الولايات المتحدة وسباق التسلح فى أمريكا الجنوبية

الثلاثاء, 18 كانون1/ديسمبر 2012 14:48


ولن نعود هنا للحديث عن التاريخ العسكرى المتداخل فى سلسلة الانقلابات وحالات انعدام الأمن والاستقرار التى تسببت فيها واشنطن لمختلف عواصم أمريكا اللاتينية خلال القرن الماضى، بل سنخوض فى حيثيات عودة التحديات الأمنية وهواجس التسلح إلى تلك المنطقة، وفى أسباب إيقاظ الإحساس الجماعى فى أمريكا الجنوبية بالتهديد الخارجى القادم من الولايات المتحدة الأمريكية. لا نختلف فى القول إن أمريكا الجنوبية ومنطقة أمريكا اللاتينية بصفة عامة تعد الأقل تعرضا للنزاعات الدولية للقرن الحادى والعشرين، مثل قضية صراع الحضارات، وهجمات الجماعات الإرهابية المتطرفة، لكن المنطقة دخلت خلال السنوات الأخيرة فى سباق حقيقى وغير مسبوق نحو التسلح.
وقد كشفت الإحصاءات الأخيرة لمراقبى الوضع العسكرى فى العالم عن هذه النزعة الجديدة نحو التسلح فى أمريكا اللاتينية، حيث أعلن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (IISS)، أن ميزانية الدفاع فى أمريكا اللاتينية ودول الكاريبى قد انتقلت من 24.7 مليار دولار سنة 2003 إلى 47.2 مليار دولار سنة 2008(2).
وقد أكد ذلك تقرير المعهد الدولى لأبحاث السلام (SIPRI) باستوكهولم، الذى قدر أن أمريكا الجنوبية قد أنفقت خلال سنة 2008 نحو 48 مليار دولار من أجل رفع قدرتها العسكرية، وهو ما يساوى زيادة تصل إلى 50% مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة(3).
ومن خلال قراءة جيو - سياسية للتطورات الأخيرة التى عرفتها المنطقة، ندرك أن سبب هذه النزعة غير المسبوقة نحو التسلح يرجع إلى تنشيط الأسطول العسكرى الأمريكى الرابع الموجه لأمريكا الجنوبية، وإلى إعلان كولومبيا عن سماحها للولايات المتحدة باستغلال مجموعة من القواعد العسكرية فوق أراضيها.
تداعيات تنشيط الأسطول العسكرى الأمريكى:
أعلنت واشنطن فى أبريل 2008 عن تنشيط الأسطول العسكرى الرابع العامل فى المحيط الأطلسى والموجه نحو أمريكا الجنوبية بهدف محاربة الإرهاب والأنشطة غير القانونية، كالاتجار فى المخدرات، وذلك حسبما عبرت عنه الإدارة الأمريكية على عهد الرئيس جورج بوش. وقد أنشئ هذا الأسطول سنة 1943 إبان الحرب العالمية الثانية، وتم تجميده سنة 1950. وكان للإعلان عن إعادة تنشيطه تداعيات على عقيدة التسلح فى المنطقة، حيث اتجهت عدة دول نحو تقوية قدراتها وترساناتها العسكرية بإبرام مجموعة من الصفقات الضخمة لشراء الأسلحة الثقيلة والحديثة من أوروبا والصين وبشكل أساسى من روسيا(4). وأجمعت عدة دول فى المنطقة على أن تنشيط الأسطول الرابع يعتبر عملا عدائيا أحادى الجانب من واشنطن، وسيدفع أمريكا الجنوبية إلى جو من التوتر وانعدام الأمن والاستقرار. وقد تميزت كل من البرازيل وفنزويلا فى تحليلاتهما الاستراتيجية لهذا القرار الأمريكى، بحيث ترى البرازيل أنه قد يشكل تهديدا بعد اكتشاف احتياطى مهم من البترول قبالة شواطئها الأطلسية. أما الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز، فيرى أن الرسالة موجهة إليه شخصيا بعد تسجيل 12 محاولة انقلابية ضده بسبب تزعمه الشعبوى لتيار اليسار المعادى للإمبريالية الأمريكية، وغنى موارد بلاده الطبيعية من الطاقة التى تحتاج إليها واشنطن(5). وفى هذا الإطار، فقد أنفقت البرازيل نحو 15.5 مليار دولار على نظامها الدفاعى سنة 2008، مبررة ذلك برغبتها وخطتها الاستراتيجية فى تأمين الحدود الشاسعة لغابة الأمازون، التى تمثل أكبر احتياطى من الماء العذب وأكبر محمية طبيعية فى العالم. وتضمن ذلك اقتناء 12 مروحية مقاتلة من نوع MI-35 من روسيا، وتوسيع التعاون الفضائى من خلال تطوير برنامج تقنى مشترك روسى - برازيلى للتتبع عبر الأقمار الاصطناعية (GPS).
