تشيلي: الانتخابات واستمرار الصراع مع إرث الديكتاتورية

الإثنين, 09 كانون1/ديسمبر 2013 09:30

فاتسعت الهوة وباضطراد بين الفقراء والأغنياء بشكل لا مثيل له إلا في القليل من بلدان العالم في الوقت الذي عرفت فيه التشيلي نمواً اقتصادياً متواصلاً على امتداد العقود الماضية.
ومثّل هذا الإرث للديكتاتورية التشيلية جوهر الصراع والتنافس في انتخابات الرئاسة والكونغرس (بمجلسيه: النواب + الشيوخ) التي جرت في 17 تشرين ثاني/ نوفمبر 2013. ويجدر الذكر هنا بأنها كانت الانتخابات الأولى بعد إلغاء (عام 2012) قانون إلزامية المشاركة في التصويت. لذلك تراجعت نسبة المقترعين الى 56% فقط من مجموع 13,3 مليون ناخبة وناخب.
وشاركت الرئيسة التشيلية السابقة الاشتراكية "ميشيل باشيليه" مرشحة لمقعد الرئاسة مجدداً من قبل ائتلاف يسار الوسط الذي يضم كل من: الحزب المسيحية الديمقراطي + الحزب الاشتراكي الديمقراطي + الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي. وحازت في هذه الدورة من الانتخابات على 46,7% من الأصوات (أي ما مقداره 3 ملايين صوت) بفارق بسيط عن الأغلبية المطلقة الضرورية للفوز بمقعد الرئاسة من الدورة الأولى.
وحلّت في المرتبة الثانية المرشحة، عن ائتلاف المحافظين المتشددين مع أنصار "بينوشت" الوزيرة في وزارة العمل في حكومة اليمين الراهنة السيدة افلين ماتيبي. وبحصولها على 25% من أصوات المقترعين (1,6 مليون مقترع) ضمنت لنفسها المشاركة في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة في الـ15 من شهر كانون أول/ ديسمبر 2013 منافسة للرئيسة السابقة باشيليه.
كما نال كل من المرشح الثالث (يساري ثوري) 11% من الأصوات والرابع (ليبرالي 10% من أصوات المقترعين (ما يعادل مجموعهما بـ1,4 مليون صوتاً) وكلاهما أعلنا غداة فرز الأصوات وإعلان النتائج بأنهما لم يقدما الدعم للسيدة الوزيرة E.MAITHEL في الجولة الثانية من الاقتراع على مقعد الرئاسة.
لذلك من المنتظر أن يشتد الاستقطاب الجماهيري حول تصميم ائتلاف يسار الوسط على تخطي النموذج الاقتصادي الذي أشادت صرجه ديكتاتورية بينوشت (1973 1990) واستمر بحماية دستور تلك الحقبة ومن دون أن يتمكن أحد من المساس به، بما في ذلك رئاسة السيدة باشيليه الأولى (2006 2009) رغم الوعود التي قطعتها لمحازبيها وناخبيها آنذاك. وفي حين شهدت التشيلي "دمقرطة" النظام السياسي لدرجة متقدمة.
فهل ستتمكن السيدة باشيليه في حال فوزها مجدداً بالرئاسة في توفير الأغلبية اللازمة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية والتي عجزت دونها في فترة رئاستها الأولى (2006 2009)؟.
يتطلب إدخال التعديلات الدستورية اللازمة لإحداث التحولات المنشودة على أغلبية من 80 نائباً من أصل 120 هم مجموع أعضاء البرلمان، و25 من أعضاء مجلس الشيوخ من أصل 38 هم مجموع أعضاء هذا المجلس إلا أن ائتلاف يسار الوسط لم يحصل سوى على 70 نائباً في البرلمان و21 مقعداً في مجلس الشيوخ، وكان بين النواب الجدد لهذا الائتلاف ثلاثة من القادة البارزين للحركة الطالبية...
لذلك يلحظ انفتاح ائتلاف يسار الوسط على تكتلات وتجمعات اقتصادية من الفئات الوسطى في محاولة لكسبها الى جانب برنامج الإصلاحات يأخذ في الاعتبار مصالحها (مستوى الضرائب) ولدورها الحاسم في استمرار عملية النمو الاقتصادي في خدمة تنمية مستدامة لمكافحة الفقر وتعزيز تأهيل وتعليم الشباب في المجتمع ومكافحة البطالة في صفوفهم.
ويستمر في موازاة هذا التوجه والانفتاح على الفئات الوسطى (الصناعية والزراعية) التعويل على إدامة الحراك المطلبي الاجتماعي والطلابي أداة ضاغطة لتوفير المناخ الضروري لتعزيز الانحيازات لصالح برنامج الإصلاح لائتلاف يسار الوسط الهادف الى الخلاص من إرث الديكتارتورية الضاغط على حياة غالبية قاعدة الهرم الاجتماعي على امتداد العقود الأربعة المنصرمة.
وتزداد وضوحاً القوة التعبيرية لرموز الصراع في المشهد السياسي السائد راهناً مع التشيلي عبر إماطة اللثام عن خلفية كل من المرشحتين المتبارزتين على مقعد الرئاسة للدورة القادمة: فالسيدة باشيليه هي ابنة لجنرال في سلاح الجو التزم احترام الشرعية ممثلة بشخص الرئيس المنتخب آنذاك سلفادور الليندي فكان مصيره الاعتقال والتعذيب حتى الموت على يد الطغمة العسكرية قائدة الانقلاب وكان بين صفوفها جنرال في سلاح الجو أيضاً هو والد وزير العمل الراهنة والمنافسة على مقعد الرئاسة في الجولة الثانية القادمة السيدة افيلين ماتيي وتجاورتا آنذاك المرشحتان (راهناً) تحت سقف مدرسة واحدة في "سانتياغو" عاصمة التشيلي.
() كاتب لبناني مقيم في برلين
د. عصام حداد()
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=598054

قراءة 1114 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)