لكن هناك دولا لم يكن لها وجود على الخريطة من قبل ولم يكتشفها أصحاب الأرض الأصليون، وعلى الرغم من ذلك أصبحت لها مكانة كبيرة بين دول العالم ومنها دولة البرازيل التى قام الرئيس محمد مرسى بزيارتها منذ أيام، وأثمرت هذه الزيارة بالتوقيع على 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين مصر والبرازيل فى العديد من المجالات، وتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والبرازيل، التى لا يعرف منا الكثير عن هذا البلد الذى هو عضو فى تجمع البريكس الذى تسعى مصر أن تصبح عضوا فى مثل تلك التجمعات الاقتصادية، والذى أخرج ما يقرب من 20% من الفقراء خارج هذا الخط فى خلال عشر سنوات، وحتى نعرف من هى البرازيل التى نعرفها اليوم، لا بد أن نعيش برازيل الأمس، ربما يكون لنا من خلال تجربتها ملاذ لما نحن فيه الآن، وقيمة مصر التى يحمل كل شبر منها عراقة المصرى، كانت أراضى البرازيل الواسعة التى اكتشفها البرتغاليون أوسع وأخصب بكثير من أن تترك للنبت الشيطانى، حيث وجد البرتغاليون الحل فى الزنجى العبد، فهو يتحمل الأجواء الصعبة ومواطن شرائه قريبة فى إفريقيا، ويد عاملة رخيصة مطواعة، ويغطى تمرده ويأسه بالرقص والغناء، وسرعان ما بدأت قوافل العبيد تهبط الساحل البرازيلى خصوصا فى باهيا، فهم أشتات من مختلف العروق الزنجية ومختلف الألوان ومعظمهم من المسلمين، وأعطت البرازيل طميها الأسود الخصيب للزنجى المسلم الذى صنع البرازيل، ولم يكن ممكننا أن تتحول هذه القارة إلى أرض مأهولة زراعية ومدن ومناجم وطرق دون الزنجى الذى أعطاها جسمه وروحه معا وحضارته الإسلامية، وللأسف فالبرازيليون الكثير منهم يكرهون الاعتراف بالدور الحضارى الذى قام به الرقيق الزنجى المسلم فى تكوين البرازيل الحضارى ولكنه الواقع التاريخى، فالزنوج والهنود معا لم يكونوا بالنسبة لمجتمع الذكور البرتغالى القليل العدد المحروم من الجنس الآخر سوى مزرعة سهلة، والقوانين البرازيلية والبرتغالية التى كانت تسهل الاعتراف بالأولاد غير الشرعيين كان من شأنها تشجيع هذا الزواج العارض بين العروق المتباينة فقد جاء الزنجى المسلم من أجواء ثقافية متعددة مسلمة الدين فى معظمها واسعة التقدم الحضارى، فهم يمثلون عنصرا نشطا مبدعا، حيث مارسوا دورا حضاريا بارزا فكانوا اليد اليمنى فى التكوين الزراعة البرازيلية، أما البرتغاليون والهنود فهم اليد اليسرى والبرازيل تدين للفئة المسلمة بزراعة قصب السكر والقهوة التى جلبوها، والتبغ والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديدية كلها إفريقية وقد طورها الزنوج أنفسهم وصولا لاستخراج الحديد والتعدين كانت وسائلهم التقنية أكثر تقدما من وسائل الهنود، ومن وسائل الأوروبيين حتى طهو الطعام ارتقى بالإسهام الإفريقى، ورعى الماشية فى ماتورغروسو قامت على أكتاف الزنوج المسلمة، فقد أصبح الزنجى المسلم هو العامل الأساسى فى الاقتصاد البرازيلى فى جميع الحرف وأعمال الطواحين والمناجم وحرف الحدادة والتجارة والبيطرة والخياطة والحلاقة والكى والغسل، كانوا سادة البلاد عدديا، ففى أواخر القرن 18 (سنه 1798) كان عددهم 3.25 مليون منهم 406 آلاف من المحررين وبعد عشرين سنه كان مجموع السكان 3.817000 نسمة، وذلك نتيجة التهجين وزواج الهنود من الزنوج والبيض، وقد لعب العبيد الذين يعيشون فى المرتفعات والغابات والبرارى دورا حضاريا، حيث كانوا يرفعون مستوى السكان الهنود الأصليين فكان الزنجى أهم عنصر فى عملية «الأوربة» والتحضر للكابوكلو والفلاح، فكانوا صلة الوصل مع البرتغاليين وصلة الوصل مع الكنيسة ولم يمارسوا تأثيرهم بوضعهم وسطاء بين الأوروبيين والسكان الأصليين فحسب، ولكن بين الأوروبيين أنفسهم فالأسياد الأميون كانوا يخاطبون من خلال عبيدهم الزنوج، حيث يكتب العبد المسلم رسالة السيد الأمى إلى زميله السيد الآخر الذى يقرأ له الرسالة عبده المسلم المتعلم. كان تأثير الزنوج المسلمين خلاقا، فطور المجتمع بعناصر ذات قيمة من الحضارة الإفريقية وتقنيتها المتقدمة حين ذاك لا على حضارة البرازيل فقط ولكن على حضارة الولايات المتحدة، ولم تبحث البرازيل فى إفريقيا عن الطمى الأسود الذى أخصب حقولها من قصب السكر والقهوة وبلل أرضها الجافة، لكن إفريقيا قدمت إليها أيضا سيدات منازل للبيوت المحرومة من النساء وفنيين للمناجم فيها، وصناعا لمحترقاتها، وزنوجا لرعى المواشى وللصناعات الرعوية وتجارا للأقمشة والصابون ومعلمين للمدارس، كما قدمت وهو الأهم شيوخا مسلمين كانوا يلحقون بالعبيد متطوعين لإرشادهم إلى الدين، وينزلون معهم فى الأكواخ ويلقنوهم القرآن والكتابة ومبادئ الشريعة حيث كانوا يحبسون أنفسهم معهم ولتمسكهم بالدين، فقد كان الكثير من العبيد الذين صنعوا حضارة البرازيل من مناطق إسلامية متقدمة الحضارة بسبب اتصالها الدائم بالشمال الإفريقى وبمصر.
لقد نشأت الهوية البرازيلية من تحويل شتات العروق والثقافات والمجتمعات التى تشكل البرازيل إلى أمة واحدة، وجعلوا من هذا الشتات ميزة من ميزات الروح البرازيلية التى تبتلع المتناقضات من أجل الإخلاص لمصالح الشعب.
ترى هل ما وصلت إليه البرازيل الآن رغم اختلاف العرقيات بها منذ النشأة نتيجة لعدم دخول الجنس أو العرق أو اللون أو الدين فى السياسة، على الرغم أن أيدى المسلمين تركت على كل شبر من أرضها حضارة حتى وصلت المرأة سدة الحكم وأصبحت رئيسة لدولة البرازيل؟
كوثر زكى
برابة الأهرام العربي
http://arabi.ahram.org.eg/NewsQ/27875.aspx