أما فنزويلا - وفى عملية لا تخلو من أبعاد استراتيجية وجيو- سياسية - فقد ترأس بشكل رمزى رئيسها هوجو شافيز ونظيره الروسى الرئيس ديمترى ميدفيديف مناورات بحرية مشتركة بين بوارج من كلا البلدين بسواحل فنزويلا. تلت ذلك مراسيم إبرام سبع اتفاقيات للتعاون فى ميدان الطاقة النووية، مما يفتح الباب أمام فنزويلا لعدة فرص لاستخراج واستغلال وتطوير كل المراحل المرتبطة بالطاقة النووية السلمية(6).
وقد أنفقت فنزويلا عام 2008 نحو 3.3 مليار دولار على ميزانية الدفاع، أى ما يعادل 5.24% من ميزانية الدولة. لكن أغلب المحللين يعتبرون أن الإحصاءات المتوافرة حول فنزويلا قد لا تعكس الإنفاق الحقيقى لهوجو شافيز على تطوير قوات بلاده العسكرية(7).
هذه الرغبة فى الرفع من ميزانية الدفاع العسكرى لم تنسحب فقط على البرازيل وفنزويلا، بل شملت المنطقة بأكملها، بحيث سجل ارتفاع فى التسلح الجماعى خلال سنة 2008 تجاوز 6% مقارنة بسنة 2007.
وهكذا، نجد أن كولومبيا - التى تعتبر ثانى أكبر منفق على القوة العسكرية فى أمريكا الجنوبية بعد البرازيل - قد أبرمت صفقات وصلت إلى 5.5 مليار دولار. وتؤكد الإدارة الكولومبية أن تسلحها يوجه بشكل مباشر إلى استتباب الأمن الداخلى، ومواجهة جماعات مهربى المخدرات والجماعة المسلحة الثورية الكولومبية المعروفة بالفارك (FARC).
وتشير الإحصاءات إلى أن شيلى تأتى فى المترتبة الثالثة من حيث النفقات العسكرية بما يناهز 4.7 مليار دولار سنة 2008، فى حين أنفقت الأرجنتين نحو مليارين، وبيرو 1.3 مليار دولار.
ولا يفوتنا هنا الوقوف عند ملاحظة مهمة، هى أن روسيا الفيدرالية أصبحت تشكل خلال السنوات الأخيرة شريكا تجاريا مهما لدول أمريكا الجنوبية، وبشكل بارز فى تجارة الأسلحة. وتجدر الإشارة هنا إلى الزيارة التى قام بها الرئيس الروسى ميدفيديف لأمريكا الجنوبية فى نوفمبر 2008، والتى مكنت روسيا من إبرام صفقات مهمة للأسلحة مع بيرو وفنزويلا والبرازيل. وكان من بين هذه الصفقات اتفاق الرئيس ميدفيديف ونظيره البيروفى ألان جارسيا على إنشاء أول مركز فى أمريكا اللاتينية لصيانة وإصلاح المروحيات ذات الصنع الروسى، مما سيمكن ليما من بيع خدمات هذا المركز لدول المنطقة، وسيساعد موسكو على تقوية وتطوير تجارتها الحربية مع دول المنطقة التى تعتمد بشكل كبير على العتاد الروسى.
