أمريكا اللاتينية أفقا للتفكير

الجمعة, 11 أيار 2018 10:27

عرفت أكاديمية المملكة المغربية ما بين 24 و 26 من شهر أبريل 2018، انعقاد دورتها الخامس والأربعين، تحت عنوان "أمريكا اللاتينية أفقا للتفكير"، أو آفاقا للتفكير كما ارتأى البعض تسميتها. وذلك بمشاركة العديد من الأساتدة والمثقفين والباحثين من بلدان أمريكا الجنوبية وأوربا وإفريقيا والمغرب.
وقد انصب جدول أعمال الدورة حول التعريف بالمميزات والخصائص التي تتميز بها بلدان امريكا اللاتينية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، وكذا الأكاديمي والاجتماعي، مبرزا أهم اوجه التشابه بين بلدان القارة الأمريكية في جزئها الجنوبي والمغرب.
وقد أبرزت عروض المتدخلين الذين ناهزوا الأربعين، على امتداد الثلاثة أيام، أن بلدان أمريكا اللاتينية على الرغم من بعدها الجغرافي عن المغرب، إلا أنها تربطها ببلدنا العديد من الروابط سواء التاريخية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
وكما جاء في العديد من المداخلات، فإن الجيل الأول من المهاجرين العرب الذين هاجروا نحو أمريكا اللاتينية، خصوصا من لبنان وسوريا ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، والذي جاوز عددهم 17 مليون مهاجر، اشتغلوا في التجارة والأدب والشعر، حيث كانوا يدافعون عن القومية العربية، وقد اشتدت شوكة المهاجرين العرب في تلك الفترة، وأنتجوا العديد من المجلات والجرائد، على غرار "جمعية العصبة الأندلسية" و"لبنان الجديدة في أمريكا اللاتينية" وغيرها من الجرائد.
كما عرف الجيل الأول من المهاجرين العرب العديد من الشعراء كإليا أبو ماضي، الذين أصدروا العديد من الدواوين ذات الخاصية القومية. يذكر أن الشعراء العرب بأمريكا اللاتينية كانوا يتغنون بالقومية العربية والدعوة إلى قيم الحداثة والكرامة والحرية ومناهضة أشكال العبودية، التي كانت يعرفها العالم أنذاك، خصوصا الدول المستعمرة الغربية من إسبانيا والبرتغال.
وبفضل هذا الجيل الأول من المهاجرين العرب بأمريكا اللاتينية، ستعرف هذه الأخيرة جيلا ثانيا من المهاجرين خلال سبعينيات القرن الماضي سيندمج بشكل كبير في أمريكا اللاتينية، وسيتقلد مناصبا مهمة في البلدان الجنوب أمريكية سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو المجال الأكاديمي، يكفي أن نذكر أن العديد من الحكومات في بلدان أمريكا اللاتينية ينتمي لها زعماء من أصل عربي.
عرفت العشر سنوات الأخيرة ظهور عدد كبير من الزعماء من أصل عربي في أمريكا اللاتينية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، عبد اللا بوكرام وأنطونيو ساكا وجميل ماخواد في الاكوادور، وخاكوبو ماخلوطا بجمهورية الدومينيك، وكارلوس منعم بالارجنتين، وسعيد موسي ببلبسي وإدوارد سيكا بالجماييك وخوليو سيزار تورباي بكولومبيا، وكارلوس فلوريس بالهندوراس، بالإضافة إلى الرئيس الحالي للبرازيل، اللبناني الأصل ميشيل تامر.
وفي نفس السياق، أشار محمد كنبيب، أستاذ فخري بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مداخلته إلى أن الهجرة التي قام بها العديد من اليهود المغاربة، خصوصا من تطوان وطنجة، نحو البرازيل، خلال نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، تلك الهجرة التي كان سببها الأول الحرب التي تعرض لها المغرب من طرف إسبانيا سنة 1859-1860، بالاضافة إلى الجفاف الذي عرفه البلد في تلك الحقبة، مما أدى باليهود المغاربة من جهة الشمال إلى السفر نحو البرازيل طمعا في حياة أفضل، حيث كانوا يتعاطون التجارة في مدينة ريو وكذا العديد من الاعمال الشاقة في حوض الأمازون.
