البرازيل والشرق الأوسط: ماض مرتبط بالنفط

الجمعة, 10 تموز/يوليو 2015 11:15
04/07/2015

أصبحت علاقات البرازيل مع الشرق الأوسط مهمّة في أعقاب الصدمة النفطية في عام 1973 فقبل هذا التاريخ المفصلي، لم تتطوّر الحكومات البرازيلية استراتيجية حقيقية تجاه هذه المنطقة على الرغم من محاولة وزارة العلاقات الخارجية في عام 1969.

ورغم ذلك، أقيمت العلاقات الدبلوماسية مع إيران منذ عام 1903 ومن ثمّ مع لبنان وسوريا ومصر في السنوات الـ 1940 وأخيرًا مع العراق وليبيا ودول شمال إفريقيا خلال العقدين التاليين. وقد شاركت البرازيل أيضًا في أوّل قوّة للأمم المتّحدة لحالات الطوارئ بين عامي 1957 و1967 في سيناء وفي قطاع غزّة.

وعلى الرغم من أنّ هذه البلاد صوّتت في نوفمبر 1947 لصالح القرار الـ 181 الّذي نصّ على تقسيم فلسطين، لم تعترف بـ “إسرائيل” إلّا في عام 1949 وامتنعت عن التصويت حول انضمامها إلى منظّمة الأمم المتّحدة ولم ترسل طاقمًا دبلوماسيًا إلا بعد ثلاث سنوات.

وقد عارض الدبلوماسيون البرازيليون الاستيلاء الإسرائيلي على القدس، بالنظر إلى المواقف العربية ومواقف الكرسي الرسولي ليصبح القرار 242 الصادر في نوفمبر 1967 الإطار المرجعي للموقف البرازيلي، مع العلم أنّ الممثلين البرازيليين قد شاركوا في صياغة إحدى مسودّات النصّ.

وفي عام 1972، أصبح للبرازيل 8 سفارات في الشرق الأوسط وبالتوازي مع ذلك، حافظت على علاقات جيّدة مع “إسرائيل” مثلما يتّضح من التوقيع على اتّفاقية التعاون في عام 1962 لتحدّد السياسة البرازيلية تجاه الشرق الأوسط بالحفاظ على المسافة نفسها من الجميع حتّى عام 1973.

ولكنّ اضطرت لتضع حدًّا إلى هذه السياسة مع الصدمة النفطية، إذ أنّ استهلاك النفط في البرازيل يعتمد على الصادرات بنسبة تصل إلى 80 %، وكان من الضروري آنذاك الحفاظ على “المعجزة الاقتصادية” البرازيلية الجارية في ذلك الحين وبالتالي جعلت احتياجات الطاقة من العلاقة مع الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط حاسمة ووفقًا لقاعدة البيانات UN Comtrade تناوب العراق والمملكة العربية السعودية بين عامي 1976 و1984 على المرتبتين الثانية والثالثة من مجمل الواردات البرازيلية.

وبين عامي 1981 و1982، وصلت المملكة العربية السعودية إلى المرتبة الأولى متقدّمة على الولايات المتّحدة. كما أنّ البلدين قد سيطرا على أغلبية الواردات النفطية البرازيلية بنسبة بلغت أكثر من 50 % قبل 1973 وبمعدّل 60 % بين عامي 1972 و1980 قبل أن تعود من جديد إلى 50 % حتّى عام 1990.

ظهر إذن تقارب مع الشرق الأوسط إذ تمّ التوقيع على اتّفاقيتين مع هذه الدول فقط قبل 1973 مقابل 13 اتّفاقية بين عامي 1973 و1989 من بينها 5 مع العراق. إذ تطلّب احتياجات النفط ضرورة إيجاد أسواق بديلة للمنتجات البرازيلية وخاصّة مصادر جديدة للتمويل لضمان توازن لميزانها التجاري. ولم يتمّ تحقيق هذه الأهداف على الرغم من إنشاء كونسورتيوم [ائتلاف تجاري] مع الكويت في عام 1975، الشركة العربية البرازيلية للاستثمار والبنك العراقي البرازيلي في عام 1981 وعلى الرغم من مشاركة بانكو دو برازيل في رأس مال البنك العربي والدولي للاستثمار في عام 1973. وبالإضافة إلى ذلك، لم يمثّل الشرق الأوسط إلّا 4.3 % من صادرات البرازيل في عام 1980 مقابل 32.5 % من الواردات الّتي تشمل 90.4 % من التبادلات.

استفادت الدول العربية بعد ذلك من وضع التبعية البرازيلية من أجل الحصول على التزامات أكثر حزمًا لصالحهم في الصراع مع “إسرائيل”. ليختفي مصطلح “الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع” من الخطاب البرازيلي للدفاع عن حقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وخصّصت 6 فقرات للشرق الأوسط في الخطاب الّذي ألقي أمام الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في عام 1974.

وأقام البرازيل علاقات رسمية مع منظّمة التحرير الفلسطينية لتشهد علاقته مع الشرق الأوسط أوجها يوم 10 نوفمبر 1975 عندما صوّتت حكومة إرنستو جيزل لصالح القرار عدد 3379 للجمعية العامّة للأمم المتّحدة الّذي اعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية.

