العلاقات المصرية البرازيلية.. سياسة الفرص الضائعة

الثلاثاء, 07 أيار 2013 11:17

 

●●●

وربما تشكل الزيارة المرتقبة للرئيس مرسى فرصة جديدة للانفتاح على البرازيل حتى وإن بدا أنها جاءت متأخرة، فهناك مصلحة مصرية أكيدة لتوطيد العلاقات مع البرازيل ويساعد على ذلك وجود قواسم مشتركة وقدر مهم من آفاق التكامل بين البلدين.

إن ما يربط مصر والبرازيل ببعضهما يتعدى آفاق المصالح المشتركة ورغبة كل منهما للاستفادة من الأخرى لتكون بوابة العبور إلى الجوار الاقليمى للدولة الاخرى، إلى ما هو أبعد من ذلك ليشمل أوجه التشابه الثقافى والحضارى باعتبار أن كل منهما قد لعبا دور بوتقة صهر الحضارات والاجناس التى مرت بها عبر تاريخها: مصر فى العالم القديم والبرازيل فى العالم الحديث، وقد عمل ذلك على تكريس التقارب فى سمات شخصية الشعبين، الأمر الذى من المفترض أن يعمق التفاهم بين الشعبين والبلدين.

  فالبرازيل تعد بحق نتاج فريدا لامتزاج الأعراق الأفريقية والمتوسطية والاسيوية مما جعلها بوتقة صهر بكل معنى الكلمة، كما أن عدم دخولها فى حروب منذ 130 عاما على رغم حدودها المشتركة مع تسع دول، جعلتها النموذج الوحيد للدولة القارية التى تنتهج سياسة خارجية لتحقيق مصالحها الاقتصادية بالطرق السلمية دون غيرها من الوسائل. كما أن البرازيل، خلافا لما يعتقده الكثيرون، استطاعت أن تحتفظ لنفسها بدور ريادى فى أمريكا اللاتينية خاصة فى العقدين الماضيين من خلال تخفيف تأثير التفوذ الأمريكى.

وبالمثل فلا يخفى أن مصر قد استطاعت بدورها أن تطوع الغزوات وتتابع الحضارات والثقافات التى مرت بأرضها، وأن تكون بوتقة صهر لهذه التيارات التى تتشكل ــ كما هو الحال فى البرازيل ــ من أصول أفريقية ومتوسطية وآسيوية بالأساس، كما ظل أمل مصر أن تنأى بالمنطقة عن تنامى أى دور خارجى فى شئونها الداخلية خاصة فى أوقات القوة التى اتسمت بها على اعتبار وجود تعارض ما بين التأثير الخارجى فى الشأن الداخلى وما بين قدرة الدولة على لعب دور نشط فى محيطها الإقليمى.

كذلك هناك تشابه فى مواقف البلدين فى الكثير من المجالات على الصعيد الدولى متعدد الأطراف كبناء نظام اقتصادى دولى أكثر عدالة، وإرساء إطار جديد لمنظومة منع الانتشار ونزع السلاح تراعى مصالح الدول غير النووية وحقها فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية، فضلا عن بدء تجربة الإصلاح الاقتصادى فى البلدين فى نفس الوقت تقريبا فى أوائل التسعينيات.

وقد نظرت البرازيل إلى مصر كشريك ملائم يمكن لها التعامل معه فى تحقيق أهداف مشتركة على الساحة الدولية مثلما وجدت فى عدد آخر من الدول النامية البازغة كالهند وجنوب أفريقيا والصين، وكانت هذه الجهود نواة تجمع الإيبسا التى تشكلت بين هذه الدول، علما بأنه لم يكن من المستبعد أن تكون مصر جزءا من هذا التجمع لولا تقاعسها وإذا كانت قد استجابت للمحاولات البرازيلية للتقارب معها.

●●●

صاحب اهتمام البرازيل بالعالم العربى ابان ازمتها الاقتصادية فى السبعينيات نتيجة ارتفاع اسعار البترول احباطا فى توقعاتها فى التعاون وذلك لإخفاقها فى اقناع الدول العربية النفطية فيما عدا العراق فى فتح اسواقها للمنتجات البرازيلية. ثم جاء غزو العراق للكويت ليضاعف الاحباط، حيث فقدت البرازيل ليس فقط سوقا مهما وإنما فقدت ديونا مستحقة على بغداد نتيجة فرض عقوبات دولية على الأخيرة، الأمر الذى جعل البرازيل تدير علاقتها الاقتصادية مع المنطقة العربية بقدر كبير من الحذر.