كما ذكر الخبراء الذين ألقوا عروضهم، خلال الايام الثلاثة للندوة، أن البلدان التي تنتمي لوسط أمريكا اللاتينية عرفت نظاما دكتاتوريا عمر للعديد من السنوات، مما دفع بعدد من السكان من الهندوراس وغواتيمالا والسلفادور بالهجرة غير القانونية نحو الولايات المتحدة الأمريكية طمعا في مستوى معيشي أفضل.
وجذير بالذكر أن البلدان الثلاثة المذكورة تعاني من العديد من المشاكل الاجتماعية، مقرونة بالحرب الأهلية بالسالفادور على الخصوص، وكذا تفاقم عدم الأمن والاتجار بالمخدرات، إضافة إلى ظاهرة الاتجار بالبشر التي تعرف تفاقما مطردا. وقد ذكر روديس جيلمار فلوريس فيرناندبس، أستاذ علم النفس بجامعة السالفادور، ان حوالي 90 طفلا يعبرون السواحل بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، وعدد كبير منهم يلقون حتفهم في محاولة الوصول إلى بلاد العم سام.
هذا الحال راجع بالأساس إلى الفساد السياسي الذي عرفته بعض البلدان، حيث استفحل فساد الطبقة الحاكمة، ودفع السكان للهجرة نحو البلدان المجاورة، حيث يعتبرون أن العيش قد يكون أفضل.
وذكر لويس كونزاليس بوسادا، وهو وزير العدل الأسبق بالبيرو، و سفير لدى منظمة الدول الأمريكية، أن العديد من الزعماء في أمريكا اللاتينية يقومون بتغيير القوانين داخل دساتير البلدان، لتسمح لهم بالاستمرار في الحكم لأكبر مدة ممكنة، مبرزا على الخصوص حالة فنزويلا، حيث قام الزعيم الأسبق هوغو تشافيز بتغيير الفصل الخاص بالترشح لولاية جديدة، ليسمح لفريقه السياسي بالحكم لمدة تناهز الآن 20 سنة.
وقد اعتبر لويس كونزاليس بوسادا خلال مداخلته أن هذا النوع من السياسة التي تسمح لبعض الرؤساء بالبقاء في الحكم لعقود، هي نوع من الانقلاب على نظام الحكم في البلاد، مضيفا أنه "يتم تنصيبهم على أساس ولاية واحدة لا غير، لكن بمجرد التنصيب يقومون باستصدار قوانين دستورية تسمح لهم بالترشيح لولاية ثانية فثالثة وهكذا إلى أن يعمر في منصب الرئاسة لعقود.
وقد عبر المتدخلون اللاتينيون عن إعجابهم الكبير بالمغرب ومدى التقدم الملموس الذي يعرفه بلدنا فهوتقدم فاق العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، على الرغم من أنه حديث العهد بالاستقلال مقارنة ببلدان القارة الأمريكية. وفي هذا الصدد، أشار ميغيل أنخيل ماكاي، الذي يشغل منصب رئيس المركز البيروفي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أن بلدان أمريكا اللاتينية والبلدان الإفريقية يلزمها العمل على ربط العلاقات فيما بينها على مستوى كل المجالات، في إطار التعاون جنوب جنوب كونهما قارتين ناشئتين ولهما العديد من أوجه التشابه، أبرزها الانتماء للشق الجنوبي من الكرة الأرضية.
وفي نفس السياق، نشير إلى المداخلة التي ألقاها خوان خوسي فاغني، وهو أستاذ للعلاقات الدولية بجامعة كوردوبا بالأرجنتين، والتي ثمن فيها العلاقات الثنائية بين المغرب والأرجنتين، لقيامهما ببناء جسر للتواصل يخدم مصلحة الطرفين في إطار التعاون في جميع المجالات، كما أبرز كذلك أن المفاوضات بين الطرفين بخصوص اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المغربية وتجمع الميركوسور ستدفع المغرب ليصبح جسرا للتواصل بين بلدان الميركوسور والقارة الإفريقية.

عندالناعيم سعيد
طالب باحث، في طور إعداد دكتوراه حول العلاقات المغربية اللاتينية

 

قراءة 755 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)