كابوس الديون يؤرق أمريكا اللاتينية

الجمعة, 24 تموز/يوليو 2020 14:17



أمريكا اللاتينية في منتصف جائحة فيروس كورونا، فهي تعاني بعضا من أسوأ معدلات الإصابة وأعلى عدد من الوفيات في العالم. في الوقت نفسه يحذر اقتصاديون من أن المنطقة تواجه أنباء أكثر سوءا: اقتصاداتها الضعيفة معرضة لخطر الوقوع في أزمة ديون جديدة أسوأ من آخر أزمة كبيرة في الثمانينيات من القرن الماضي.


كانت القارة تعاني عللا متعددة قبل أن يسيطر الفيروس: ضعف النمو، وضعف النظم الصحية، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وارتفاع مستويات الاقتراض، والاعتماد المفرط على صادرات السلع الأساسية.


الآن تسببت بعض أطول عمليات الإغلاق في العالم، إلى جانب برامج الإنقاذ المكلفة المصاحبة لها، في دمار المالية العامة. كانت شيلي والبرازيل والمكسيك من بين الأسواق الناشئة الخمس على مستوى العالم التي شهدت أكبر زيادة في نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وفقا لمعهد التمويل الدولي ـ مقره واشنطن. وارتفع إجمالي ديون تشيلي 30 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول.


قال خوسيه أنخيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED، لـ"فاينانشيال تايمز"، إن أمريكا اللاتينية "كانت لديها بالفعل ديون كثيرة قبل الأزمة"، مضيفا أنه بعد "الواقع الوحشي" الذي خلفه الفيروس تحتاج المنطقة إلى "موارد أكبر بكثير أو تخفيف أعباء ديونها، أو كليهما معا".


الاقتراض الحكومي في المنطقة يتصاعد، ما يثير قلق المستثمرين. قال كلاوديو إيريجوين، رئيس قسم أبحاث أمريكا اللاتينية في بانك أوف أمريكا، عن مشكلة الديون: "بالتأكيد، هذه مسألة واضحة مثل الشمس، مثل الفيل في الغرفة".


أضاف: "المقايضات في أمريكا اللاتينية أسوأ بكثير مما هي عليه في مناطق أخرى. هناك نظام الصحة والصرف الصحي متخلف للغاية، وهو الذي يفرض عمليات الإغلاق الصارمة، لكن هناك أيضا درجة عالية جدا من طابع العمل غير الرسمي، ما يعني أنه لا يمكنك تمديد عمليات الإغلاق في الوقت المناسب، وإلا ستخاطر بحدوث فوضى اجتماعية".


يمكن للاقتصادات المتقدمة الاستفادة من موارد هائلة من البنوك المركزية، لأن لديها عملات قوية ومستثمرين مستعدين للاستمرار في شراء ديونها. دول أمريكا اللاتينية ليست لديها شبكة أمان من هذا القبيل، بل لديها نظام عمل تحت وطأة تاريخ من أزمات الديون التي تمتد لأكثر من قرن.


الأرجنتين والإكوادور بالفعل في مرحلة التخلف عن سداد ديونهما الخارجية، وتتفاوضان بشأن إعادة الهيكلة. اتخذت الأرجنتين موقفا أكثر مواجهة، في حين نالت الإكوادور الثناء على تبنيها نهجا قائما على التوافقية بدرجة أكبر. لم يتفق أي منهما حتى الآن على صفقة مع جميع حاملي السندات.


شهدت البرازيل، وهي أكبر اقتصاد في المنطقة، ارتفاع ديونها بسبب تأثر المالية العامة غير المستقرة بالركود العميق وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل حاد. توقع وليام جاكسون، من "كابيتال إيكونوميكس"، أن نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل ربما تقفز إلى ما يقارب 100 في المائة هذا العام، ارتفاعا من 76 في المائة العام الماضي. قال: "إنها قنبلة موقوتة".