 وقد كنت سفيرا لمصر فى البرازيل من 1997 إلى 2000 وشهدت حرص البرازيليون على دمج مصر فى مبادرات القوى البازغة لإرساء نظام دولى يراعى الاعتبارات الجديدة على الساحة الدولية، إلا أن المساعى البرازيلية لم تلق آذانا صاغية من قبل القاهرة رغم المحاولات المتكررة لإقناع المسئولين بجدوى ذلك. ومن ثم فلم أجد بدا ــ فى ضوء تراجع احتمالات تعميق التنسيق السياسى ــ إلا التركيز على جوانب المصالح المشتركة والاستفادة من الخبرة البرازيلية الواسعة فى مجالات الوقود الحيوى والبيوتكنولوجى، والبحوث الزراعية خاصة فى مجال زراعة الأراضى القاحلة والاستفادة من التقدم الذى وصلت إليه البرازيل فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ناهينا عن إمكانية الانتفاع من التكنولوجيا البرازيلية المتقدمة فى استخراج البترول والغاز من اعماق البحار، وحتى هذا لم يجد الاهتمام من قبل الجهات المعنية فى الحكومة المصرية.

وكان من اللافت للنظر أنه بدلا من أن نتقارب مع البرازيل لتحقيق مصالحنا بما فى ذلك المشاركة فى تجمع الـBRICS، انحصرت علاقتنا مع البرازيل فى التنافس حول مسألة توسيع العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، فى الوقت الذى كان واضحا أن هذه المسألة ــ لاعتبارات متعددة يطول شرحها ــ غير قابلة للحسم فى المستقبل القريب، وهو الأمر الذى أدى إلى قدر من الفتور فى العلاقة بين مصر والبرازيل.

●●●

 أما عن الزيارة المقبلة للرئيس مرسى للبرازيل، فأرجو أن تشكل الزيارة فرصة لفتح صفحة جديدة فى العلاقات، مستخلصين عبر الماضى ومنفتحين على مستقبل مبنى على القواسم والمصالح المشتركة آخذين فى عين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الحالية فى البرازيل من جهة، وتاريخ العلاقات بين البلدين والمنطقة من جهة ثانية، والأوضاع الداخلية فى مصر من جهة ثالثة. فالبرازيل من أقل القوى الاقتصادية الكبرى إنفاقا على المساعدات الخارجية وتركز مصالحها المشتركة مع الأطراف الأخرى على التجارة، وخاصة النفاذ إلى الأسواق الأجنبية، مما يفرض علينا ترتيب البيت المصرى من الداخل سياسيا واقتصاديا، كى يصبح انطلاقنا للسوق البرازيلية مبنيا على مبدأ التكافؤ وليس على مجرد عقد الاتفاقات التى تسمح لنا بالمزيد من استيراد المواد الغذائية التى تزيد العجز فى ميزان مدفوعاتنا، كما أن تهيئة الأوضاع السياسية فى مصر سيكون عاملا جاذبا للبرازيليين للسياحة والاستثمار فى المستقبل.

فيجب ألا نتوقع تدفقا ملحوظا للاستثمارات البرازيلية المباشرة، فهناك من العوامل النفسية والهيكلية التى تجعل البرازيل تتحفظ على التوسع فى هذا المجال، منها انخفاض فائض الموارد المالية، سلسلة الاحباطات فى التعامل مع العالم العربى، بالاضافة إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والأقتصادية فى مصر.

فى الخلاصة، فإن الانطلاق نحو البرازيل يجب أن يبنى عل أسس من الجدية والاستمرارية والدراسة الموضوعية للفرص والمصالح المشتركة، خاصة مع ما يبدو من استمرار البرازيل فى التطلع إلى تنشيط وتطوير علاقاتها بمصر كبوابة رئيسية إلى العالم العربى، فهل ستكون علاقاتنا المستقبلية مع البرازيل بعد هذه الزيارة استمرارا لمسلسل الفرص الضائعة السابق، إما أننا سنغتنم هذه الفرصة للانفتاح عليها بالأسلوب الملائم الذى يراعى خلق المصالح المشتركة وإنعاشها؟

الثلاثاء 7 ماي 2013

http://www.shorouknews.com/columns/RamzyEzzedineRamzy

قراءة 1269 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)