قمة أسبا الثالثة: محاولة لاستعادة الفرص الضائعة فى العلاقات العربية – الأمريكية اللاتينية

الخميس, 10 أيلول/سبتمبر 2015 14:27

ستضافت ليما عاصمة البيرو يومي الأول والثانى من شهر أكتوبر الجارى قمة منتدى دول أمريكا الجنوبية والدول العربية أسبا ASPA)). وهى القمة الثالثة بعد القمة الأولى التي عقدت فى برازيليا عام 2005، والثانية التي عقدت فى الدوحة عام 2009. والقمة هي الأولى التي يتم عقدها بعد أحداث الثورات العربية، وهو الأمر الذى جعل منها قمة ذات طبيعة خاصة، وذلك لأن المجهودات اللاتينية والعربية التى مثلت حجر الأساس لمنتدى أسبا سواء كانت مساعى دبلوماسية حثيثة أو علاقات اقتصادية نامية، كانت بالاساس بين أهم الدول الفاعلة فى القارة الجنوبية وعلى رأسها البرازيل وبين حلفاءهم من الدول العربية الأكثر اهتماما بتنمية العلاقات مع أمريكا اللاتينية وعلى رأسها ليبيا وسوريا، وبينما شهدت ليبيا سقوط نظام القذافى الحليف لأمريكا الجنوبية ما زالت الأحداث فى سوريا تنذر بسقوط حليف جديد وهو بشار الاسد، من جانب اخر تأتى القمة وسط آمال بفتح آفاق جديدة للعلاقات بين دول الأوناسور (اتحاد دول امريكا الجنوبية) ودول عربية جديدة بعد سقوط أنظمتها القمعية وبداية مسارها الديمقراطى مثل مصر وتونس.

قراءات حول القمة:

1. ضخامة الحدث

يجمع منتدى أسبا بين كافة دول منظمة جامعة الدول العربية (22 دولة) ومجمل دول أمريكا الجنوبية أو منظمة أوناسور (والتي تضم12 دولة هي: الارجنتين، البرازيل، شيلى، فنزويلا، اورجواى، باراجوى، بيرو، كولومبيا، الإكوادور، بوليفيا، سورينام، جويانا)، وقد حضر ممثلون عن هذه الدول باستثناء سوريا وبارجواى بسبب تجميد عضويتهما فى منظماتهما الإقليمية لأسباب داخلية. وقد استقبلت ليما نحو ألفى شخص ما بين عربى ولاتينى منهم 400 مستثمر ورجل أعمال.
وقد شهدت القمة حضور جنوب أمريكى مكثف على مستوى رؤساء الدول يكاد يكون كافة الرؤساء فيما عدا الرئيس الفنزويلى شافيز لانشغاله بانتخاباته الرئاسية. أما على المستوى العربى فقد اقتصر حضور الرؤساء على العاهل الاردنى الملك عبد الله والرئيس اللبنانى ميشال عون والرئيس التونسى منصف المرزوقى.
وقد أقيمت القمة وسط ترحيب لاتينى بالغ بالدول العربية والثقافة الإسلامية، ظهر هذا من خلال حرص الدولة المضيفة على بناء مسجد داخل المبنى المقام فيه اجتماعات القمة وتزويد المسجد بشاشة كبيرة لعرض مواقيت الصلاة، كما كان واضحا اهتمامهم وتقديرهم للدول العربية من خلال طرح مطبوعات وإصدارات عن القمة باللغة العربية وذلك ليستفيد منها الحضور العربى سواء كانوا سياسيين او رجال أعمال.

2. تعاون الجنوب/ الجنوب

تصنف قمة ليما باعتبارها أحد صور تعاون الجنوب/ الجنوب، ذلك التعاون الذى تتصاعد نبرته فى الآونة الأخيرة كأحد طرق تغيير النظام الدولى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية، وأحد آليات التنسيق فى القضايا السياسة فى المحافل الدولية. من جانب آخر تعتبر سبيلا للتعاون الاقتصادى خارج دوائر مؤسستى صندوق النقد والبنك الدوليين ذات السياسات المجحفة للدول النامية، وأحد آليات إبرام المعاهدات والاتفاقات التجارية وفتح أسواق جديدة بين دول الجنوب.

