الخطاب السياسي بين مادورو وغوايدو

الثلاثاء, 18 حزيران/يونيو 2019 09:10

MarocPost
17/06/2019
باتت فينزويلا تحت حكم رئيسين في آن واحد وهو ما أدى إلى حدوث مواجهات عنيفة بين مؤيدي الرئيس نيكولاس مادورو من جهة وأنصار الرئيس بالوكالة خوان غوايدو الذي عينه البرلمان الوطني من جهة أخرى.

لقد حظي الرئيس الجديد باعتراف العديد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والبرلمان الأوروبي والعديد من دول أمريكا اللاتينية، فيما تؤيد الصين وروسيا وتركيا بقاء الرئيس نيكولاس مادورو.

وفي الوقت الذي تشتد فيه حمى الصراعات على الاعتراف الدولي بحثا عن أحقية هذا الطرف أو ذاك، يتزايد عدد الضحايا ميدانيا جراء وقوع مواجهات بين أنصار الرئيسين وبذلك أصبحت فينزويلا على شفا حفرة من حرب أهلية قد تعصف بمستقبل بلد غني بالبترول يهاجر أهله إلى بلدان مجاورة بحثاً عن لقمة العيش في مكان آمن

لم تقتصر المواجهات بين الرئيسين على الجانب الدبلوماسي والميداني بل امتدت إلى الخطاب السياسي باعتباره معركة لسانية وكلامية يحاول كلا الطرفين من خلالها استمالة الجماهير والتأثير على الرأي العام الوطني والدولي، علما أن الخطاب السياسي في أمريكا اللاتينية يعد من أهم الخطابات في العالم نظراً لقوته البلاغية واعتماده على تقنيات مختلفة تزاوج بين الخطاب العقلاني والخطاب العاطفي، بيد أن وجود رئيسين برؤى مختلفة يصعب مهمة الإقناع مما يؤجل إيجاد بدائل سياسية إلى حين

سنحاول، إذن، أن نرصد أهم هذه التقنيات التي يعتمدها كل من مادورو وغوايدو في خطاباتهما للتأثير على المتلقي.

القطبية الإيديولوجية

لا يكاد يخلو أي خطاب سياسي من هذه التقنية التي تعتبر عنصراً أساسياً للتعبير عن المواجهات السياسية بين الأنظمة ومعارضيها أو بين الأحزاب فيما بينها، فكل تنظيم سياسي يرى أنه يمتلك الصواب في حين أن الآخرين يقفون حجرة عثرة أمام مساعيه الحميدة.

عندما يتحدث الرئيس مادورو عن "النحن" فكلامه لا يقتصر على انتمائه الحزبي بل يتعداه إلى وجود علاقة قوية بينه وبين أفراد الشعب بصفتهم كتلة واحدة في مواجهة "الأخر" الشرير الذي يسعى للنيل من هذه الوحدة. كما يؤكد في معرض خطاباته على شرعية حكمه مبرزاً أن الشعب الفينزويلي هو من قرر اختياره رئيساً فعلياً للبلاد. أما "الأخر" بالنسبة لمادورو فتمثله المعارضة التي تسعى إلى تفكيك العلاقة المنصهرة بين الرئيس والشعب وتمثله كذلك القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تخطط لزعزعة النظام والإطاحة بالثورة البوليفارية. أما غوايدو فيصفه مادورو بالانقلابي والكركوز الذي تحركه الإمبريالية الامريكية، وبناء عليه، يزعم انه يسعى للوحدة والدفاع عن التاريخ والوطن بينما يسعى معارضوه إلى الفتنة والتقسيم وخيانة الثورة والتاريخ

أما غوايدو، فيؤكد على شرعيته التي يستمدها من البرلمان الوطني ومن أنصاره الذين يساندونه لتخليص البلاد من قبضة مادورو. وبذلك فهو يعتبر نفسه الرئيس المناسب الذي يهدف لإصلاح البلاد والنهوض بها خصوصا مع وجود ثروات طبيعية مهمة ووجود رغبة حقيقية لتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد المحلي. وبالمقابل، يحمل نظام مادورو مسؤولية الأوضاع الكارثية التي آلت إليها البلاد ويعتبره نظاما قمعيا لا بد من زواله.

