مكتسبات شهر من المظاهرات بتشيلي هل تقنع المحتجين؟

الخميس, 21 تشرين2/نوفمبر 2019 15:38

20/11/2019
مر شهر على اندلاع الاحتجاجات الأكبر والأعنف في تاريخ تشيلي، وما زال التشيليون ينزلون يوميا إلى ساحة الاعتصام الرئيسية وسط سانتياغو، والتي أطلقوا عليها اسم "ساحة الكرامة".

 

قبضة أمنية شديدة ومواجهة عنيفة للمحتجين الغاضبين بعد قرار رفع تسعيرة تذكرة المترو 30 سنتا تشيليا واجه بها الرئيس سيباستيان بينيرا بداية الاحتجاجات، ليلجأ بعدها لإعلان حالة الطوارئ وإنزال الجيش إلى شوارع العاصمة.

 

خطوات زادت غضب التشيليين ودفعتهم للنزول بمسيرات مليونية متحدين حظر التجول وإجراءات السلطة، الأمر الذي اضطر الرئيس إلى التراجع عن خطواته وتقديم الاعتذار للشعب، بل وتعديل الحكومة كاملة والوعد بالإصلاح وتحسين مستوى المعيشة، وهو ما رد عليه المحتجون بمزيد من التظاهر والاحتجاج في العاصمة ومختلف المدن.

 

وبعد سقوط نحو 20 قتيلا وإصابة ما يفوق الألف جريح استطاع حراك التشيليين المستمر أن يدفع القوى السياسية المختلفة في البلاد للاتفاق في منتصف الشهر الجاري على الدعوة لاستفتاء على تعديل الدستور في أبريل/نيسان المقبل.

 

هذا الاتفاق التاريخي -بحسب وصف المراقبين- وإن كان من أبرز مطالب المتظاهرين إلا أنه لم يثنهم عن الاستمرار في الاحتجاج، مشككين في حقيقة نية النخبة تخليها عن مكتسباتها، ورافعين مطالب اجتماعية وسياسية أخرى.

 


طي حقبة
عودة آليات الجيش وجنوده إلى الشوارع ولو لأيام معدودة أحيت ذكريات أليمة في أذهان التشيليين تعود إلى فترة الحكم الدكتاتوري للجنرال أغوستو بينوشيه الذي حكم البلاد 17 عاما بقبضة أمنية حديدية وصفت بأنها كانت من أقسى فترات الحكم الدكتاتورية في تاريخ القارة اللاتينية.

 

وجاء حكم بينوشيه بعد انقلاب على الرئيس المنتخب آنذاك سلفادور الليندي الذي كانت تعتبره الولايات المتحدة خطرا على مشروعها في القارة، فدعمت بينوشيه في حكمه الذي عرف بالقمع وتكميم الأفواه وإلغاء كل الأصوات المخالفة لحكمه والمعترضة على انقلابه.

 

وعلى الرغم من استطاعة الشعب إعادة الديمقراطية إلى البلاد وإنهاء حكم بينوشيه عام 1990 فإن أبرز بقايا عهده المتمثل في دستور عام 1980 الذي وضع عبر لجنة اختارها نظامه دون انتخاب استمر في التحكم في حياة التشيليين الذين يعتبرونه المصدر الأساس لعدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية في البلاد.

 

وخلال مظاهراتهم طالب التشيليون باستبدال هذا الدستور، وبعد أكثر من 20 يوما على احتجاجاتهم توصلت القوى السياسية الأساسية من أحزاب السلطة والمعارضة إلى اتفاق على إقامة استفتاء شعبي على تعديل الدستور، وطبيعة اللجنة المخصصة لتعديله في الرابع من أبريل/نيسان المقبل.

 

وينص الاتفاق على دعوة الشعب إلى استفتاء إجباري يشتمل على سؤالين، الأول عن موقفهم من تعديل الدستور وتكون إجابتهم بموافق أم لا، أما الثاني فعن اللجنة التي يجب اختيارها لصياغة الدستور، ولهذا السؤال ثلاثة خيارات، إما أن تكون لجنة من البرلمانيين المنتخبين حاليا، أو لجنة مختلطة بين برلمانيين وممثلين جدد من الشعب يتم اختيارهم خصيصا لصياغة الدستور، أو أن تكون لجنة جديدة كليا تتألف من ممثلين يتم انتخابهم حديثا فقط لتكوين هيئة صيغة الدستور التشيلي.
هذا الاتفاق وإن كان قد اعتبر إنجازا كبيرا للتشيليين يطوي صفحة 30 عاما من الحياة تحت وطأة "دستور العسكر" إلا أنه قوبل بتشكيك وتخوف شعبي نتيجة لأزمة ثقة بين الشارع والسياسيين أولا، ونظرا لعدم وضوح طريقة انتخاب هؤلاء المرشحين.

