عسكرة أميركا اللاتينية

الأربعاء, 03 كانون1/ديسمبر 2014 08:44
تأسست الولايات المتّحدة كـ"إمبراطوريّة رضيعة"، على حد تعبير جورج واشنطن. وشكّل فتح أرض البلاد مشروعاً إمبريالياً عظيماً. ومنذ أن نشأت هذه الدولة، شكّلت السيطرة على القسم الشمالي من الكرة الأرضية أحد أهدافها الحاسمة.

لقد بقيت أميركا اللاتينية في طليعة أولويّات التخطيط العالمي لدى الولايات المتّحدة. فإن لم تتمكّن الولايات المتّحدة من السيطرة على أميركا اللاتينيّة، لن يمكنها أن "تنجح في فرض نظام عمليّ ناجح على أرجاء أخرى من العالم"، وفقاً لما لاحظه مجلس الأمن القومي في ظل الرئيس ريتشارد م. نيكسون في العام 1971، عندما كانت واشنطن تدرس إمكانيّة إطاحة حكومة سلفادور أليدني في تشيلي.
وتفاقم الوضع مؤخراً في القسم الشمالي من الكرة الأرضية. وتحوّل اهتمام أميركا الجنوبيّة إلى التكامل، وهو أمر مطلوب كشرط مسبق لتحقيق الاستقلال، ووسّعت نطاق روابطها الدوليّة وعالجت مسألة الاضطرابات الداخلية – وخصوصاً، الحكم التقليدي الذي تفرضه الأقلية المتّسمة بطابع أوروبي على بحر من البؤس والمعاناة.
وبلغت المشكلة ذروةً خلال السنة الماضية في بوليفيا، التي تعتبر أفقر دولة في أميركا الجنوبية، عندما أقدمت الأكثرية من سكان البلاد الأصليين على انتخاب رئيس من صفوفها، هو إيفو موراليس، في العام 2005.
وفي أغسطس 2008، وبعد أن فاز موراليس في استفتاء شعبي ثانٍ، لجأت نخب المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة إلى العنف، ما أدّى إلى مقتل عدد كبير من مؤيدي الحكومة، وقد وصل عددهم إلى ثلاثين.
ردّاً على ذلك، دعا "اتحاد أمم أميركا الجنوبية" الحديث النشأة لعقد قمّة. وأعلنت الأطراف المشاركة – أي دول أميركا الجنوبية كافة – عن "دعمها الكامل والشامل للحكومة الدستورية التابعة للرئيس موراليس، بعد أن صادقت الغالبية الكبرى على ولايته".
وأشار موراليس قائلاً: "للمرة الأولى في تاريخ أميركا الجنوبية، تقرر دول منطقتنا الطريقة التي سنحل بها مشاكلنا، من دون حضور الولايات المتحدة".
وتم تسجيل ظاهرة أخرى: لقد تعهد رئيس الإكوادور رافايل كوريا بوضع حدّ لاستعمال قاعدة "مانتا" العسكرية، وهي آخر قاعدة من هذا النوع في متناول الولايات المتحدة داخل أميركا الجنوبية.
وفي يوليو الماضي، عقدت الولايات المتحدة وكولومبيا اتفاقاً سرياً يخوّل الولايات المتحدة استعمال سبع قواعد عسكرية في كولومبيا.
وتقوم الغاية الرسميّة من ذلك على مكافحة تهريب المخدرات والإرهاب، "إلا أن المسؤولين الكولومبيين الكبار القادمين من الأوساط العسكرية والمدنية والمطلعين على المفاوضات" أطلعوا وكالة "أسوشيتد برس" بأن "الفكرة تقوم على جعل كولومبيا مركز نشاط إقليمياً لعمليات البنتاغون".
ويمنح الاتفاق كولومبيا حقاً مميزاً باستعمال الإمدادات العسكرية الأميركية، وفقاً للتقارير. وسبق لكولومبيا أن تحوّلت إلى أهم طرف يحصل على مساعدات عسكرية أميركية .
ويعتبر سجل حقوق الإنسان في كولومبيا الأسوأ على الإطلاق في القسم الشمالي من الكرة الأرضية، وذلك منذ اندلاع الحروب في أميركا الوسطى في الثمانينات. ولطالما أشار العلماء إلى الصلة القائمة بين المساعدات العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان.
هذا وقد أوردت "أسوشيتد برس" ذكر مستند عن "قيادة الحركة الجوية الأميركية"، يقترح إمكانيّة تحوّل قاعدة "بالانكويرو" في كولومبيا إلى "موقع أمني تعاوني".
وكشف المستند أنه انطلاقاً من قاعدة "بالانكويرو"، "يمكن تغطية نصف القارة تقريباً باستعمال وسائل نقل عسكرية من طراز سي-17 بدون إعادة تزويد بالوقود". وقد يشكل ذلك جزءاً من "استراتيجية مرور عالمية" تساعد على "تطبيق استراتيجية التزام إقليمية والمساعدة للوصول إلى أفريقيا".
وعندما ، عقد "اتحاد أمم أميركا الجنوبية" اجتماعاً في باريلوش الأرجنتينية لدراسة مسألة القواعد العسكرية الأميركية في كولومبيا.
