المغرب و فنزويلا: استمرار القطيعة واستبعاد استئناف العلاقات الديبلوماسية

الجمعة, 25 نيسان/أبريل 2014 08:46

أقامت السفارة الفنزويلية المعتمدة بالمغرب، الشهر المنصرم، معرضا للصور الفوتوغرافية للراحل هوغو شافيز، برواق باب الرواح بالعاصمة الرباط. الحدث بحد ذاتِه يُعتبر خطوة جديرة بالتنويه و الإشادة، نظرا لدلالاتها القابلة للقراءة، إلا أن تجاوب الرباط مع الحدث واستجابتها لطلب السفارة بتنظيم الحدث وتفاعلها مع فلسفته، يُعد خطوة تفاؤلية قد يستبشر بها المراقبون للعلاقات المغربية-الفنزويلية، نظرا إلى أن المبادرة الفنزويلية و الاستجابة المغربية تعتبران بحد ذاتهما مدخلا يمكنه، إذا ما تم استثماره ايجابا و دعمه ديبلوماسيا و تطويره مستقبلا، أن يكون مقدمة لمصالحة مغربية-فنزويلية، تقطع مع القطيعة الحالية و تُمهد لتقريب وجهات النظر واستئناف العلاقات.
الامكانية الوردية المُقدمة أعلاه، امكانية استئناف العلاقات، تُعد نظريا، مُمكنة إذا قاربناها بلغة العاطفة، إلا أنه بلُغة الواقع، ليست المسألة بتلك البساطة، سيَّما وأن تعكير العلاقات المغربية-الفنزويلية راجع إلى أسباب سيادية. أمَّا استئناف العلاقات بين فنزويلا والمغرب، فليست صعوباته أكبر من امكانياته، إنَما، حاليا، يصعب استئنافها، بالنظر إلى العديد من الاعتبارات الفنزويلية الداخلية. فهذه الاعتبارات الاستعجالية قد تقوم بإرجاء امكانية استئناف العلاقات إلى مناسبة لاحقة، قد تكون منظورة، وهو الأمر المُستبعد، وقد تكون بعيدة، وهو الأمر الوارد، بالنظر إلى الأوضاع الداخلية الفنزويلية المُعقدة والمُرتبطة باستتباب الأمن وإنهاء المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بها.
إلا أن إمكانية استئناف العلاقة بين فنزويلا والمغرب، بالرغم من الظروف الداخلية الفنزويلية الحالية، كانت ومازالت مُقترنة بموقف فنزويلا من قضية الصحراء المصيرية وغير القابلة للمساومة بالنسبة للمملكة المغربية، سيَّما وأنَّ مواقفها من هذه القضية ذات الأبعاد الدولية تُعتبر، قياسا بعدد كبير من جمهوريات أمريكا اللاتينية، راديكالية بامتياز، بحيث تعتبر، خِلافا للقرارات الأممية، المملكة المغربية، القوة الإدارية بالإقليم بناء على اتفاقية مدريد الثلاثية، "قوة استعمارية" و "قوة مُحتلة للصحراء" و "سلطة غير شرعية بالصحراء"، وأكثر من هذا وذاك، تناد صراحة وتدعم علانية، و بوجه مكشوف، ليس فقط تقرير المصير بإقليم الصحراء وإنما تدافع باستماتة عن استقلاله عن المغرب.
فبالعودة إلى امكانية استئناف العلاقات الديبلوماسية المغربية-الفنزويلية، فالوضع المُضطرب بفنزويلا يُحتم عليها، نظرا لمُستلزمات الضرورة؛ التفرغ كاملا للأجندة الداخلية، المتأزمة والعصيبة، وإرجاء الأجندة الخارجية، وهذا ما يُفسر استبعاد إعطاء أية أهمية لتجاوب المغرب وتفاعله مع مبادرة السفارة الفنزويلية، إقامة معرض للصور الفتوغرافية لهوغو شافيز. فواقع الظروف الفنزويلية الداخلية المتوترة يُعزز افتراضية ترقب آفاق العلاقة المغربية-الفنزويلية، و يُعزز إرجاء استئناف العلاقات بينهما، ويضعف افتراضية توقع امكانية استئناف العلاقات الثنائية، ما قد يحكم على هذه العلاقات الاستمرار بالقطيعة، ما لم يقع تغير بفنزويلا، قد يدفعها إلى مراجعة علاقتها بالمغرب.