كما تجدر الإشارة هنا إلى أن البرازيل، البلد الذى يتاخم حدود مشتركة مع 9 دول، هى الدولة الوحيدة فى أمريكا الجنوبية واللاتينية التى تطور استراتيجية مستقلة للدفاع العسكرى، سواء البحرى أو الجوى أو البرى، مما يؤكد توجهها المستمر نحو الحفاظ على مكانتها كقوة جهوية وشبه قارية متقدمة، خاصة أنها تطمح للحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولى.
وقد تبنى الرئيس لولا داسيلفا مؤخرا مرسوما يعرف حالة الاعتداء الخارجى على البرازيل بأنه "كل تهديد أو كل عمل يمس السيادة الوطنية والوحدة الترابية للشعب البرازيلى أو مؤسسات الدولة، وذلك حتى وإن لم يقم هجوم على التراب الوطنى". والملاحظ أنه بموجب هذا المرسوم، يمكن للبرازيل أن تتدخل لحماية مصالحها الوطنية أسوة بباقى الدول العظمى(8).
تعزيز الوجود العسكرى للبنتاجون فى أمريكا الجنوبية:
لقد كان لقرار كولومبيا خلال عام 2009، السماح لواشنطن باستعمال سبع قواعد عسكرية جوية وبحرية وبرية فوق أراضيها، عدة تبعات على استقرار المنطقة. فقد أعلنت مجموعة من الدول فى أمريكا الجنوبية عن رفضها لهذه القواعد لما يمكن أن يثيره هذا الوجود العسكرى الخارجى من تهديد لاستقرارها وأمنها. وقد ظهر الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز - الذى يتقاسم حدودا مهمة مع كولومبيا - كأبرز المعارضين لهذا القرار، حيث قام بتجميد علاقاته الدبلوماسية مع بوجوتا، واعتبر أن رياح الحرب بدأت تهب فى المنطقة، وأعلن عن استعداده الاستباقى لأى مواجهة محتملة.
كما عبر وزير الخارجية البرازيلى بشكل صريح عن قلق دول المنطقة من وجود عسكرى قوى يفوق من حيث إمكانياته الأهداف والحاجيات الداخلية لكولومبيا. ورغم أن بوجوتا، التى توجد بها أكبر سفارة للولايات المتحدة فى العالم، أعلنت أن استغلال واشنطن لقواعدها العسكرية سينحصر فى مواجهة الإرهاب ومكافحة تهريب المخدرات، إلا أن دول المنطقة تعتبر هذا مجرد ذريعة لزيادة الوجود العسكرى الاستراتيجى والمخابراتى للبنتاجون فى أمريكا الجنوبية، ولتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية للقيادة الجنوبية Southcom بقصد تغطية منطقة أمريكا الجنوبية، والتحرك انطلاقا من القاعدة الجديدة "Planquero" بكولومبيا، بدل الاعتماد على قاعدة ميامى التى أصبح البنتاجون يعتبرها بعيدة عن المنطقة.
يرتبط ذلك بأن الوجود العسكرى للبنتاجون قد تقلص فى أمريكا الجنوبية بعد إعلان الرئيس الإكوادورى، رفاييل كوريا، عن إغلاق القاعدة الجوية الأمريكية Manta فى بلاده، والتى كانت لها قدرة مراقبة جوية تبلغ 400 كيلومتر مربع تغطى منطقة الأمازون وقناة بنما. كما أعلن مانويل زيلايا، رئيس الهندوراس - قبل تعرضه لانقلاب عسكرى فى يونيو 2009 - عن تغيير نشاط القاعدة الجوية الأمريكية Soto Cano لاستقبال طائرات تجارية.
وفى محاولة لتجاوز جو التوتر والتأزم الذى سببه قرار كولومبيا، خاصة عند جيرانها المباشرين، فنزويلا والإكوادور، فقد لجأت دول المنطقة إلى منظمة اتحاد أمم أمريكا الجنوبية المعروفة اختصارا بـ UNASUR، التى أنشئت فى مايو 2008 ببرازيليا بهدف دعم مسلسل الاندماج والحوار بين الدول الأعضاء. وقد عقدت قمة بين رؤساء دول أمريكا الجنوبية، التى تضم 12 بلدا، بالإكوادور فى 10 أغسطس 2009 لدراسة الوضع الأمنى الجديد. لكن تغيب الرئيس الكولومبى عن القمة، بسبب تدهور العلاقات الثنائية مع الدولة المستضيفة، أدى إلى عقد قمة ثانية طارئة، وتغيير مكان القمة إلى مدينة Bariloche الأرجنتينية فى 28 أغسطس.
