على وقع تظاهرات حاشدة مضادة للحكومة أدت إلى مقتل 29 متظاهراً وأكثر من 400 جريح على الأقل، حدثني رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية «خوليو بورجيس» الذي يعدّ أحد أبرز قادة المعارضة، خلال لقاء صحفي عن محادثات تدور الآن خلف الكواليس يشترك فيها رؤساء دول من أميركا اللاتينية وتتناول العمل على تشكيل ما يسمى «مجموعة الدول الصديقة» تهتم بالتوصل لحل تفاوضي للأزمة السياسية التي تعصف بفنزويلا. وخلال الأيام القليلة الماضية، وقعت كبريات دول أميركا اللاتينية، وهي: المكسيك والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وبيرو وتشيلي، على عدة بيانات مشتركة تطالب بتكريس السلطة الدستورية التي تتمتع بها الجمعية الوطنية الفنزويلية (ذات الأغلبية المعارضة للحكومة)، وإطلاق المساجين السياسيين وإجراء انتخابات حرة.
وقال لي بورجيس أيضاً: «ولكن، هناك خطوة إضافية لا بد منها، وهي أنه يتعين على الرؤساء المشاركين في تلك المباحثات تشكيل مجموعة من القادة السياسيين المحليين أو من الدول الصديقة تتلخص وظيفتها بالضغط على الحكومة الفنزويلية من أجل القبول بتحقيق الديمقراطية والحكم بطريقة دستورية، وبهذه الطريقة وحدها يمكننا الانتقال إلى مرحلة إجراء انتخابات حرة».
وهذا يعني أن تلك «المجموعة من الدول الصديقة» سوف تستبدل جهود الوساطة الفاشلة التي تكفل بها الفاتيكان واتحاد دول أميركا الجنوبية، والتي تعامل معها الرئيس نيكولاس مادورو بنوع من الجدية من أجل ربح الوقت في وقت كان يجهز نفسه فيه للقيام بانقلاب يمكن أن يغير الأوضاع لصالحه، وخلال تلك المفاوضات، أعلن نظام مادورو عن تجريد الجمعية الوطنية (البرلمان) من كل السلطات الدستورية التي تتمتع بها، وهي التي فازت فيها المعارضة بالأغلبية منذ الانتخابات التشريعية لعام 2015. ولم يكتفِ النظام بهذا الإجراء، وأصدر قراراً يمنع بموجبه كبار زعماء المعارضة من الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية لمدة 15 عاماً. وعندما سألت بورجيس عما إذا كانت المعارضة ستقبل بالتوقف عن التظاهر في الشوارع مقابل العرض الذي تقدم به مادورو بإطلاق حوار عام، قال لي رئيس الجمعية الوطنية: «إن مصداقية أي عرض حكومي لا يكون معززاً بضمانات من حكومات المنطقة تساوي الصفر». وأضاف: «بدلاً من الوساطات الجديدة، فإن الشيء المهم الآن هو الضمانات التي تلتزم بها دول المنطقة، والتي تجبر مادورو على تكريس النظام الدستوري لفنزويلا».
ومن الجدير بالذكر أن صيغة «مجموعة الدول الصديقة» استُخدمت في حل العديد من النزاعات التي شهدتها أميركا اللاتينية خلال العقود القليلة الماضية، بما فيها سلسلة الحروب التي شهدتها منطقة أميركا الوسطى خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، فضلاً عن الصراع الداخلي بين الكولومبيين خلال السنوات الأولى من القرن الحالي. وسبق أن تم اقتراح تشكيلها وتفعيلها من أجل حل مشكلة فنزويلا في الماضي إلا أن هذه الفكرة لم يُكتب لها التنفيذ على أرض الواقع.
والآن، يلقى هذا الاقتراح دعماً متزايداً في أميركا اللاتينية بسبب تصاعد حدة العنف في فنزويلا، وأيضاً بسبب التصريح الذي أدلى به مادورو في 17 أبريل الماضي من أنه يعتزم توزيع 500 ألف بندقية حربية لتسليح الميليشيات دفاعاً عن الحكومة في شوارع المدن، وهو القرار الذي أثار مخاوف الدول المجاورة لفنزويلا من أن يعمد المقاتلون المدنيون الفنزويليون لبيع هذه البنادق في السوق السوداء.
وقال الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس في تغريدة على موقع تويتر بعد ساعات من إعلان مادورو عن تسليح الميليشيات، إن كولومبيا تعتزم طرح مشكلة «عسكرَة المجتمع الفنزويلي» في الأمم المتحدة.
وقال لي بورجيس: «خلال الساعات والأيام القليلة الماضية، تسنّت لي فرصة الحديث مع عدد كبير من وزراء ورؤساء دول المنطقة، فلاحظت أن موضوع تسليح الحكومة الفنزويلية للميليشيات المؤيدة لها كان الأكثر إثارة لقلقهم، وذلك لأن هذه الأسلحة لن تستخدم في قتل المواطنين الفنزويليين الأبرياء فحسب، بل وأيضاً مواطني كولومبيا وبنما وبيرو والبرازيل».
وامتنع بورجيس عن تحديد أسماء الدول التي يمكن أن تتشكل منها «مجموعة الدول الصديقة»، ولكنه قال: «لن أستغرب لو أن المعارضة اختارت الأرجنتين التي تسلمت لتوّها منصب الرئاسة الدورية لاتحاد دول أميركا الجنوبية، وبخاصة أن رئيسها موريشيو ماكري تطوع بنقل رسالة صاغتها تلك الدول حول الأوضاع في فنزويلا إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اللقاء الذي جمع بينهما في 27 أبريل الماضي، وربما تضاف إلى الأرجنتين كل من كولومبيا والبيرو فيما يقترح نظام مادورو ضم بنما بالإضافة لبوليفيا أو الإكوادور.
وفي رأيي الشخصي أن زيادة أعداد قائمة القتلى الفنزويليين نتيجة التظاهرات، وتفاقم مشكلة العزلة التي تعيشها فنزويلا بعد أن علقت مشاركتها في التكتل التجاري لأميركا الجنوبية المعروف باسم «الميركوسور»، وانسحابها – تحت الضغط - من «منظمة الدول الأميركية»، وزيادة الانشقاقات داخل الحكومة، والحالة الاقتصادية المتردّية، كلها من الأسباب التي تجبر مادورو على القبول بتدخل «مجموعة الدول الصديقة» من أجل إنقاذ ماء الوجه والخروج من هذه الأزمة.
أندريس أوبنهايمر
محلل سياسي أرجنتيني متخصص بشؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»
المصدر
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=94088