لماذا توقفت أمريكا اللاتينية عن دعم فلسطين؟

الأربعاء, 13 حزيران/يونيو 2018 13:37


11/06/2018
في الوقت الذي رفضت فيه معظم دول العالم قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القاضي بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، شهد هذا القرار دعما حماسيا من قبل بعض زعماء أمريكا اللاتينية. وقد يعد هذا الدعم مفاجئا بالنسبة للكثيرين، حيث أن كل دول المنطقة كانت صريحة بشأن دعمها للقضية الفلسطينية، علما وأن جميع دول أمريكا اللاتينية، باستثناء كولومبيا والمكسيك، اعترفوا بالدولة الفلسطينية بين سنة 2008 و2013.
لكن، يبدو أن المعطيات السياسية في المنطقة قد تغيرت، حيث مثلت باراغواي ثالث دولة تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس مؤخرا، لتسير بذلك على خطى الولايات المتحدة وغواتيمالا. كما قد تتخذ هندوراس قرارا مماثلا، ذلك أنه خلال الشهر الماضي، أصدر الكونغرس قراراً يحث فيه وزارة خارجية هذه الدولة على القيام بهذه الخطوة أيضا.
وفي كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017، صرح جاير بولسونارو، المرشح الرئاسي اليميني المتطرف الذي يتصدر أحدث استطلاعات الرأي في البرازيل، أنه في حال انتخابه، سيتّبع قرار ترامب المثير للجدل. وتشير مثل هذه التطورات إلى تحول مثير للقلق يشهده دعم القضية الفلسطينية، وتظهر أيضا اتجاها إقليميا أوسع نحو تبني سياسة رجعية.
في هذا الصدد، يشير العديد من المراقبين إلى حقيقة أن أمريكيا اللاتينية وإسرائيل تربطهما علاقات تعود إلى سنة 1948. وقد كان لغواتيمالا السبق في توطيد هذه العلاقات، وذلك من خلال اعترافها الفوري بالدولة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، قامت أكثر من نصف دول أمريكا اللاتينية بفتح سفاراتها في القدس في السنوات اللاحقة. مع ذلك، ظلت العلاقات بين أمريكا اللاتينية وإسرائيل ودية حتى سنة 1967، حين انقلبت الموازين.
وعلى سبيل المثال، أدى تبني إسرائيل في سنة 1980 لقانون يُعلن القدس “عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة” إلى إصدار مجلس الأمن الدولي لقرار دعا من خلاله الدول إلى نقل سفاراتها إلى تل أبيب. وقد امتثلت تسع دول في أمريكا اللاتينية لهذه القرار على الفور وهي؛ بوليفيا، وتشيلي، وكولومبيا، وكوستاريكا، وإكوادور، والسلفادور، وبنما، وأوروغواي، وفنزويلا. في المقابل، أجلت جمهورية الدومينيكان وغواتيمالا ذلك إلى غاية سنة 1982، لكنهما نفذتا القرار في نهاية المطاف.
في الآونة الأخيرة، بالتحديد خلال سنة 2014، ومع تصاعد الهجوم الإسرائيلي ضد سكان غزة والتزام المجتمع الدولي الصمت، أصدرت كل من الأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي، والإكوادور، وبيرو بيانات إدانة شديدة اللهجة، بالتزامن مع استدعاء سفرائها للتشاور حول الأمر.
من جهة أخرى، يرتبط الدعم الإقليمي لنقل السفارات إلى القدس بسيطرة تنذر بالخطر، على السلطة من قبل قوى التيار اليميني في المنطقة وحاجتهم إلى موافقة الولايات المتحدة، على غرار الحكومات اليمينية في غواتيمالا وهندوراس التي تواجه أزمات سياسية خطيرة، وهو ما يجعلها تحتاج بشدة لدعم واشنطن.
وعلى سبيل المثال، تورط الرئيس الغواتيمالي، جيمي موراليس، في سلسلة من فضائح الفساد وغسل الأموال منذ سنة 2016، ولا يزال يتعرض لضغوط لتقديم استقالته. كما قُوبلت إعادة انتخاب رئيس هندوراس، خوان أورلاندو هرنانديز، مؤخراً في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2017 بادعاءات واسعة النطاق تتعلق بتزوير الانتخابات والفساد، فضلاً عن إعطاء أوامر لممارسة العنف ضد المتظاهرين.
