المغرب و بنما: توقُع تطوير العلاقات الثنائية الديبلوماسية و السياسية و الاقتصادية و التجارية

الجمعة, 09 أيار 2014 08:08

فالرئاسة الجديدة لبنما، الناتجة عن ائتلاف بين حزب الرئاسة "حزب بنما" وحزب الشعب"، القوة الحزبية الثانية بالبلاد، ذات الانتماء لكتلة (اليمين-الوسط)، يُتوقع انتهاجها لسياسة خارجية واقعية وبلورتها لمواقفها من النزاعات الدولية ببراغماتية واعتمادها لسياسة الالتزام بالحيادية والتقيد بدعم الشرعية الدولية.
فباعتبار حزب الرئاسة الجديدة "حزب الشعب"، حِزبا قوميا، فإن حظوظ تراجعه عن موقف بنما المُحايد من نزاع الصحراء تُعتبر ضئيلة، نظرا إلى أن الأحزاب القومية، تقليديا، أحزابا وحدوية، وتقف مبدئيا مع وحدة الدول الترابية، و تدعم حلحلة الخلافات بالتسويات السلمية و الأممية و مراعاة للتشريعات الدولية. فانطلاقا من أدبيات "حزب بنما" و مرجعية السياسية اليمينية و مقرراته المبدئية و فلسفته المعاصرة، يُتوقع من الرئاسة الجديدة، المُنتظر توليها لمهامها الرئاسية الجديدة يومه الفاتح من يونيو المنظور للخمس سنوات المقبلة، الاستمرار بعدم اعترافها بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية" و تنظيم "جبهة البوليساريو" المُسلح.
فبعدما اعترفت بنما بهذه الكيانات سنة 1979، إبَّان سيادة الديكتاتورية العسكرية، اليسارية الراديكالية، و بالمناسبة و المفارقة بذات الوقت، سنة إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب و بناما، فإنَّ قرارها ذلك لم يكن قناعة بأحقية و شرعية تلك الكيانات، و إنَّما نزولا عند إملاءات أجنبية، لخدمة أجندة طرف على حساب الآخر، و بسبب رواج آنذاك لمُوضة الحركات الثورية و التحررية، ما يُفيد جليا بأن قرار الاعتراف بتلك الكيانات كان قرارا عاطفيا بامتياز، تعاطفا معها، و لم يكن البتة قرارا سياسيا، تضامنا مع أحقيتها وشرعيتها؛ ما جعلها اليوم، تقوم بتعليق اعترافها بذات الكيانات، ما دامت غير متوفرة بتاتا و كلية على الشروط الدنيا للاعتراف بها.
أمَّا الحجة المقنعة على استبعاد امكانية الاعتراف بذات الكيانات من جديد، فيجد مداه في تضارب الأطراف المعترفة بها، البارحة، و الأطراف الحاكمة، اليوم. فالأحزاب الحاكمة اليوم ببنما، "حزب بنما" و "حزب الشعب"، المشكلة للائتلاف، الماسك بزمام رئاسة الجمهورية، لها تقاطعات كبيرة مع الديكتاتورية العسكرية، اليسارية الراديكالية، المعترفة آنذاك، بكيانات "الجمهورية العربية" غير المعترف بها من طرف هيئة الأمم المتحدة، وتنظيم "جبهة البوليساريو" المُسلح، سيَّما و أنَّها (الديكتاتورية العسكرية) قامت سنة 1969 بالإطاحة مُؤسِّس حزب الرئاسة الجديدة "حزب بنما"، أرنو لفو أريز مدريد، المنتخب ديموقراطيا لرئاسة جمهورية بنما.
ففيما يهم الاعتبارات البراغماتية، فالأخيرة تندرج في إطار الاختلالات الأخيرة التي شابت موازين القوة المتورطة بالنزاع. فإقليميا هناك سقوط العقيد معمر القذافي حاكم ليبيا سابقا، باعتباره أكبر داعم للنزعة الانفصالية بجنوب المغرب. أمَّا دوليا، فهناك تزايد سحب الاعترافات بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية" و "جبهة البوليساريو" الانفصالية و المسلحة، الناتج عن قوة مبادرة الحكم الذاتي الموسع المغربية، المقدمة سنة 2007 كتسوية وسطية و واقعية لنزاع الصحراء، سيَّما و أنَّها لقيت التقدير من العواصم الدولية و حظيت بإشادة مجلس الأمن الذي وصفها بالجادة و ذات المصداقية، باعتبارها منسجمة مع الشرعية الدولية و ميثاق الأمم المتحدة و قرارات مجلس الأمن و مبدأ حق تقرير المصير.