تمجيد الوطن

يؤكد الأكاديمي الهولندي تيون فان دايك أن هذه الإستراتيجية تنبني على مدح الوطن والتغني بتاريخه وتقاليده وأمجاده. وفي هذا الصدد، يؤكد مادورو على تشبته بمبادئ الثورة البوليفارية التي أطلقها الراحل هوغو تشافيز و يذكر بمواجهة بلده، إلى جانب باقي دول أمريكا اللاتينية، للإمبراطورية الاسبانية منذ سنوات خلت. فهو يحاول أن يلعب دور المنافح عن وحدة الوطن ليتماهى مع بطولات سابقة لها في نفوس الجماهير الأثر العميق

أما خوان غوايدو، فيتطرق للمشاكل الراهنة للشعب الفينزويلي ولا يتحدث عن الماضي مستغلا بذلك وجوده كرئيس شاب يتطلع للمستقبل و يحاول تغيير الواقع الذي يصفه بالمرير. يبرز غوايدو، إذن، من خلال خطاباته أن الوضع الاقتصادي الهش الذي صارت تعيشه فينزويلا دفع بالآلاف من المواطنين للهجرة باحثين عن فرص أفضل في دول أخرى، مما تسبب في أزمات اجتماعية فرقت العديد من الأسر. كما يتحدث الرئيس الجديد عن الوضع الصحي الذي يصفه بالكارثي خصوصاً في المناطق النائية حيث تكاد الخدمات الصحية تنعدم، ويتهم نظام مادورو بقطع الكهرباء وإحراق الأدوية والمساعدات الغذائية التي تأتي من الخارج

الظهور بصورة ايجابية

يقدم مادورو نفسه في صورة البطل المنقذ الذي يحرص على الحفاظ على ثوابت الأمة والذي لا يتوانى عن الدفاع عن البلد في مواجهة الامبريالية الأمريكية. كما يؤكد في معظم خطاباته على جاهزيته للحوار واستعداده لإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، لكن هدفه الأساسي يكمن في الإطاحة بغريمه غوايدو الذي يستمد شرعيته أساسا من البرلمان، ولتكتمل الصورة الايجابية يؤكد على انه رجل سلام ومستعد للحوار حتى مع الشيطان لكنه ليس بالمغفل والساذج في إشارة منه لما يحاك ضده في الكواليس للإطاحة به من قصر الميرافلوريس

و في المقابل، يحاول غوايدو أن يرسخ في أذهان مناصريه انه ينتمي للطبقة المسحوقة من الشعب وانه يدرك ما يعانونه من جوع واضطهاد بسبب نظام مادورو. وانطلاقا من ذلك، فهو واع بالمسؤولية الملقاة على عاتقه مؤكداً استعداده لتجاوز الصعاب والوصول بالبلاد إلى بر الأمان

الإجماع

يرى فان دايك أن الزعماء السياسيين يلجؤون لهذه التقنية حين يتعذر التواصل مع المعارضين أو تصل المفاوضات مع باقي الفرقاء السياسيين إلى نفق مسدود. وفي هذا الإطار دعا مادورو معارضيه وعلى رأسهم خوان غوايدو إلى إجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها كحل وسط متفق عليه من شانه أن ينهي الصراع ويحل الأزمة القائمة بين الطرفين. في حقيقة الأمر، هو إجراء يسعى من وراءه القضاء على معارضيه في الانتخابات و الحد من سلطتهم وإبراز قدرته على مواجهة خصومه بشكل سلمي وشفاف دونما اللجوء إلى القوة خصوصا وانه يحظى بدعم المؤسسة العسكرية. أما غوايدو فيدعوا بدوره إلى إجماع شعبي يضم كل أطياف المجتمع وينادي العسكر بضرورة احترام الدستور كما ينوه بالدعم الخارجي الذي تعبر عنه الكثير من الدول داعيا إلى استغلال ذلك للحصول على المزيد من الحشد في مواجهة نظام نيكولاس مادورو

التناص

تقوم هذه التقنية الخطابية على الاقتباس من نصوص سابقة أو خطابات لزعماء آخرين باعتبارها سلطة معنوية تحظى بالمصداقية ولها الأثر الكبير في نفوس الجماهير.