 

الجزيرة نت استطلعت آراء الشارع التشيلي بشأن الموضوع، وفي هذا الإطار يقول كريستوبال إن "تعديل الدستور هو أحد مطالبنا ونريده أن يتحقق بلا شك، لكن ما يدور الحديث عنه هو انتخاب الممثلين عن الشعب لهيئة كتابة الدستور بذات قانون الانتخاب القائم على لوائح الأحزاب، وهو ما سيمنعنا من اختيار ممثلين مستقلين بعيدين عن الأحزاب التي مللنا منها".

 

بينما يعتبر جوناث أن "الدستور المقبل يجب أن يضمن حقوقنا الاجتماعية ويلغي كل ما يتعلق بعدم المساواة، هذا ما يهمني قبل كل شيء، لقد أصبحت تشيلي في أسوأ حال بسبب هذه المبادئ الطبقية، نريد أن نتخلص من كل إرث بينوشيه".

 


سيناريوهات الحل
في الوقت الذي لم تفلح فيه كافة تنازلات السلطة بوقف استمرار الاحتجاجات وإقناع الشعب بالخروج من الساحات باتت التساؤلات مفتوحة بشأن مستقبل البلاد وكيفية الخروج من الأزمة.

 

وبشأن هذا الموضوع تطرح أستاذة العلوم السياسية والمتخصصة في الشأن التشيلي لوسيا دي مارت للجزيرة نت سيناريوهات محتملة للأزمة الراهنة تلخصها في أن "يستمر العنف والعنف المضاد في الشارع بين المحتجين وقوات الأمن، وهو أمر مرشح لكنه ليس الاحتمال الأقوى نظر للإرهاق الذي بدأ يشعر به كلا الطرفين، إلى جانب إرهاق الدولة والمجتمع ككل مما يجري".

 

أما السيناريو الثاني فهو -برأي دي مارت- أن تذهب السلطة لمزيد من العنف والضغط لترهيب المتظاهرين من النزول والعودة إلى الشوارع وإشعارهم أن احتجاجهم بات مكلفا لهم، وهو أمر وإن كانت قد بدأت الشرطة بتنفيذه لكنه أثبت أنه يزيد غضب المحتجين ولا يخفف التوتر، ولا يعتبر حلا".

 

وتضيف دي مارت أن "السيناريو الأكثر ترجيحا بالنسبة لي أن يتحول الجدل في الشارع من التظاهر فقط إلى الحوار السياسي والتفكير في سبل الاستفادة من فرصة كتابة دستور جديد للبلاد لتغيير الواقع بشكل كامل، وبناء الدولة على قيم يريد الشعب الوصول إليها".

 

 

مطالب اجتماعية
تعديل الدستور كان أحد أهم مطالب التشيليين منذ اتساع الاحتجاجات، إلا أن مطالب أخرى ما زال الشعب يسعى لتحقيقها تتمثل في العدالة الاجتماعية، وتوفير الدواء بأسعار مناسبة، وتعزيز النظام الصحي الحكومي، ورفع مستوى التعليم ودعمه، إضافة إلى تحسين الأجور وتخفيض تكلفة المعيشة، خاصة في سانتياغو.

 

وتقول دي مارت إن "هذه المطالب وإن كانت محقة إلا أنها لن تتحقق بسرعة لأنها نتاج سنوات من الحكم السابق، إلى جانب وجود أزمة اقتصادية عالمية تتأثر بها تشيلي بقوة، ولتحقيقها يتطلب البدء بإجراءات حكومية اقتصادية سليمة تؤسس لمسار اقتصادي سليم يخفف العبء عن الناس ويمنحهم حياة كريمة كما يريدون".

 

 

المصدر : الجزيرة
https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/11/20/%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%B1%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

قراءة 810 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)