ووفقا لموراليس وهرنانديز، لا يعد نقل سفارات البلدين إلى القدس مجرد إظهار “للنوايا الحسنة” تجاه ترامب، بل محاولة لتشتيت الانتباه بعيداً عن المشاكل الداخلية في كلا البلدين. وإن دل ذلك على شيء، فهو يدل على عودة الخضوع بذلّ للمصالح الأمريكية، وهو ما نجحت معظم حكومات أمريكا اللاتينية في تجاوزه خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
علاوة على ذلك، تربط الزعيمين علاقات شخصية بإسرائيل، إذ أن موراليس مسيحي إنجيلي، مثلما هو الحال بالنسبة لحوالي 40 بالمائة من سكان غواتيمالا، كما أنه صهيوني مخلص. ومن ناحية أخرى، تخرّج هرنانديز من برنامج تديره الوكالة الإسرائيلية للتعاون في التنمية الدولية، التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية
أما بالنسبة لرئيس باراغواي، هوراسيو كارتس، الملياردير الذي اتهم أيضا بغسل الأموال وتهريب المخدرات، فلديه علاقات وثيقة مع إسرائيل، كما عُرف بعلاقاته المقربة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. والجدير بالذكر أن أحد مستشاري حملة كارتس الانتخابية سنة 2013، آري هارو، كان قد شغل منصب رئيس موظفي نتنياهو.
وتولى هؤلاء القادة الثلاثة السلطة بدعم من الأحزاب اليمينية التي تربطها علاقات طويلة الأمد بالصناعة العسكرية الإسرائيلية، حيث باعت إسرائيل الأسلحة، وحافظت على علاقات متينة مع الطاغية الباراغواني، ألفريدو سترويسنر، وهو جنرال عسكري حكم البلاد بين سنة 1954 و1989. من جانبه، أحيا كارتس، زعيم حزب “كولورادو” اليميني، الذي كان بمثابة قاعدة السلطة السياسية لديكتاتورية سترويسنر، هذه الروابط العسكرية.
وفي أواخر السبعينات، تمت إقامة روابط مماثلة بين النظام الغواتيمالي وإسرائيل. وبعد عدة سنوات، وعندما قاد الجنرال، إفراين ريوس مونت، انقلابا في البلاد، أفيد بأن 300 مستشار عسكري إسرائيلي قاموا بمساعدته في ذلك. كما أن الضباط الذين شاركوا في الحرب الأهلية في غواتيمالا، جنبا إلى جنب مع مونت الذي أدين في وقت لاحق بتهمة الإبادة الجماعية ضد المجتمعات الأصلية، يمثلون الآن جزءا من حزب موراليس. وبالتالي، لا يعد اختيار رئيس غواتيمالا الذهاب إلى إسرائيل في أول رحلة رسمية له على النطاق الخارجي أمرا غريبا.
علاوة على ذلك، حصلت هندوراس على دعم عسكري كبير من إسرائيل خلال الثمانينيات، عندما انتفض الثوار الذين يطلق عليهم “الكونترا” والمدعومين من قبل وكالة المخابرات المركزية، في البلاد. وفي سنة 2016، وقّعت الدولة صفقة جديدة مع إسرائيل لتصدير الأسلحة، في واحدة من أكبر الصفقات في أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، التي وصفها هيرنانديز بالصفقة التاريخية التي من شأنها أن تعزز قوات الأمن في البلاد، إلى جانب الصفقات السابقة.
وفي الحقيقة، تشهد الديمقراطية تقهقرا في أمريكا اللاتينية، حتى في البلدان التي تحكمها الأحزاب اليسارية، كما هو الحال في نيكاراغوا وفنزويلا، إلا أن هناك ما يثير القلق بشكل خاص بشأن الجيل الجديد من القادة اليمينيين في كل من غواتيمالا وهندوراس وباراغواي وغيرها. وينقلب هؤلاء على المكاسب التي حققها المجتمع المدني التي تتعلق بحقوق السكان الأصليين والأقليات. كما يعيدون توظيف الخطاب والسياسات العنصرية السامة، الأمر الذي لا يعد مختلفا عن السياسات الإسرائيلية. في الأثناء، لا يبشّر الدعم المالي والعسكري الإسرائيلي لتلك القوى اليمينية لشعب أمريكا اللاتينية بخير.
https://meemmagazine.net/2018/06/11/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%81%D9%84/

 

قراءة 677 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)