ألبرتو راموس، كبير الخبراء الاقتصاديين لأمريكا اللاتينية في "جولدمان ساكس"، قال إن البرازيل بحاجة إلى إقناع المستثمرين بأنها قادرة على إعادة ماليتها العامة إلى المسار الصحيح. "إذا بدأت بوضع مالي هش للغاية، فستخرج بوضع مالي أسوأ كثيرا يتطلب (...) الإشارة الصحيحة من صناع السياسة إلى أن هذا كان مجرد توسع لمرة واحدة (...) وبعد ذلك ستتبنى تعديلات مالية". أضاف: "أكبر مخاوف السوق هو الوقت بالتحديد الذي ستتبنى فيه السلطات مثل هذا التعديل".


تصر حكومة الرئيس جايير بولسونارو على أن الإصلاحات المؤيدة للسوق لا تزال قائمة وستستأنف في وقت لاحق من هذا العام. لكن البرازيل ستواجه انتخابات في 2022، ما يجعل من المستبعد تماما أن يتبنى الوزراء تدابير تقشف مؤلمة قبل التصويت.


المكسيك، وهي ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، دخلت الجائحة مع مالية عامة متينة نسبيا ومستويات منخفضة من الديون. إلا أن قرار الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور المضي قدما في برنامج التقشف، بدلا من الإنفاق لإنقاذ الاقتصاد، من المرجح أن يعمق الركود في البلاد ويعيق انتعاشها.


يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك 10.5 في المائة هذا العام، الأمر الذي يجعلها أكثر الأسواق الناشئة الرئيسية تضررا في العالم. ويعني انخفاض عائدات النفط وتأثير الفيروس أن الديون السيادية للبلاد من المرجح أن تفقد تصنيفها الائتماني من الدرجة الاستثمارية في 2022 ما لم تتغير السياسة، وفقا لـ"مورجان ستانلي".


بالنسبة لكولومبيا، وهي رابع أكبر اقتصاد في المنطقة، يرى "مورجان ستانلي" أن لديها سياسات حكومية أكثر متانة، لكنها تخاطر بخفض تصنيفها الائتماني في النصف الأول من العام المقبل بسبب ضعف المالية العامة.


قال جوريا، من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو وزير مالية سابق في المكسيك، إن المستثمرين ليس لديهم قدر كبير من التسامح مع ارتفاع الديون في الأسواق الناشئة. "بمجرد أن تتجاوز دولة ما 50 في المائة (من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي) يضعون عليها تحذيرا، وحين تتجاوز 60 في المائة، يضعون عليها الإشارات الضوئية الساطعة، وإذا تجاوزت 70 أو 75 في المائة (...) في تلك اللحظة تنطلق جميع صافرات الإنذار".


جادل الرئيس الكولومبي، إيفان دوكي، بأن وكالات التصنيف يجب أن توقف مؤقتا معايير التقييم المعتادة للتصنيفات السيادية بسبب الجائحة، لكن من غير المرجح أن تتم الاستجابة لمطلبه. بدلا من ذلك، من المرجح أن يفضل المستثمرون الدول التي راكمت الفوائض للأيام العصيبة قبل انتشار الفيروس، التي هي في وضع أفضل للخروج من العاصفة.


بيرو وشيلي هما أفضل مثالين على ذلك. ماريا أنتونييتا ألفا، وزيرة المالية في بيرو، قالت لـ"فاينانشيال تايمز": "استراتيجية التمويل في بيرو قبل كوفيد - 19 كانت تتمثل بشكل عملي في سياسة الدين الصفري". أوضحت أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد كانت 26 في المائة في أواخر العام الماضي، وحتى بعد خطط التحفيز السخية، كان لا يزال من المتوقع أن ترتفع إلى نحو 30 في المائة فقط.


توقع إيريك باررادو، كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك التنمية للدول الأمريكية، أن يرتفع متوسط مستويات الديون عبر المنطقة من 57 في المائة قبل الجائحة إلى 71-76 في المائة بحلول 2022. عد أن سرعة تراكم الديون كانت مثيرة للقلق بشكل خاص.


قال: "الأمر لا يتعلق كثيرا بالمستوى المطلق للمديونية بقدر السرعة التي ترتفع بها. إنها أشبه برصاصة: إذا رميتها، فلن يكون لها أي تأثير، لكن إذا رميتها من البندقية فإن سرعتها هي التي تقتلك".

مايكل ستوت من لندن، وأندريس شيباني من ساوباولو
24/07/2020
المصدر
https://www.aleqt.com/2020/07/23/article_1882871.html

قراءة 916 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)