وبعد نقاش حاد، صدر إعلان نهائي شدد على ضرورة إبقاء أميركا الجنوبية كـ"أرض سلام" وعلى ضرورة عدم إقدام القوات العسكرية الأجنبية على تهديد سيادة ووحدة أي دولة في المنطقة. كما وطلب الاتحاد من "مجلس الدفاع الأميركي الجنوبي" التحقيق في مستند "قيادة الحركة الجوية الأميركية".
وقال موراليس إنه شاهد جنوداً أميركيين يرافقون الجيش البوليفي الذي أطلق النار على اتحاد زارعي الكوكا التابعين له.
وتابع كلامه قائلاً: "تحوّلنا إذن إلى تجار مخدرات إرهابيين. عندما بات من المستحيل أن يستمروا في تسميتنا بالشيوعيين ، اعتبرونا مخربين، ثم تجار مخدرات، ومنذ هجمات 11 سبتمر أصبحنا في عداد الإرهابيين". وحذر قائلاً "إن تاريخ أميركا الجنوبية يعيد ذاته".
يرى موراليس أن اللوم المتصل بأعمال العنف في أميركا اللاتينية يلقى على الأميركيين الذين يستهلكون المخدرات بصورة غير شرعية. "إن أرسل "اتحاد أمم أميركا الجنوبية" جيوشاً إلى الولايات المتحدة بهدف التحكم بالاستهلاك، فهل سيقبلون بذلك؟ مستحيل".
وتجدر الإشارة إلى أن المفهوم القائل إن تبرير الولايات المتحدة لبرامج المخدرات في الخارج موضوع يستحق النقاش يعتبر بدوره انعكاساً للعقلية الإمبريالية.
وأصدرت "اللجنة الأميركية اللاتينية حول المخدرات والديموقراطية" تحليلها عن "الحرب على المخدرات" التي شنتها الولايات المتحدة في العقود الماضية.
واستنتجت اللجنة التي يزعمها الرؤساء الأميركيون اللاتينيون السابقون فيرناندو كاردوزو البرازيل وإيرنستو زيديلو المكسيك وسيزار غافيارا كولومبيا أن "الحرب على المخدرات" شكلت فشلاً ذريعاً وكاملاً وحثت على إجراء تغيير جذري في السياسة، لتكون بعيدة عن الإجراءات المفروضة بالقوة في البلاد والخارج وتكون موجهة إلى إجراءات أقل كلفة وأكثر فعالية – تقوم على الوقاية والعلاج.
ولم يكن لتقرير اللجنة، شأنه شأن الدراسات والسجلات التارخية السابقة، أي وقع يذكر. ويشدد عدم الاستجابة على أهميّة الاستنتاج الطبيعي الذي يفيد بأن "الحرب على المخدرات"، شأنها شأن "الحرب على الجرائم" و"الحرب على الإرهاب"- شنت لأسباب تختلف عن الأهداف المعلنة، ويتم الإفصاح عنها عند ظهور العقبات.
خلال العقد الماضي، رفعت الولايات المتحدة حجم المساعدات والتدريبات العسكرية التي تقدمها لضباط أميركا الشمالية في مجال تكتيك كتائب المشاة الخفيفة، وذلك بهدف محاربة "الشعبوية المتطرفة" – وهو مبدأ تقشعر له الأبدان في الأوساط الأميركية اللاتينية.
ويتم العمل على تحويل مسألة التدريب العسكري من وزارة الخارجية الأميركية إلى البنتاغون، ما أدى إلى إلغاء البنود المتصلة بحقوق الإنسان وبالديموقراطية التي كانت في السابق تحت إشراف الكونغرس، واتسمت دائماً بالضعف، ولكنها شكلت على الأقل عنصراً محبطاً لبعض الانتهاكات الأسوأ على الإطلاق.
وتجدر الإشارة إلى أن الأسطول الأميركي الرابع الذي انحل في العام 1950 أعيد إلى مهامه في العام 2008، بُعَيد إقدام كولومبيا على اجتياح الإكوادور، وتولّى مسؤولية المنطقة الكاريبية وأميركا الوسطى والجنوبية والمياه المحيطة.
وورد في البيان الرسمي: "إن عملياته المختلفة تشمل مكافحة التهريب غير الشرعي والتعاون في مجال الأمن الميداني والتفاعل بين الأوساط العسكرية والتدريب الثنائي الأطراف والمتعدد الجنسيات".
يتماشى إضفاء طابع عسكري على أميركا اللاتينية مع تصاميم أوسع نطاقاً بكثير.
وتطالب الولايات المتحدة والمملكة البريطانية بأن تعفى القاعدة العسكرية الأميركية في "دييغو غارسيا" من مشروع "المنطقة الأفريقية الخالية من الأسلحة النووية" التي يتم التخطيط لإنشائها – حيث أن القواعد الأميركية لا تتقيد بأي حدود ضمن جهود ممثالة في مجال التقسيم إلى مناطق تبذلها في منطقة المحيط الهادي.
باختصار إذن، لا تتماشى الخطوات باتجاه "عالم من السلام" مع "التغيير الذي يمكن أن نؤمن به"، إن كنا لنقتبس عنوان حملة أوباما الانتخابية.

03/12/2014
http://www.alwatannewspaper.ae/articles.php?n_id=1261#sthash.QtA7SVl4.dpuf

قراءة 1714 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)