3. اهمية المنتدى لكلا الطرفين

بدا من الواضح ان المصالح الاقتصادية كانت هى الغالبة على توجهات دول أمريكا الجنوبية، حيث تجد فى هذه القمة فرصة مهمة لفتح أسواق جديدة فى الدول العربية كبديل عن الأسواق الأوروبية التى تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة، كما كان ذلك واضحا من كلمة وزير التجارة الخارجية البيروفى خوسيه لويس سيلفا: " بالنظر إلى الأوضاع الدولية المضطربة، وأوروبا التي تسجل تراجعا والولايات المتحدة التي تشهد كسادا، هناك إجماع بين دول أميركا اللاتينية للذهاب قدما بحثا عن اسواق جديدة ".
فى حين جاءت القضايا السياسية على رأس أولويات الأجندة العربية، والتى تمثلت فى الأزمة السورية، حيث كانت أهم محاور النقاش والخلاف أيضا بين وزراء خارجية الدول، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، والتى تعد أهم قضايا التوافق والإجماع بين الدول العربية والجنوب أمريكية، وكذلك قضايا جزر الإمارات المتنازع عليها مع إيران وغيرها. و لا يعنى هذا أن الجانب العربى قد أغفل الجوانب الاقتصادية والتجارية بدليل تواجد رجال الأعمال العرب وتأكيد بعض كلمات الممثلين العرب على أهمية التبادل التجارى، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تجارية بينية بالفعل، ولكن سخونة الأحداث السياسية فى الجانب العربى جعل النقاش حول قضايا السياسة هو الأكثر بروزا على السطح.

4. سقوط الحلفاء القدامى

فى قراءة سريعة نجد أن قمة ليما جاءت بعد سقوط نظام القذافى فى ليبيا وحصار نظام بشار فى سوريا بسبب الثورة الدامية الممتدة على مدار 18 شهر، وهو الأمر الذى يعنى سقوط وترنح أهم حلفاء دول أمريكا الجنوبية فى المنطقة العربية، حيث أن كل من ليبيا وسوريا كانتا أنشط الدول العربية فى إقامة علاقات ثنائية مع الدول اللاتينية بشكل عام على كافة الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. وقد كان موقف دول أمريكا الجنوبية المؤيد للقذافى جليا، وعلى رأسهم صديقه الفنزويلى الرئيس هوجو شافيز، وكذلك أيضا موقف الأخير من بشار الاسد ونظامه فى سوريا حيث يعتبره آخر معاقل المقاومة والممانعة فى الدول العربية. وعلى هذا فإن سقوط تلك الأنظمة يعنى قطع كثير من الحبال الممدودة بين العالمين العربى واللاتينى، وهو الأمر الذى يجعل الدول الأعضاء فى المنتدى فى حاجة ماسة لبذل مزيد من الجهد لتوطيد العلاقات البينية، ولكن وفقا لرؤية جديدة.