أمَّا الاعتبارات المبدئية، فتندرج في إطار التزام جمهورية بنما بتعهداتها الدولية و كذا تطلعها إلى لعبها لدورها كاملا كقوة اقليمية فاعلة بالأسرة الدولية تجتهد بتبنيها لمواقف حيادية و ايجابية و هادفة، بهدف استتباب السلم و تسوية النزاعات بالممارسات السلمية و الأعراف الحضارية، و ذلك بالاستناد إلى التشريعات القانونية و استحضار الشرعية الدولية، تطابقا مع القواعد الدولية المتعارف عليها دوليا و التزاما بالمقررات الأممية و عدم التأثير على مجريات التسوية الأممية القائمة و مراعاة التقيد بالحياد و عدم الانحياز، بهدف عدم خدمة أية أجندة طرف على حساب الآخر، و إنَّما خدمة السلم بالعالم، كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
فبالعودة إلى بيان صادر عن وزارة خارجية جمهورية بنما، نجد بأن الأخيرة (بنما)، تُقدر بأن "جبهة البوليساريو" ليست لها مقومات إنشاء دولة مستقلة، ما يفيد بأنها تفتقر للأرض و الاستقلال و الساكنة و الحكومة، و عليه، فإنه بقراءة سياسية لموقف بنما، فالأخير التزم بالحيادية، و أقرَّ، ضمنيا، بشرعية المغرب و عدالة قضيته. و دائما وفق ذات البيان فإن جمهورية بنما، ستستمر بقرار تعليقها لعلاقاتها مع "جبهة البوليساريو" إلى أن يتم الانتهاء من التسوية الأممية للنزاع؛ و بناء على هذا التقدير فإن امكانية تراجع بنما غير واردة، و إذا ما وقع تراجع ما، فإن تكلفته السياسية ستكون جد غالية بالنسبة إليها، بحيث ستعتبر أخلاقيا، فاقدة للمصداقية.
إلا أنه قد تُقدر بعض القراءات، المتابعة و المهتمة بمسار وتطورات قضية الصحراء عموما، بأمريكا اللاتينية تحديدا، بأن مسألة التعليق ليست بمثابة سحب الاعتراف، وزنا و قيمة، إلا أن بنما ذهبت بعيدا في موقفها. فوفق تصريح لوزير خارجيتها، نونييز فابريغا، فإن عبارة "مشكلة المغرب بشأن نزاع الصحراء ليست مع (جبهة البوليساريو)٬ و إنَّما مع الجزائر"، تثير الكثير من الاهتمام. فبتحليلها و الوقوف عند دلالاتها، فالأخيرة (العبارة) تُقر، بصراحة، بأنَّ قضية الصحراء ليست البتة قضية "تصفية استعمار" و إنما صراعا اقليميا. ما يُؤكد جلية ما كانت تقوله، مرارا و تكرارا، و ما زالت تقوله، المملكة المغربية للأسرة الدولية و هيئة الأمم المتحدة.
أمَّا إذا ما قُمنا بدراسة خطاب وزير خارجية بنما، نونييز فابريغا، و تمت قراءته و تحليله بخلفيات سياسة، ثاقبة و متعددة الأبعاد، سيَّما عبارة "إنَّ بنما تبحث إمكانية تشكيل ترويكا مع كل من كولومبيا وكوستاريكا من أجل الخروج بموقف موحد إزاء هذه القضية."، فسنجد بأنَّ جمهورية بنما بدأت تلعب دور مُحام المغرب بأمريكا اللاتينية، ما قد ينشأ عنه مستقبلا لوبي داعم للمغرب بها، ما يفسر بأن الديبلوماسية المغربية، الموصوفة كثيرا بالقاصرة عن أداء مهامها، لعبت أوراقا غاية بالأهمية، و حققت، فعلا، إذا ما ثبت ذلك مع الوقت، مكسبا جديدا، بشبه قارة، كانت إلى الأعوام القليلة الماضية، قلعة منيعة من قلاع النزعة الانفصالية بجنوب المغرب.
إن موقف جمهورية بنما، اليوم، بإعادتها للأمور إلى نصابها، عندما علقت اعترافها بكيانات غير معترف بها دوليا و أمميا، و قامت بالتصالح مع المغرب و الشرعية الدولية ، فذلك سيكون له بالتأكيد ما بعده، بحيث يُنتظر أن تشهد العلاقات الثناية انعطافا كبيرا نحو مزيد من تطوير ذات العلاقات و رفع مستوياتها إلى مصاف الشراكة. فبتعليقها الاعتراف بما يصطلح عليه "الجمهورية الصحراوية"، تماشيا مع تواتر سحب الاعترافات بالقارة الأمريكية اللاتينية، و اعتمادها مُؤخرا لسفارة لها بالمغرب، فإنَّ الكرة بملعب الأخير(المغرب) لمزيد من تطوير العلاقات الثنائية. أمَّا ما قد يتم انجازه قريبا فهو إنشاء مجموعة للصداقة النيابية البينية.
أحمد بنصالح الصالحي: مهتم و متتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و العلاقات المغربية-الأمريكية اللاتينية

قراءة 2006 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)