كوبا والولايات المتحدة .. هل هى مصالحة زائفة؟

الخميس, 26 شباط/فبراير 2015 12:07
“الطريق نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا سيكون معقدا جدا، وقد يستغرق وقتا طويلا بسبب الخلافات العميقة بين البلدين، والتى بدأت بالحصار الاقتصادى عام 1961".
هذه الجملة التى قالتها روبرتا جاكوبسن المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى كوبا – مساعدة وزير الخارجية – لخصت العقبات التى تواجه التطبيع الكامل والفعلى للعلاقات بين واشنطن وهافانا، قبل انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات بين البلدين، مما يؤكد صحة المخاوف، التى تتحدث عن أن المصالحة بينهما "زائفة" وتقوم على أسس واهية، ولأسباب استراتيجية، بدليل أن أى طرف من الاثنين ليس مستعدا بعد – كما هو واضح - لتقديم تنازلات مجانية للطرف الآخر بهذه السهولة.
بالتأكيد، اتضح ذلك من خلال تصريحات جاكوبسن قبل أيام التى عبرت فيها عن استيائها من قيام الحكومة الكوبية بإلقاء القبض على أكثر من ٢٠٠ شخص من المعارضين السلميين، فى واقعة تثير القلق الأمريكى التقليدى.

بداية طريق المفاوضات كانت سهلة، لأنها كانت مجرد شعارات ترفع، فقد توافق الرئيس الأمريكى باراك أوباما ونظيره الكوبى راؤول كاسترو منذ ١٧ ديسمبر الماضى على خطة لإصلاح العلاقات الدبلوماسية وإكمال عملية الإفراج عن السجناء وتقديم تنازلات من الجانبين، كما أعلن أوباما بعدها أن سياسة الحصار عفا عليها الزمان ويجب تغييرها، وتعهد بأنه سيكون هناك تعاون بين البلدين لمكافحة الإرهاب والمخدرات.

والخطوة الأولى كانت سهلة أيضا، ففى خطوة لإثبات حسن النيات، أفرجت كوبا – الحليف القوى للاتحاد السوفيتى سابقا إبان الحرب الباردة - عن عامل المساعدات الأمريكى آلان جروس، مقابل إفراج واشنطن عن ثلاثة كوبيين محتجزين فى الولايات المتحدة.

والخطوة الثانية كانت فى إرسال وفد أمريكى رفيع إلى هافانا، وهى الخطوة الصعبة، باعتبار أن الكونجرس الجمهورى بمجلسيه لم يبد ترحيبا باستئناف العلاقات بين واشنطن وهافانا.

وحتى زيارة الوفد الأمريكى لم تتم بشكل جيد، فقد بدأت بمفاجأة غير متوقعة، حيث كانت سفينة التجسس الروسية فيكتور ليونوف فى استقبال الوفد الدبلوماسى الأمريكي فى ميناء هافانا، الأمر الذى أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة.

وبمتابعة سير المباحثات السياسية بين الطرفين سنجد أيضا أنها لم تكن بأى حال من الأحوال سلسة، فقد تناولت فك الحصار الاقتصادى عن كوبا والسماح لها بالتبادل التجارى بشكل حر، الأمر الذى لا يتحكم فيه سوى الكونجرس الأمريكى، وهو أمر يجب التصويت عليه، فبمجرد أن طلبت كوبا رفع الحصار الاقتصادى عنها ألقى أوباما بالكرة فى ملعب الكونجرس ليضعه فى موقف محرج، ولكن ما أن لوح أوباما بهذا الطلب بدأت الانتقادات تنهال عليه من جهة أعضاء الكونجرس.

فقد أعلن الجمهورى جون بوينر رئيس مجلس النواب أن العلاقات مع كوبا لا يجوز أن تعود إلى طبيعتها، واعتبر أن قرار أوباما يأتى ضمن سلسلة من التنازلات لصالح ديكتاتورية تعامل شعبها بوحشية وتتعاون مع أعداء أمريكا.

وأول نقطة ناقشها الطرفان شهدت تأزما، وهى مسألة إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها، فكوبا تفرض شروطا مشددة على البعثات الدبلوماسية الأمريكية، الأمر الذى يفقدها قدرتها على التحرك بحرية أو ممارسة عملها بشكل جيد، ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى من جانبه بادر برفع القيود المفروضة على تنقل الدبلوماسيين الأمريكيين داخل الأراضى الكوبية، وقرر إنهاء سياسة الحد من عدد الموظفين الدبلوماسيين المعتمدين، وعلى الجانب الآخر، يعانى الدبلوماسيون الكوبيون فى واشنطن الكثير من الصعوبات، حيث يخضعون للعديد من القيود أقلها الحصول على ترخيص لمغادرة واشنطن.

كما تواجه المباحثات أيضا عددا آخر من التحديات والقضايا الشائكة مثل ملف المهاجرين الكوبيين الذين يحظون بدعم هائل من الولايات المتحدة، نظرا لأن أغلبيتهم من الأطباء، الأمر الذى يسبب إزعاجا شديدا لكوبا، وتعتبره فى بعض الأحيان تجريدا لها من العناصر المتميزة فى مجتمعها.

التاريخ الأسود، والعقبات الكثيرة التى بنتها الدولتان على مر العقود الماضية، كلها أمور تجعل المصالحة السريعة والمخلصة بين واشنطن وهافانا أمرا صعبا، وستعترضه الكثير من الصعوبات والاختلافات، وأهمها بالتأكيد موقف الكونجرس.

والآن، يطالب مسئولون أمريكيون هافانا بضرورة فتح السفارة الأمريكية فى كوبا بحلول أبريل المقبل، بينما يصر الكوبيون على رفع اسم كوبا أولا من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما يعنى أن أجواء انعدام الثقة ما زالت هى السائدة، وأن التاريخ الأسود ربما يجعل المصالحة صعبة أو فى أفضل الأحوال بطيئة ومليئة بالعقبات.

ومن يتابع الشأن الكوبى يدرك جيدا أن قرار أوباما بالتقارب لم يكن أصلا من أجل رغبة فى المصالحة بقدر ما كان يهدف إلى توجيه رسالة قوية لروسيا فى توقيت مهم، ليس أكثر!

وطالما أن النيات ليست خالصة بالكامل، والخلافات عميقة، فهذا معناه أن التوافق الحقيقى بين البلدين سيكون صعبا، والمصالحة المرجوة ستكون أصعب.
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/363391.aspx

قراءة 886 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)