5. صعود حلفاء جدد

على الصعيد الآخر وكما فقدت دول أمريكا الجنوبية أنظمة حليفة، كسبت أيضا بسقوط أنظمة يمكن اعتبارها حليفة وتابعة للمعسكر الامريكى الغربى وعلى رأسها النظام المصرى الذى أسقطته ثورة يناير، والذى ظل يمثل حاجز منيع أمام تطوير العلاقات المصرية بأى طرف من العالم غير الطرف الغربى، والذى لم يتحمس أبدا لأى دور إيجابى للدبلوماسية المصرية فى عالم الجنوب وتنازل طواعية عن حقه فى الدخول فى تحالفات دولية من شأنها تعزيز موقفه كدولة صاعدة، كما فعلت البرازيل مثلا فى انضمامها إلى منظمة البريكس. ومن ثم فسقوط نظام مبارك الذى طالما تعامل باستهانة مع كل المحاولات اللاتينية للتقارب يعد بارقة أمل لفتح أبواب جديدة للتحالفات السياسية والاقتصادية والتجارية بين مصر ودول القارة الجنوبية، وفى نفس السياق يمكن أن تعد تونس أيضا حليفا جديدا، وقد بدا ذلك جليا بحضور الرئيس التونسى منصف المرزوقى الذى صرح بقوله: "إن العالم العربي ينظر لأمريكا اللاتينية بكثير من الإعجاب... وأن كلا الجانبين يبحثان عن تحقيق النمو المشترك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا". وفى حين حضر الرئيس التونسى غاب الرئيس المصرى عن الحضور، وعلى الرغم من ان غيابه كان له مبرراته الداخلية، إلا أن حضور مصر على مستوى القمة وليس فقط وزير خارجيتها كان من الممكن ان يكون له أثر مهم. ومن الجدير بالذكر أن الرئاسة المصرية كان قد سبق وعلقت على تأجيل زيارة الرئيس مرسى للبرازيل والتى كان من المفترض ان تتزامن مع زيارته للأمم المتحدة بأن الأمر يرجع لأهمية البرازيل والدول اللاتينية التى يجب أن يعد لها جيدا للاستفادة من تجربة البرازيل الرائدة فى التقدم الديمقراطى والاقتصادى.

6. دول الخليج: موقف يتسم بالوضوح والثبات

أما دول الخليج والتى استضافت القمة الثانية فى العاصمة القطرية الدوحة وتطالب باستضافة القمة الرابعة على الأراضى السعودية، فإن موقفها من منتدى أسبا بوجه عام أكثر وضوحا وثباتا، ويصب بالأساس فى العلاقات التجارية بين المنطقتين، وهو توجه خليجى واضح فى التعامل مع الدول اللاتينية منذ فترة طويلة والأهم أن دول الخليج لديها علاقات تجارية على مستوى فردى، وكذلك أيضا على مستوى مجلس التعاون الخليجى، حيث وقعت دول المجلس اتفاقا إطاريا مع جمهورية بيرو يتعلق بالتعاون فى المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والاستثمارية.

خلافات حول مسودة البيان الختامى:

شهد الاجتماع الوزارى فى اليوم الأول للقمة مناقشات مكثفة لمسودة البيان الختامى الذى صدر فى اليوم الثانى للقمة فى اجتماع الرؤساء والملوك، وقد أظهرت المناقشات قدر من الاختلافات بين الأعضاء حول الملفات السياسية العربية، ومنها:

1. خلاف حول جزر الإمارات

نشب الخلاف حول الفقرة الخاصة بجزر دولة الإمارات الثلاث المتنازع عليها مع إيران، حيث أثار الوزير الفنزويلى الذي تعرف بلاده بعلاقتها الوثيقة مع إيران تحفظا على هذه الفقرة، وهو الموقف الذى أيدته كل من بوليفيا والإكوادور، وأكد الوزير ضرورة إضافة فقرة تدعو للحوار الثنائى بين الإمارات وإيران، كما حدث فى فقرة جزر الفوكلاند الأرجنتينية المتنازع عليها مع بريطانيا، وفى المقابل اعترض الوزير الإماراتى أنور قرقاش محذرا من عواقب تغيير الموقف المتعلق بالجزر الثلاث على التعاون العربى الأمريكى الجنوبى.