عندما نستمع لخطابات مادورو نجد انه غالبا ما يستشهد بخطابات معلمه ومثله الأعلى هوغو تشافيز باعتباره رائد الثورة البوليفارية، فهو يدعي على انه يحمل مشعل الثورة ليحافظ على وحدته وتضامنه مع الطبقات المسحوقة من الشعب في مواجهة الأوليغارشية البورجوازية والإمبريالية الأمريكية.

أما بخصوص غوايدو، فلا يستشهد بخطابات أخرى إلا لماما، بيد انه اقتبس في إحدى خطاباته مقولة للكاتب الغواتيمالي الحائز على جائزة نوبل للآداب ميغيل آنخيل أستورياس والتي يتغنى فيها بالزعيم سيمون بوليفار وبأمجاد أمريكا التحررية. يسعى غوايدو، إذن، للتماهي مع طبقة مثقفة تشيد بالتحرر وبشخصيات بطولية تحظى بإجماع كل شعوب أمريكا اللاتينية

أسلوب التعميم

اذا كان الخطاب السياسي يعتمد على إعطاء أمثلة محددة لإقناع المتلقي فانه يعتمد كذلك على أسلوب التعميم ليضع مفاهيم مختلفة ومتفاوتة في سلة واحدة.

سيراً على نهج تشافيز، يقوم مادورو بمهاجمة الولايات المتحدة متحدثا عن اعتداءات متكررة تطال الجانب الاقتصادي والمالي، لكنه لا يعطي أمثلة محددة، فغرضه في ذلك هو تحميل تدهور الأوضاع في فينزويلا لعدو محدد وترسيخ ذلك العداء في أذهان المواطنين، ليكون بذلك رائد الثورة والمناهض الأول للامبريالية الأمريكية. أما غوايدو فيحاول التركيز على المشاكل التي تعاني منها البلاد مبرزا استعداده لإعطاء بدائل من شانها النهوض بجميع القطاعات لكنه لم يعط مثالا معينا ولم يحدد خططا ملموسة. فاستعماله لأسلوب التعميم يرمي لإلقاء الضوء على كل المشاكل التي تتخبط فيها فينزويلا ليظهر بمظهر العارف بشؤون البلاد القادر على حل الأزمات والنهوض بالبلاد مستقبلا

التلميح بدل التصريح

عندما يدلي الزعماء السياسيون بتصريح فإنهم يحاولون قدر الإمكان تفادي الاتهامات المباشرة تجنبا للمحاسبة واحتراما للأعراف الدبلوماسية.

في هذا الإطار تندرج اتهامات غوايدو للنظام القائم بحرق المساعدات الخارجية من مواد غدائية وأدوية، لكنه يتفادى ذكر أسماء بعينها قد يعوزه الدليل في تورطها. كما يتفادى مادورو ذكر أسماء محددة مكتفيا باتهام البيت الأبيض بالوقوف وراء الأزمة التي تعصف بفينزويلا وبدعم غوايدو الذي يدعي انه يتلقى تعليمات مباشرة من النظام الأمريكي

لعب دور الضحية

يقوم كل من مادورو و غوايدو بلعب دور الضحية حتى يكسب كل منهما تعاطف الشعب ويبرز قساوة ووحشية غريمه

يتحدث غوايدو في خطاباته عن معاناة المهاجرين الذين يودعون عائلاتهم على مضض قصد البحث عن مكان أكثر أمانا في الدول المجاورة وما يصاحب ذلك من مخاطرة بالأرواح والأموال، كما يتطرق للاغتيالات التي يتعرض لها النقابيون والزعماء السياسيون المعارضون، بالإضافة إلى انعدام الوسائل الضرورية للحياة من ماء وكهرباء و توقف للخدمات الصحية مما ينعكس سلبا على حياة المواطنين. ليخلص في النهاية إلى معاناة الشعب جراء نظام قاس لا يستطيع حسب قوله توفير ابسط وسائل العيش للمواطنين.

أما مادورو فيلعب بدوره دور الضحية ويشرك الشعب في ذلك، فهو يزعم أن فينزويلا هي ضحية مؤامرات داخلية و خارجية نتيجة تواطؤ المعارضة الداخلية مع الولايات المتحدة التي تريد زعزعة استقرار البلاد وتسعى لتركيع النظام حتى تسيطر على خيرات البلاد حسب زعمه

الخطاب الطوباوي

يسعى كل زعيم إلى إعطاء صورة مثالية للجماهير حتى يرسخ في أذهانهم صورة ايجابية تضمن استمراره في منصبه وتضمن إعادة انتخابه لاحقاً.

