انحسار اليسار في أمريكا اللاتينية

الإثنين, 25 أيار 2015 10:36
تعاني الحكومة الاشتراكية في “فنزويلا” في سبيل وضع الطعام على رفوف المحلات، وسط تضخم جامح يضرب اقتصاد البلاد. وبدورها؛ تواجه الرئيسة البرازيلية دعوات الإقالة. وحتى الحكومة الشيوعية في كوبا، والتي تعد مصدر إلهام لأجيال من اليساريين، تقوم الآن ببناء علاقات أوثق مع الولايات المتحدة.

وسواءً أكان ذلك بسبب فضائح الفساد أم ركود النمو؛ لا شك في أن شعبية حكومات أمريكا اللاتينية اليسارية، والتي حكمت المنطقة منذ بداية الألفية، تبدو في انحسار. وقد أصبح المصوتون الذين تبنوا سابقًا ما أصبح يعرف باسم “التيار الوردي”، وقضوا على الحكومات الموالية لواشنطن وسياسات السوق الحرة التي كانت سائدة في التسعينيات، معادين على نحو متزايد لليساريين الذين التفوا حولهم ذات مرة. وتشهد جميع أنحاء المنطقة تغيرًا في أرقام الاقتراع، واحتجاجات متزايدة في الشوارع.

وأهم أسباب الاستياء المتزايد هو سير رياح الاقتصاد بما لا تشتهي السفن. وبعد أن جاء معظم القادة إلى السلطة في ظل طفرة الاقتصاد الصيني وارتفاع طلب بكين على الموارد الطبيعية الوفيرة في أمريكا الجنوبية، بدأ ثاني أكبر اقتصاد في العالم يهدأ الآن، وباتت طفرة السلع التي سمحت لحكومات هذه الدول بالحصول على دعم الفقراء تنتهي.

وقال راؤول مدريد، وهو مؤلف شارك في تحرير كتاب عن الحكومات اليسارية في المنطقة في عام 2010: “ليس من السهل أن تحكم في أمريكا اللاتينية في الوقت الراهن“. وأضاف: “أثارت كثير من هذه الحكومات الإحباط من خلال المستويات العالية من عدم المساواة والفساد في السلطة“.
ولم يتعرض أي زعيم لمصاعب بحجم تلك التي يتعرض لها الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو. وعندما تولى الرئيس السابق، هوجو شافيز، السلطة في عام 1999، كان سعر النفط، الذي يمول الجزء الأكبر من الإنفاق في هذه الدولة، أقل من 10 دولارات للبرميل. وبعد أن حامت هذه الأسعار عند أكثر من 100 دولار للبرميل لعدة سنوات، انخفضت الأسعار بنسبة النصف تقريبًا منذ يوليو؛ ما أدى إلى حدوث أسرع معدل للتضخم في العالم.

وقد تراجعت شعبية مادورو وسط هذه الأزمة إلى 28%، وهي الآن بالقرب من أدنى مستوى لها في الـ16 عامًا من الحكم الاشتراكي للبلاد. وفي حين أنه لا يوجد أي دليل على أن الاحتجاجات العنيفة سوف تجتاح الشوارع كما حدث قبل عام. تشير استطلاعات الرأي إلى أن المعارضة سوف تفوز في الانتخابات التشريعية المتوقع إجراؤها قبل نهاية العام.

وربما لاستشعاره متاعب أقرب حلفائه، وافق الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، في ديسمبر/كانون الأول على إجراء محادثات مع الولايات المتحدة تهدف إلى تطبيع العلاقات، وهي خطوة كانت متوقعة لدعم النمو في الاقتصاد. وحاليًا؛ تمنح فنزويلا كوبا الجزء الأكبر من النفط الذي تستهلكه البلاد بأسعار مدعومة.

وتثير سلسلة من فضائح الفساد، التي تصدرت عناوين الصحف، الشكوك الأخلاقية حول العديد من الأحزاب اليسارية في القارة بعد أكثر من عشر سنوات في السلطة.
وفي تشيلي؛ التي يعد اقتصادها الأفضل إدارةً في المنطقة ولكنه يعتمد اعتمادًا كبيرًا على صادرات النحاس، أجرت الرئيسة، ميشيل باشيليت، تعديلاً في مجلس الوزراء مؤخرًا للحد من تداعيات الكشف عن أن ابنها استخدم نفوذه للحصول على قرض. وعندما غادرت باشيليت، التي شغلت منصب الرئيس سابقًا، مكتبها لأول مرة في عام 2010، كانت تتمتع بنسبة تأييد 84%، ولكن هذا الدعم انخفض الآن إلى ما دون 30%، وهو رقم قياسي، وفقًا للمحللين. وقال باتريسيو نافيا، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك وجامعة دييغو بورتاليس في تشيلي: “لا أحد ينتبه إلى الفساد عندما يكون الاقتصاد في نمو. ولكن عندما يتوقف النمو، ويرى الناخبون الآخرين يستفيدون، فإنهم يبدؤون بالتساؤل: أين هي حصتي؟“.
وسيأتي أول اختبار حقيقي لهذا التغير في المزاج العام في أكتوبر/تشرين الأول، عندما يتوجه الأرجنتينيون إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الكبرى الوحيدة في المنطقة هذا العام. ويواجه حزب الرئيسة الحالية (كريستينا فرنانديز) معركة صعبة لانتخاب خليفتها في ظل نسبة تضخم وصلت إلى 30%، وفرض قيود على شراء الدولار، ورفض عنيد لتسوية النزاع مع الدائنين. وتلوثت مصداقية الرئيسة الأرجنتينية أيضًا نتيجة استجابتها لوفاة المدعي العام، البرتو نيسمان، الذي كان يحقق في صفقة تستر مزعومة بين حكومتها وإيران لحماية الجمهورية الإسلامية من الملاحقة القضائية، فيما يتعلق بتفجير مركز يهودي في عام 1994.

وليس اليساريون فقط من يعانون تراجعًا في أمريكا اللاتينية، بل يشعر أعضاء مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي بحرارة الموقف. وفي كولومبيا؛ تراجعت شعبية الرئيس المتعلم في جامعة هارفارد، خوان مانويل سانتوس، بسبب بطء وتيرة محادثات السلام مع المتمردين اليساريين. وشهد رئيس المكسيك، إنريكي بينا نييتو، تراجعًا في عدد مؤيديه بسبب مزاعم فساد، ولاختفاء 43 طالبًا بعد أن تم تسليمهم من قبل الشرطة لتجار المخدرات المحليين.

ومع ذلك؛ قد يكون من السابق لأوانه كتابة إعلان نعي سياسي لليسار في أمريكا اللاتينية، وفقًا لمدريد. وفي حين أن التعب من اليسار آخذ في الارتفاع، إلا أن الكثير من قادته لايزالون يتمتعون بالشعبية في المنطقة، وقد فشل المعارضون اليمينيون -حتى الآن- في تقديم رؤية بديلة للمستقبل.
http://altagreer.com/%D8%A7%D9%86%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9/

قراءة 1376 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)