ولقد مر اجتماع القمة الطارئة، الذى بث مباشرة على القنوات التليفزيونية المحلية، فى جو مشحون بالتوتر بين شافيز والرئيس الكولومبى كارلوس أوريبى. ورغم أن البيان الختامى لقمة رؤساء أمريكا الجنوبية قد جاء يحترم سيادة كولومبيا فى السماح للولايات المتحدة باستغلال قواعد عسكرية على أرضها لمكافحة تجارة وتهريب المخدرات، إلا أنه نبه فى الوقت نفسه إلى أن مثل هذه الأعمال قد تؤثر على أمن المنطقة برمتها، وأن وجود قواعد عسكرية أجنبية يجب ألا يهدد سيادة أية دولة من أمريكا الجنوبية. وقد شكلت هذه القمة فرصة تدارس فيها الرؤساء لأول مرة فى التاريخ قضية مثيرة للجدل ترتبط بوجود عسكرى خارجى فى المنطقة(9).
كما اتفق الرؤساء كذلك على عقد اجتماع بين وزراء الخارجية والدفاع فى إطار أهم جهاز تابع لـ UNASUR يهتم بالتحديات الأمنية فى المنطقة، وهو مجلس أمريكا الجنوبية للدفاع (CSD). وقد طالب هذا الأخير - خلال اجتماعه فى 15 سبتمبر 2009 - باتخاذ تدابير تهدف إلى تحقيق الشفافية فيما يتعلق بالإنفاق العسكرى وشراء الموارد والتكنولوجيات، وإبرام اتفاق يسمح بإجراء دراسات على كل دولة، والإعلان عن نفقاتها العسكرية بشكل مستمر، وذلك من أجل توفير جو من الثقة المتبادلة بين الجيران فى المنطقة، بدلا من اتباع أسلوب السرية الذى يوحى بهبوب رياح الحرب فى أمريكا الجنوبية.
وعلى مستوى آخر، طلب الرئيس البرازيلى من نظيره الأمريكى باراك أوباما إجراء لقاء مباشر لمناقشة الموضوع، وتقديم ضمانات قانونية بأن القواعد العسكرية لن تستعمل سوى فى مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات داخل الحدود الكولومبية. لكن الناطق الرسمى لوزارة الخارجية الأمريكية استبعد حدوث أى حوار حول الموضوع، لأنه يرتبط باتفاق ثنائى مع كولومبيا، ولا يدخل فى اختصاص باقى دول المنطقة(10).
وارتباطا بالموضوع نفسه، وجهت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون رسائل إلى وزراء خارجية دول الأعضاء فى UNASUR عبرت من خلالها عن استعدادها للحوار مع هذه المنظمة لوضع آليات منح الثقة بين دول المنطقة.
ومن جهة أخرى، أعلن الرئيس شافيز - فى ختام زيارته لروسيا منتصف شهر سبتمبر 2009 - عن اقتناء أسلحة عسكرية تضم 92 دبابة من نوع T-72 ، وأنظمة صواريخ دفاعية أرض - جو روسية بقيمة مليارين و200 مليون دولار بفضل قرض من موسكو(11). واعتبر شافيز أن هذه الصفقة تأتى كرد فعل مباشر على إعلان بوجوتا منح القواعد العسكرية للبنتاجون. وقد سارعت هيلارى كلينتون إلى التعبير عن قلقها إزاء تسلح شافيز، مشيرة إلى أن فنزويلا أصبحت تحتل مركزا متقدما على باقى جيرانها من حيث العتاد العسكرى، مما سيدفع إلى رفع وتيرة التسلح فى المنطقة(12).