يسعى مادورو إلى الاستمرار في منصبه مؤكداً تشبته بمبادئ الثورة البوليفارية سيراً على نهج سلفه تشافيز، ويؤكد في خطاباته على ضرورة الحفاظ على اللحمة التي تجمعه بالشعب الفينزويلي في مواجهة المحاولة الانقلابية للمعارضة. ويعتبر مادورو نفسه رئيساً شرعياً منبثقاً من صناديق الاقتراع يواجه الأوليغارشية البورجوازية لكونه واحداً من أفراد الشعب يتعلم منهم ويدافع عنهم. وبخصوص غوايدو فهو ينصب نفسه المنقذ المخلص من براثين الفساد ويعتبر نفسه ممثلا شرعياً للجماهير وواحداً من أفراد الشعب الذين لا يسعون إلا لمحاربة الفساد والنهوض بالبلاد

المرجعية الدينية

باستثناء الدول الشيوعية، فمعظم دول أمريكا اللاتينية تولي مكانة خاصة للدين باعتباره مكوناً أساسيا للهوية المحلية بالرغم من توجه الدول الحديثة إلى خلق أنظمة علمانية تهتم بالمنافسة الحرة والليبرالية المنفتحة على الأسواق العالمية.

غير أن الزعماء السياسيين يدركون أهمية الدين في حياة الساكنة باعتباره رافداً من روافد الهوية الثقافية لأمريكا اللاتينية، لأنها تضم اكبر تجمع كاثوليكي في العالم بنسبة 69%، وبذلك يعد حضور المرجعية الدينية في الخطابات السياسية مكوناً أساسيا لاستمالة الجماهير والتأثير عليها

يعتبر الدين مرجعاً أساسيا في خطابات مادورو، فهو يحاكي خطابات سلفه تشافيز الذي كان بدوره يؤكد ارتباطه بالدين المسيحي لإضفاء الشرعية والمصداقية على رسائله الموجهة للشعب الفينزويلي.

يعزز مادورو خطاباته بمصطلحات مستقاة من الحقل الدلالي المرتبط بالدين، فهو يحاول أن يرسخ في أذهان الفينزويليين انه مشمول بحماية ربانية خصوصا بعد نجاته من محاولة اغتيال بطائرة صغيرة مفخخة بدون طيار.

وهذه التقنية كذلك ليست جديدة، فتشافيز أيضا كان يضع نفسه في مرتبة القديسين، بل كان في أحايين كثيرة يتماهى مع المسيح "حسب رواية الديانة المسيحية "، باعتباره رائداً للثورة البوليفارية ومنقذا للشعب الفينزويلي من الامبريالية الأمريكية.

ولان غوايدو يعي بدوره دور المرجعية الدينية في استمالة الجماهير، فهو كذلك يسخرها في خطاباته ويزعم مباركة الله لمساعيه، بل قام في إحدى تجمعاته الخطابية بأداء قسم جماعي رفقة مناصريه ليجدد العهد معهم وليضفي المزيد من المصداقية على خطاباته

مازالت المعارك الخطابية تعد بكثير من التشويق والإثارة بحثا عن استمالة المزيد من الدعم الداخلي والخارجي. لكن الوضع الاقتصادي لا يزداد إلا سوءاً، ليقرر الرئيس مادورو فتح الحدود مجدداً مع الجارة كولومبيا حتى يتسنى للمواطنين العبور، وبذلك يصل عدد المهاجرين الفينزويليين إلى أكثر من 4 ملايين نسمة.

يبدو كذلك أن الوساطة التي أشرفت عليها النرويج بين أطراف النزاع لم تؤت أكلها في ظل تشبت كل طرف بموقفه، والى حين وجود حل يرضي جميع الفرقاء يبقى المواطن الفينزويلي هو الخاسر الأكبر في هذا النزاع المعقد خصوصاً وان الكلمة الفيصل تمتلكها السلطة العسكرية التي مازالت تصطف إلى جانب الرئيس مادورو ولم تتراجع عن ولائها له

http://marocpost.net/ennews39679.html

قراءة 740 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)