العلاقات المستقبلية المغربية-البرازيلية 1/2 (أرجحية انتخاب الاشتراكية مارينا سيلفا)

الإثنين, 15 أيلول/سبتمبر 2014 13:38

استطلاعات الرأي المحلية تفيد بأن الانتخابات الرئاسية التي يخوضها سبعة مرشحين من أطياف سياسية مختلفة، ستعرف جولة ثانية يوم الثاني من نوفمبر، نظرا لصعوبة حصد الأحزاب السبعة المتنافسة للأغلبية المريحة بالجولة الأولى. ذات الاستطلاعات تفيد أيضا بأن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية سوف تعرف سباقا محموما بين الرئيسة المنتهية ولايتها الرئاسية، ديلما روزيلف (الحزب العمالي)، والمرشحة للرئاسة، مارينا سيلفا (الحزب الاشتراكي). كما تفيد كذلك بأنه يرتقب، بالنهاية، فوز الاشتراكية، مارينا سيلفا، بمقعد رئاسة الجمهورية.
أرجحية فوز مارينا سيلفا بالرئاسيات البرازيلية، إذا ما صحت هذه النبوءة، ستعود إلى استفادة الأخيرة من عدة نقاط ولعب العديد من الأوراق لصالحها. فأولا، مارينا سيلفا، تجسد، بالنسبة لقطاعات مهمة من الكتلة الناخبة، تغييرا جذريا لعقد ونصف من حكم التجربة العمالية؛ ثانيا، تعد بديلا سياسيا حقيقيا، للعمالية المنتهية ولايتها الرئاسية، ديلما روسيف؛ ثالثا، تعتبر شخصية كاريزمية ذات دلالات رمزية قوية؛ رابعا، لها هيئة ناخبة مهمة ناقمة على الأحزاب التقليدية؛ خامسا، تنفرد حصريا بأصوات الهيئة الانتخابية المُتدينة؛ سادسا، تستأثر بأصوات الطبقة المتوسطة المطالبة دائما بالتغيير والمنتقدة بشدة للطبقة السياسية؛ وأخيرا، تعتبر بالنسبة لجزء مهم من الرأي العام، تخليقا حقيقيا وفعليا للحياة السياسية البرازيلية.
فوز مارينا سيلفا بمقعد الرئاسة، إذا ما تحققت هذه الأرجحية، قد يُنظر إليه على أنه فوز قد يُؤثر سلبا على العلاقات المستقبلية المغربية-البرازيلية، للأربع سنوات القادمة، عُمر الولاية الرئاسية البرازيلية، بسبب امكانية انحيازها في نزاع الصحراء، إذا ما أصبحت فعلا رئيسة للبلاد، واتخادها لموقف قد يضر بمصالح المغرب، وبذلك اصطفافها بجانب طروحات النزعة الانفصالية بجنوب المغرب وتحالفها مع خصومه، انسجاما مع جزأ من مواقف أمريكا اللاتينية، المنحازة سلفا والمتحاملة أصلا.
الاعتبارات التي يستند عليها أصحاب طرح امكانية انحياز مارينا سيلفا بشأن نزاع الصحراء تعتبر ذاتية وايديولوجية صرفة، أكثر منها موضوعية وبراغماتية، فضلا عن كونها رومانسية أكثر منها واقعية، حيث تنسب هذه الإمكانية إلى كون مارينا سيلفا، تجسد الجناح الأكثر راديكالية بيسار أمريكا اللاتينية و من بين أكبر أتباع الماركسية الجدرية، فضلا عن كونها متعصبة لمواقفها وقناعاتها ومدافعة مستميتة عن القيم وشخصية مقاومة لكافة الضغوطات وتخضع فقط لضميرها.
هذه القراءة الرومانسية قامت بإسقاط مغلوط من أساسه، وذلك عندما جمعت جميع أطياف اليسار بأمريكا اللاتينية بكفة واحدة. فمستويات اليسار بهذه القارة متباينة. فمثلا، تجربة الاشتراكية البرازيلية ليست بتجربة الاشتراكية الفنزويلية. فإذا كانت التجربة الفنزويلية، نقلية و تقليدية وثورية، فإن التجربة البرازيلية تقدمية واصلاحية و تنموية، حيث أن الاشتراكية البرازيلية حولت البلاد إلى القوة الاقتصادية السابعة بالعالم بينما الاشتراكية الفنزويلية انتجت اقتصادا فنزويليا أساسه الريع، وبينما تمكنت التجربة البرازيلية من رفع بلادها إلى مصاف الدولة الصاعدة بالعالم، بعد نجاحها في قيادة المنطقة فإن فنزويلا ما زالت تراوح مكانها.
أمَّا باستحضار الواقعية، فإنه يرتقب، خلافا لما تطرحه القراءة الرومانسية، أن تلتزم مارينا سيلفا بالحيادية من نزاع الصحراء. فالعديد من المؤشرات، بالمناسبة، تؤشر على ذلك. فتصورها للسياسة الخارجية يدعم مزيدا من التقارب مع شركاء وحلفاء المغرب بالقارة الأمريكية اللاتينية وخارجها. فمارينا سيلفا تدعم تقاربا أكبر بين السوق المشتركة الأمريكية الجنوبية (ميركوسور)، شريك المغرب مع وقف التنفيذ، مع تجمع (تحالف الباسيفيك)، تكتل اقليمي مؤلف من المكسيك والشيلي و ولومبيا والبيرو والمكسيك، يحظى فيه المغرب بصفة ملاحظ، ناهيك عن أنها تدعم "أجندة إيجابية" مع الولايات المتحدة، حليفة المغرب التقليدية، وتطمح بحماسة إلى إعطاء دينامية قوية مع الاتحاد الاوروبي شريك المغرب.