دور المشاكل الحدودية فى رفع مستوى التسلح:
إلى جانب التحديات المرتبطة بالولايات المتحدة فى أمريكا الجنوبية، نجد مشاكل أخرى ومن نوع آخر تتسبب فى توتر العلاقات بين الجيران، كما هو الشأن بالنسبة لشيلى فى علاقاتها مع بوليفيا حول مشكلة حدودية تعود إلى سنة 1879، عندما خسرت بوليفيا منفذا على البحر خلال حربها مع شيلى. فقد أدى تدخل الرئيس الفنزويلى أخيرا فى هذا الموضوع إلى إعادة جو التوتر بين الجارين: بوليفيا وشيلى. فقد أعلن هوجو شافيز عن رغبته فى السباحة فى شاطئ بوليفى على المحيط الهادى، وهى إشارة إلى تحقيق المطالب البوليفية فى الانفتاح على البحر على حساب شيلى، ومن جهة أخرى، قدم الرئيس الفنزويلى لحليفه البوليفى، إيفو موراليس، دعما يقدر بـ 10 ملايين دولار يوجه للمدرسة البحرية البوليفية التى لا تشرف على بحر للقيام بالتدريبات. ويعتبر المحللون أن هذه المشكلة لا يمكنها أن تقدم تبريرا للتسلح والعتاد العسكرى الحديث الذى تحوزه شيلى، والمتمثلة أساسا فى الحشد الهائل من الدبابات العصرية التى لا يوجد مثيلها فى المنطقة بأسرها، إذ تستفيد شيلى من مركزها الدولى كأول مصدر للنحاس فى العالم لتخصيص 10% من عائداته لتجديد وتحديث ترسانتها الحربية.
أمريكا الجنوبية ساحة تنافس بين القوى العظمى:
يكشف لنا هذا التحليل حول مسلسل السباق المحموم نحو التسلح فى أمريكا الجنوبية عن أن المنطقة تتحول إلى مسرح للتنافس بين ثلاث قوى عظمى حول تسليح المنطقة، وهى الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
إذ أصبحت روسيا أهم سوق مفتوحة أمام فنزويلا لشراء المعدات العسكرية، بعد أن فرضت الولايات المتحدة على كاراكاس حصارا حول إصلاح وتغيير قطع الغيار الأمريكية. كما تساهم موسكو فى تطوير القدرات الدفاعية والهجومية لكاراكاس، وتمكن جيشها من اكتساب الخبرات والتجربة من خلال إجراء مناورات بحرية وجوية مشتركة تستعمل فيها أسلحة ثقيلة قادرة على حمل الرءوس النووية. أضف إلى ذلك أن الكرملين قد قدم قرضا بقيمة 2.2 مليار دولار لكاراكاس من أجل تزويدها بأسلحة دفاعية وهجومية قوية من الصنع الروسى.
وقد أشارت فنزويلا، عقب إعلان كولومبيا منح قواعد عسكرية للبنتاجون، إلى إمكانية إقامة قواعد عسكرية روسية على أرضها، لكن موسكو رفضت رسميا هذا الاقتراح، وأشارت إلى عدم وجود أى مصالح لها فى إقامة قواعد بأمريكا الجنوبية(13). ولعل اقتراح استغلال هذه القواعد بفنزويلا قد يشكل فرصة يمكن استثمارها فى صنع الأسلحة الروسية التى تعتبر كاراكاس أهم مستورد لها فى المنطقة، لتضاف هذه القواعد إلى مركز صيانة المروحيات الروسية الذى اتفق على بنائه فوق الأراضى البيروفية، وهو ما سيقوى حضور روسيا فى المنطقة وسينعكس إيجابيا على بيعها للأسلحة.
أما فرنسا، التى توجد لها قواعد عسكرية فى جويانا الفرنسية بأمريكا الجنوبية، فقد أصبح من المحتمل أن تتحول إلى الممون الوحيد فى مجال الأسلحة لأكبر دولة فى المنطقة، وهى البرازيل، بعد اتفاق الرئيس الفرنسى، نيكولا ساركوزى، ونظيره البرازيلى، لولا داسيلفا، على الدخول فى تحالف عسكرى بحرى وجوى يمتد على عدة مراحل إلى عام 2021 بميزانية تصل إلى 12 مليار دولار، توجه 9 مليارات منها نحو تقوية العتاد البرازيلى باقتناء 36 طائرة حربية من نوع Rafale و4 غواصات بحرية متطورة، إلى جانب اتفاق يقضى بإنشاء أول غواصة نووية فى المنطقة بدعم تقنى من فرنسا فوق الأراضى البرازيلية.