وقد أكّدت هذه اللفتة على القطيعة مع سياسة الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع . كلّف هذا الموقف الممثلين البرازيليين تأنيب الولايات المتّحدة ومن هنا أتت العودة إلى استراتيجية أكثر حذرًا في السنوات الموالية فعلى سبيل المثال، غاب الدبلوماسيون [البرازيليون] عن التصويت على القرار 3120 يوم 24 نوفمبر 1976 المطالب بإقامة دولة فلسطينية.

تأثّر التوجّه الدبلوماسي البرازيلي الجديد بالمتطلّبات العراقية، الدولة الّتي طوّر معها البرازيل علاقة خاصّة، ففي عام 1971 وقّعت الدولتان على اتّفاق تجاري وبفضل هذه الشراكة، بدأت شركة النفط البرازيلية بتروبراس أنشطتها في العراق ممّا أدّى إلى اكتشاف أكبر حقل نفطي عراقي آنذاك، حقل مجنون. كما وقّع البلدان أيضًا على اتّفاق تعاون نووي يوم 7 يناير 1980. ثمّ اخترقت الشركات البرازيلية السوق العراقية وخاصّة شركة مديس جونيور الّتي كلّفت بمشروع سكّة الحديد الرابطة بين بغداد وعكاشات والّتي بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.

وكما أشرنا سابقًا، شكّل العراق موردًا رئيسًا للنفط بالنسبة للبرازيل بين عامي 1970 و1990. وقد كشفت حساباتنا انطلاقًا من قاعدة البيانات UN Comtrade عن أنّ هذه الدولة العربية قد استأثرت على ما يتراوح بين 20 % و30 % من الواردات البرازيلية من الذهب الأسود مع العلم أنّها تجاوزت أكثر من 40 % في 1979 و1980 و1989.

واستخدمت السلطات العراقية وضعية التبعية البرازيلية للتأثير على سياسة البرازيل تجاه الفلسطينيين حيث حصلت على سبيل المثال على افتتاح لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في برازيليا في عام 1975.

ولكن شهدت العلاقات العراقية البرازيلية مناطق ظلّ ففي البداية، كان العراق أوّل عميل للصناعة الحربية البرازيلية بين عامي 1980 و1988. وفي عام 1986، أصبح البرازيل فعلًا أوّل مصدّر للمعدّات العسكرية في العالم النامي. وفي عام 1977، 50 % من هذه المبيعات أجريت مع الشرق الأوسط ومن هنا أتى الحياد البرازيلي خلال الحرب الإيرانية العراقية.

وعلى الرغم من العقوبات الدولية، استمرّت المبيعات واضطرّ البرازيل إلى إجلاء مستعجل للموظفين التقنيين في العراق خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991. وبسبب الصراعات المتتالية الّتي شهدتها البلاد، تأخر دفع قيمة العقود التجارية وتحوّلت إلى ديون بين الدولة العراقية ومديس جونيور وبانكو دو برازيل. لم تحلّ مسألة دفع الديون لتؤدي هذه الأزمة إلى تراجع في العلاقات بين البرازيل والشرق الأوسط وساهمت في تفاقم الخلافات بين الدول النامية، وبين مصدرّي النفط ومورديه على سبيل المثال.

وانعكس هذا التراجع عبر عدّة قنوات إذ تراجعت التبادلات التجارية: في عام 1999، لم يعد الشرق الأوسط يمثّل إلّا 2.5 % من هذه التدفّقات مقابل 20 % تقريبًا قبل عشر سنوات.

وبالإضافة إلى ذلك، ظهر التحالف مع الولايات المتّحدة في المواقف من جديد إذ دعم الممثلون البرازيليون حرب الخليج والعقوبات المفروضة على العراق في حين أنّ هذا الموقف يتعارض مع المصالح التجارية لبلادهم ولكن القيود الدبلوماسية الجديدة الناتجة عن التفاوض على الديون جعلت الجهات الفاعلة البرازيلية تدير ظهرها لشركائها الشرق أوسطيين.

كانت مسألة النفط إذن حجر الزاوية في السياسة البرازيلية تجاه الشرق الأوسط في العقدين الـ 1970 و1980 وأسست علاقة تجدّدت تمامًا مع بداية القرن الحادي والعشرين وصول لويز إيناسيو لولا داس سيلفا إلى الحكم بين عامي 2003 و2010.

وتذكّر الحالة البرازيلية بأنّ العلاقات بين دول الجنوب لا تخلو من منطق المصالح ففي الواقع، أجبرت التبادلات الاقتصادية غير المتوازنة في هذه الفترة مع الدول العربية النفطية المسؤولين البرازيليين على تقديم تنازلات بشأن سياستهم التقليدية للحفاظ على المسافة نفسها من الجميع فيما يتعلّق بالصراعات الدائرة في هذه المنطقة.
http://altagreer.com/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D8%A7%D8%B6-%D9%85%D8%B1%D8%AA%D8%A8%D8%B7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86/

قراءة 1496 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)