و بالرغم من أن حكومة الرئيسة، المنتهية ولايتها، العمالية، ديلما روسيف، تلقت طلبا من الغرفة السفلى للبرلمان بزعامة أطراف اشتراكية، تدعوها للاعتراف بما أسمته "الدولة الصحراوية" وإقامة علاقات ديبلوماسية معها وطلبت منها إدانة ما اسمته "خروقات حقوقية" بالصحراء وتأييد تكليف بعثة الأمم المتحدة بالصحراء للإشراف على حقوق الإنسان بها، فإن مارينا سيلفا، الموجه إليها عمليا الطلب، نظرا لتوقيته و هوية أصحابه، لن تخضع على الأرجح لضغوطات أصحاب الطلب، وإن كانت اشتراكية مثلهم، كما لن تقدم على تغير موقف بلادها تُجاه قضية الصحراء، نظرا لحيادتيه واتزانه وانسجامه مع الأسرة الدولية، وكونه يقوم بتأييد تسوية سياسية مقبولة من الأطراف و تستند إلى مبدأ تقرير المصير.
إلا أن خطوة التقدم بطلب لرئاسة الجمهورية البرازيلية للاعتراف بجبهة "البوليساريو"، النزعة الانفصالية بجنوب المغرب، والاعتراف بما اسمته "الجمهورية الصحراوية"، المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها أمميا، يعد، كيفما كانت الأمور، تأثيرا على النزاع وتحديا بالنسبة للمغرب، خاصة للديبلوماسية البرلمانية، كونها لم تستطع إقناع برلمان البرازيل بالالتزام بالحيادية سبيلا لتسوية النزاع، خاصة وأن خطورة هكذا خطوة تتجلى في كونها كانت مصحوبة بدعم جميع الأحزاب السياسية الممثلة بالبرلمان وفق ما جاء بقصاصة خبرية لوكالة الأنباء الإسبانية.
إلا أن أرجحية عدم امكانية ارتداد البرازيل عن موقفها المحايد من قضية الصحراء فتدعمها اعتبارات داخلية، برازيلية-برازيلية. فالبرازيل قامت خلال العشرية الاخيرة، بعدما قام الملك محمد السادس بزيارتها سنة 2004، إبان عهدة ايناسيو لولا دا سيلفا الرئاسية، برفع وارداتها من الفوسفاط والأسمدة، وفقا لمنظمة التجارة العالمية. كما أبرز تقرير حديث للغرفة التجارية العربية البرازيلية بأن قيمة الصادرات المغربية نحو البرازيل قاربت مليار ونصف دولار سنة 2013، غالبيتها عبارة عن فوسفاط ومشتقاته. لذلك، قد لن تقامر مارينا سيلفا بخسارتها للمغرب، كونها تحكم دولة زراعية بامتياز تتزايد حاجياتها الغذائية نتيجة تزايد ديمغرافيتها، بينما يعد المغرب أكبر منتج و مصدر للفوسفاط بالعالم.
أمَّا اليوم، فالسياسة الخارجية البرازيلية، أصبحت تتحكم به أكثر فأكثر الاعتبارات الاقتصادية (المصلحية) و لم تعد فيها الاعتبارات السياسية (الأيديولوجية) تجد نفعا، وذلك انسجاما مع تحولات العالم المتسارعة، خاصة وأن خارطة العالم المستقبلية، الآخذة في التبلور يوما بعد يوم، تسير نحو إقامة علاقات براغماتية بحسابات اقتصادية أكثر. فيما معناه أن استحضار المغانم والمغارم أثناء نسج علاقات ثنائية أصبح بمثابة الدينامو المحرك للعلاقات الخارجية البرازيلية مستقبلا؛ ما يفيد بأن البرازيل بتبنيها موقفا مُحايدا من نزاع الصحراء ستربح بينما ستخسر بانحيازها. بعبارة أكثر دقة، ستربح دولة قائمة تجمعها بها علاقات قوية كالمغرب، وبإمكانها أن تكون أكبر مما عليه بكثير اليوم نظرا لطبيعتهما التكاملية.
بالنهاية، السياسة الخارجية البرازيلية، براغماتية بطبعها، حيث تقوم أساسا علي إقامة وتقويتها علاقاتها مع الآخر بناء على أجندة تكاملية. أمَّا إذا استحضرنا الأمد المتوسط-البعيد، فالدولة البرازيلية، بانتزاعها للقيادة الاقليمية والريادة بالمنطقة، فإن مسعاها مستقبلا، كونها اليوم قطبا دوليا صاعدا، فهو بلورة مكانتها الدولية، المقصود بالذات، انتزاع العضوية الدائمة بمجلس الأمن الأممي ممثلة للجنوب. فيما معناه أنها غير مستعدة لخسارة أية دولة كيفما كانت. كما أنها غير متحمسة لخسارة دولة قائمة الذات، كالمملكة المغربية، لها وزنها قاريا وقيمتها استراتيجيا ومكانتها اقليميا. لذلك قد لن تنحاز لما يتم الترويج له على أنه "دولة".
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم ومتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية والمغربية-الأمريكية اللاتينية

قراءة 1867 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)