فعموما المغرب، حاليا، يرقب الأوضاع بفنزويلا ويرصد تطوراتها، وعندما ستظهر له الصورة و يُقدر بأن الظروف تحسنت بها، قد يقوم، بدوره، ببعث إشارة ذات دلالات إلى فنزويلا، قد يتم التقاطها بفنزويلا ويتم استثمارها ايجابا، وقد يتم كذلك عدم الاكتراث بها وتجاهلها، طبقا لمواقفها، ما قد يحسم بتطبيع العلاقة أو قطيعتها، إلا أنه، بالرغم من التكهنات التشاؤمية، فنصيبها من استئناف العلاقة بين المغرب وفنزويلا، يقع على قدم المساواة من التكهنات التفاؤلية، بالرغم من قلتها، إلا أنه إذا تبنَت فنزويلا موقفا محايد من الصحراء و اتسم بالاعتدالية وتلاءم مع الشرعية الدولية وانسجم مع الأسرة الدولية، فإنَّ أرجحية فتح الرباط لسفارتها بفنزويلا من جديد ستتحقق بالتأكيد و فورا.
أمَّا استئناف العلاقة، بالواقعية السياسية، فيُعد طرحا مستبعدا. فموقف نيكولاس مادورو من نزاع الصحراء يُعد نفسه موقف هوغو شافيز المُنحاز، نظرا لمباركته علانية للطروحات الانفصالية بجنوب المغرب ومحاباته لجبهة "البوليساريو" ومناصرته "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، المُعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة. أمَّا المفارقة الفنزويلية من قضية الصحراء فتجد مداه في انتقائيتها. ففنزويلا غير معترفة مثلا باستفتاء تقرير المصير بجزر "الفوكلاند" المُتنازع عليها بين الأرجنتين و بريطانيا، بينما تناد به بقضية الصحراء، ما يفيد جليا بأنها تعتمد ازدواجية المعايير والمقاربة الانتقائية، ومواقفها ليست "مبدئية" البتة كما تزعم بذلك.
فباستبعاد حدوث تَغيُر بموقف فنزويلا، نظرا لتطرفها ومعاداتها للمغرب، يتحتم على المملكة تقوية علاقاتها بأصدقائها بأمريكا اللاتينية والجمهوريات المُحايدة بها، مثلما فعلت مع بنما وبراغواي والدومينيك وغيرهما؛ سيَّما وأنَّ نيكولاس مادورو تعهَّد أثناء تأديته لليمين الدستورية عند توليه رئاسة البلاد بالبرلمان استمراره بسياسة هوجو شافيز، وقام، أسبوعا فقط على وفاة عرابه، باستقباله شخصيا، مُمثلا جديدا لجبهة البوليساريو بفنزويلا. لماذا؟ لسبب بسيط، و هو أنَّ العالم الجديد وواقع العلاقات الدولية المُستجد، أصبحت تتحكم فيها الاعتبارات البراغماتية بدلا من التحالفات الإيديولوجية، و عليه يستوجب على المغرب تقديم اعتبار عدد الجمهوريات اللاتينية لصالحه بدلا من وزنها.
أمَّا التساؤلات المطروحة فما زالت نفسها. ماذا كانت ستخسر فنزويلا إذا ما تبنت موقفا مُحايدا من قضية الصحراء؟ ولماذا خسرت دولة قائمة الذات كالمغرب وراهنت على "دولة" غير موجودة بالواقع؟ الأكيد هو أنه لحسابات غير مدروسة بعناية، ستجد فنزويلا نفسها ضحية لحسابات مُناوئة للمغرب غير دقيقة، مثلما كانت ضحية لحسابات الثورة الكوبية المعزولة عن العالم، وكذلك ضحية سياسات عرَّابها، بسبب الاحتجاجات الشعبية اليوم بفنزويلا. بالنهاية، يتحتم على الديبلوماسية المغربية، تكثيف أداء آلتها المُعتمدة بأمريكا اللاتينية، واستمرارها في استثمار توار التحالفات المناهضة لها بهذه القارة واستثمارها تصاعد الحكومات الداعية إلى الالتزام بالشرعية الدولية والقرارات الأممية.

 

* مُهتم و مُتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية

قراءة 1916 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)