وفى ظل حصول واشنطن على القواعد التى تم الإعلان عن إنشائها بكولومبيا، وإمكانية إقامة قواعد روسية فى فنزويلا، مع وجود عسكرى فرنسى فى جويانا الفرنسية وتحالف عسكرى قوى مع البرازيل، أصبحت أمريكا الجنوبية تشكل مسرحا يقحم المنافسة بين هذه القوى العظمى فى المنطقة فى مرحلة حرجة تعيد إلى الأذهان تاريخ الانقلابات العسكرية، خاصة بعد طرد رئيس الهندوراس المنتخب، مانويل زيلايا، إلى كوستاريكا فى 28 يونيو 2009 من قبل قوات الجيش.
وخلاصة القول إن قيام أى دولة باقتناء الأسلحة وتقوية إنفاقها على أنظمتها الدفاعية يعتبر حقا سياديا مشروعا. لكن المثير هو أن تجد منطقة يعيش نحو 50% من سكانها تحت عتبة الفقر تتبنى سياسة دفاعية متطورة وبتكنولوجية عالية منذ أكثر من خمس سنوات، قدرت نفقاتها بنحو 48 مليار دولار سنة 2008.
ورغم أن هذا المبلغ قد يبدو ضخما على المستوى الإقليمى، إلا أنه لا يمثل سوى 3% من الإنفاق العسكرى العالمى، بحيث لا تعتبر أمريكا اللاتينية طرفا قويا فى التجارة الدولية للسلاح، مقارنة بدول الشرق الأوسط التى أنفقت 75.6 مليار دولار، أو منطقة شرق آسيا التى أنفقت 93 مليار دولار سنة 2008.
إن رغبة دول أمريكا الجنوبية فى التسلح العاجل والكبير، رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، تبدو مرتبطة بالتحديات الجيو - سياسية التى تفرضها العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والقرب الجغرافى منها. وهو ما يظهر أنه بعد مرور قرنين من الزمان على استقلال دول أمريكا اللاتينية، لا تزال لم تنعم بعد بطعم الاستقرار.
الهوامش:
1- بيير رينوفان وجان باتيست دوروزيل، مدخل إلى تاريخ العلاقات الدولية، الطبعة الثانية، 1972، منشورات عويدات، بيروت، ص 38.
2- Suramrica refuerza sus arsenals, 28 de Augusto, .2009. el pais.com
3- America Latina, Hacia una paz armada hasta los dientes? Mexico, 11 de Setiember,. 2009. Inter Press Service. Ips.org
4- Ibid.
5- محسن منجيد، رؤية فى مستقبل تفاعلات أمريكا اللاتينية مع المحيط الجهوى والدولى، دورية التواصل للنادى الدبلوماسى المغربى، عدد 9، مايو 2008، ص 66.
6- Bruno Muxagato: Un parfum de guerre froide en Amrique Latine: l'arrive de la Russie dans le precarre des Etats-Unis, La Chronique des Amriques de l'Observatoire des Amriques, N04 Avril, 2009.
7- Presupuesto de defensa 2008, Red de Seguridad y Defensa en America Latina. Resdal.Org
8- Le Bresil est-il entrain de construire son precarre? 4 Mai, 2009. risal. Info.
9- Unasur:m? nimo necesario. Editorial, 30 de Augusto .2009 elpais.com
10- Maurice Lemoine: Ces relents de guerre froide venus du Honduras, Le Monde Diplomatique No 666 September 2009, p.16.
11- The voice of Russia, .15.09.09 ruvr.org
12- Washington critica el rearme de Venezuela, 17 de Setiembre, 2008 elpais.com
13- Thiago DE ARAGO: Course aux armements en Amrique Latine, 28 Aout, 2009. iris.fr

نشر في مجلة السياسة الدولية، الصادرة عن مركز الأهرام بمصر
العدد 179، يناير 2010 ص104-107

قراءة 4531 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)