2. خلاف حول سوريا

على الرغم من غياب الوفد السورى عن القمة إلا أن أزمتها كانت طاغية على المناقشات وكان الخلاف حولها من أهم مظاهر القمة، فبينما قام الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربى بدور قوى فى إلقاء الضوء على خطورة الوضع فى سوريا وتحميل نظام بشار الأسد وزر الأوضاع الكارثية فى الأراضى السورية كما وصفها الامين العام، ظهر موقف دول أمريكا الجنوبية أقل عداءا لنظام الاسد وأكثر تأكيدا على منع أى تدخل خارجى فى الأراضى السورية، وبالطبع يُفهم هذا الموقف فى إطار التحالفات القديمة بين نظام الأسد ودول القارة.

أهم نقاط البيان الختامى (إعلان ليما):


فى نهاية أعمال القمة والتى استمرت يومين تم إعلان البيان الختامى للقمة والذى عرف باسم (إعلان ليما) متضمنا 70 نقطة، من أهمها:

1. أهمية تعزيز العلاقات بين المنطقتين العربية والأميركية.

2. العمل على إقامة مناطق منزوعة السلاح النووى، ولكن دون المساس بحق الدول في الطاقة النووية للأغراض السلمية.

3. فيما يخص القضية الفلسطينية، جاء فى الإعلان ضرورة التوصل لسلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الأمم المتحدة ومبادرات السلام العربية. بالإضافة إلى أهمية التنفيذ الكامل لخريطة طريق اللجنة الرباعية الدولية للسلام والحاجة لإعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير وحق العودة. كما أكد الإعلان على حق الفلسطينين فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وتأكيد دعم انضمام فلسطين للأمم المتحدة. كما طالب البيان إسرائيل بالانسحاب فورا من الأراضي العربية المحتلة عام 67 بما فيها الجولان السوري والأراضي اللبنانية وإزالة المستوطنات ووقف الاستيطان.

4. وبالنسبة للمسألة السورية أكد على الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، مع تأكيد مبدأ عدم التدخل الأجنبي، ودعم مهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي وإيصال مساعدات للاجئين.

5. رحب البيان بمبادرة الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لتسوية أزمة دارفور وبتوقيع حكومتي السودان ودولة جنوب السودان اتفاقية أديس أبابا.

6. كما رحب الإعلان بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتجمع الميركسور وكذا بين فلسطين وميركسور، وتوسيع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والجنوب أمريكية.

7. دعم الجهود السلمية لدولة الإمارات لاسترداد الجزر التي تحتلها إيران: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى عبر المفاوضات الثنائية أو أي وسائل سلمية تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.

8. مطالبة الأرجنتين وبريطانيا وأيرلندا الشمالية باستئناف المفاوضات من أجل إيجاد حل سلمي للنزاع على جزر مالفيناس (الفوكلاند).

9. إدانة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره ورفض ربط الإرهاب بأي شعب أو دين بعينه أو مجموعة إثنية بعينها.

لخص الرئيس البيروفى اولانتا اومالا ما دار خلال يومى انعقاد قمة أسبا بقولة أثناء إلقاءه إعلان ليما: «لقد أكدنا على أننا نشترك في مشكلاتنا وتوقعاتنا، كذلك تعد آمالنا مشتركة، وهذه الظروف تمكننا من النظر إلى المستقبل بتفاؤل وأن نورد توقعاتنا وآمالنا في إعلان ليما وأن نواصل التأكيد على هذه المساحة من التعاون والتكامل».
من المؤكد أن القمة لم ينتج عنها قرارات قوية أو اتفاقات اقتصادية عملاقة، وإنما كانت بمثابة فتح أبواب كانت مغلقة أمام التعاون العربى اللاتينى ضمن إطار أشمل من تعاون الجنوب الجنوب، هذا النهج الذى بدأ يتزايد على نطاق واسع وكانت الدول العربية بعيدة كل البعد عنه. كما أنه يمكن اعتبار القمة خطوة على طريق استعادة الفرص الضائعة فى العلاقات العربية مع الجنوب سواء فى آسيا او أفريقيا أو أمريكا اللاتينية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.
.
http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=103

قراءة 7929 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)
المزيد في هذه الفئة : « ASPA-Riyadh Declaration ASPA-Doha declaration »