من فنزويلا إلى مليون برميل يوميا بحلول عام 2016 وقد تعد قناة نيكاراجوا حلا بديلا مميزا من الناحية الاقتصادية مقارنة بقناة بنما، نظرا لأن السفن العملاقة ستستطيع عبور القناة الجديدة بحمولة تصل إلى ثلاثمائة وثلاثين ألف طن - هذه السفن التى لن تمر عبر قناة بنما حتى عندما يتم توسعتها - مما يسمح بمرور من ناقلتى بترول إلى ثلاث يوميا، علما أنه يعبر حاليا قناة بنما ناقلة بترول واحدة فقط كل أربعة أيام، وربما تمر عبر نيكاراجوا بتكلفة بسيطة للغاية.
ويبدو أن الصين عاقدة العزم على القضاء على الامتياز التجارى الذى تتمتع به بنما فيما يتعلق بالروابط عبر المحيطات ساعية لاحتكار جزء من النقل البحرى غير العالمى الذى يقدر فى منطقة الكاريبى بحوالى 10% من إجمالى النقل البحرى العالمى ، وذلك من خلال قناة نيكاراجوا. ومن منطلق إدراكنا لصعود الصين السريع باعتبارها مركزا صناعيا بارزا - وفقا لغالبية التوقعات - فإنها ستواصل تشجيعها للنقل الدولى للحاويات خلال الأعوام القادمة ، وستصبح إدارة هذه المشروعات (البنية التحتية ) استراتيجية مع احتمالية حدوث توازنات جيوسياسية عديدة وجديدة فى العالم.
وفى سياق متصل ، تهتم البرازيل هى أيضا - باعتبارها قوة عالمية صاعدة ونجما اقتصاديا ساطعا فى هذه المنطقة - بتطوير البنية التحتية لأمريكا الوسطى ، وذلك إما لأن الشركات البرازيلية ستتمكن من تحفيز وتشجيع صادراتها فى أمريكا الوسطى بأكملها، وإما لأن البرازيل لديها العزيمة أن تصبح الشريك التجارى الأول لكوبا -مستبعدة فنزويلا- التى بلغ حجم تبادلها التجارى معها (كوبا) العام الماضى خمسمائة وثلاثين مليون دولار، وهو ما أعلنته "ديلما روسيف" رئيسة البرازيل بمناسبة افتتاح أعمال التوسعة بميناء "مارييل" فى يناير عام 2014 .. وهى الأعمال التى قام بتمويلها بنك التنمية البرازيلى "بى إن دى إس"، ونفذتها شركة "أوديبريشت" البرازيلية للبناء وأخيرا وليس آخرا ربما يرجع اهتمامها هذا إلى أن تطوير البنية التحتية فى هذه المنطقة قد يسهل من تدفق السلع من وإلى الصين، الأمر الذى سيسمح بتوسيع تبادلاتها التجارية ونفوذها السياسى.
ولا نغفل أن روسيا أيضا تولى اهتماما كبيرا بالبنية التحتية فى أمريكا الوسطى لأسباب جيوسياسية أكثر منها اقتصادية. وقد ظهر جليا اهتمامها بحفر قناة نيكاراجوا ، التى ربما لن تشارك فى تمويل إنشائها أو أنها ستفعل ولكن بشكل رمزى على أقل تقدير ، إلا أنها ستتكفل بتوفير الأمن لحفرها من خلال تقديم دعم عسكرى - على حد تعبير "فلاديمير بوتين" الرئيس الروسى. وبشق قناة نيكاراجوا، ستتمكن روسيا من تعزيز مواقعها الاستراتيجية فى هذه المنطقة ، كما سيمكنها نقل أسطولها البحرى سريعا من المحيط الأطلنطى إلى الهادى، وهو ما يدخل فى منظور سياسة تشكيل عالم متعدد الأقطاب الذى يبدو أن روسيا والصين مهتمتان به. وإذا تعين على روسيا تأسيس قاعدة بحرية فى كوبا فيما بعد، فإن احتمالية المرور عبر قناة نيكاراجوا ستكون لها أهمية قصوى نظرا لمدى قرب القناة من الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما قد يكون مجديا لمعادلة التوازن لتعزيز التواجد العسكرى للناتو على حدود روسيا مع أوروبا ( إذ توجد فى دول البلطيق، وبولندا، ورومانيا خمس قواعد عسكرية لحلف الناتو)، مما يسبب بعض القلق لواشنطن فيما يخص أمنها.
جدير بالإشارة أن الهيمنة الأمريكية على مسارات تجارية بحرية تقليدية مهمة يمكن أن تكون مثار جدل أمام قوة البنية التحتية فى أمريكا الوسطى والكاريبى. وهو ما سيؤدى إلى إعادة ترتيب التوازنات الجيوسياسية - ليس فى تلك المنطقة فقط - وتبوؤ من سيحظى بالهيمنة على تلك البنية التحتية لمكانة اقتصادية وسياسية كبرى على مستوى العالم.
موقع "جيوبوليتيكا" الإيطالى
بقلم : سيمونا بوتونى
ترجمة : مروة مصطفى
http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?ArtID=108885#.VbeC0rM36M8

قراءة 1389 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)