كولومبيا تعمل على ترسيخ السلام والحياة المدنية

الخميس, 12 آذار/مارس 2015 11:21
عندما انضم الكولومبي كارلوس ماريو أوسبينا إلى المجموعات المسلحة اليمينية، المعروفة بـ«القوات المتحدة للدفاع عن النفس» عام 1997، كانت الميليشيات الكولومبية المتمردة، بدأت لتوها توسيع نفوذها في منطقته. ولطرد المقاتلين اليساريين من المنطقة نفذت المجموعات المسلحة سلسلة من المجازر الرهيبة، والإخفاء القسري لعدد من الأشخاص، وأعمال القتل، وغالباً بالتواطؤ مع قوات الأمن الحكومية.
وترقى أوسبينا المعروف بـ«توماتي» سريعاً عبر الرتب التنظيمية في مجموعته، وفي عام 2004 قاد نشاطاً مسلحاً في منطقة بوتومايو، في جنوب كولومبيا. وبحلول الزمن الذي وافق فيه على التسريح عام 2006، كان قد أشرف شخصياً على مقتل أو إخفاء أكثر من 200 شخص.
وجاء تسريحه مع نحو 30 ألفاً من أعضاء «القوات المتحدة للدفاع عن النفس» في كولومبيا، بعد مفاوضات مع حكومة الرئيس السابق ألفارو أوريبي. وكان قادة المجموعات حصلوا على وعود بأنهم لن يدخلوا السجن، لكن ذلك تغير بموجب القانون الذي صدر عام 2006، والذي نص على أن العقوبة القصوى ستكون ثماني سنوات، مقارنة بـ40 سنة، وهي العقوبة القصوى العادية. وكان هناك نوع من المقايضة، إذ إنه كان من المتوقع أن رجلاً مثل أوسبينا سيكشف حقيقة مقتل واختفاء الآلاف، وأن يقدم تعويضات للضحايا وعائلاتهم.
لكن بعد مرور ثماني سنوات، وعلى الرغم من الاعتراف بجرائمه علناً، إضافة إلى أنه واجه ضحاياه، لم تتم إدانة أوسبينا حتى الآن، وهو يقول إنه دفع ديونه للمجتمع بموجب شروط اتفاق التسريح. ويضيف أوسبينا، وهو يجلس على أرضية سجن بوغوتا لابيكوتا: «لم أكن قادراً على منح الضحايا السلام الذي ينشدونه، لأنه لم يكن هناك ما أستطيع عمله للتعويض عن خسائر الأحباء والأقرباء». ويوضح أن «العديد منهم لم يعثروا على بقايا جثث أقربائهم، لأنه تم قذفهم إلى النهر من قبل الأولاد الذين كانوا تحت قيادتي». ويقول «لكنني أشعر حقاً بأني فعلت الصواب، عندما قلت كل المعلومات التي لديَّ».
وهناك 161 من قادة المجموعات على الأقل في السجن، مثل أوسبينا، مؤهلون لإطلاق السراح المشروط هذا العام، بعد أن خدموا عقوبة السجن القصوى، ومدتها ثماني سنوات. ولم تتم إدانة سوى حفنة من الأشخاص بصورة فعلية، في حين أن خمسة من القادة السابقين طليقو السراح حالياً.
ويشعر العديد من الكولومبيين بالسخط إزاء فكرة إعادة دمج الذين أسهموا في القتل والتعذيب، إضافة إلى مجرمي الأعمال العنيفة الأخرى في المجتمع، بعد أن قضوا فترة قصيرة في السجن، ومن دون أن يكشفوا عن حقيقة ما فعله كل منهم، وما ارتكب من جرائم.
لكن بالنسبة للحكومة، فإن الإيفاء بالوعود أمر مهم بالنسبة لمستقبل كولومبيا. ومنذ عام 2012، تجري الحكومة ومتمردو «جبهة فارك اليسارية» محادثات السلام، لإنهاء نصف قرن من الحرب، كما أن المتمردين يراقبون عن كثب لرؤية مدى التزام الحكومة بالاتفاقية، التي تم التوصل إليها مع المسلحين وأفراد الميليشيات. ويقول رئيس العدل الانتقالي في مكتب النائب العام، هيكتور إدواردو مورينو «لدينا التزام بالحفاظ على التزاماتنا التي طرحناها خلال المفاوضات مع الميليشيات، وهي رسالة مهمة أيضاً لجبهة فارك».
وفي الشهر الماضي، تطرق مفاوضو السلام من الحكومة ومن «جبهة فارك» إلى القضية الشائكة للعدل الانتقالي، والتعويضات التي ستقدم إلى الضحايا. ويشعر العديد من الكولومبيين بأن كبار قادة الميليشيات يجب أن يدخلوا إلى السجن لمدة ثماني سنوات على الأقل مثل المسلحين، لكن قادة الجبهة رفضوا أي عقوبة بالسجن. وبخلاف عملية المسلحين، فإن الضحايا يشاركون في المفاوضات.
ويحاول موظفو الحكومة التعلم من مزالق «قانون العدل والسلام»، الذي صدر عام 2006، الذي عالج موضوع المسلحين. وتمت إدانة 36 شخصاً من أصل 2670، هم قادة المسلحين الذين شاركوا في العملية السلمية. وتقول مديرة المركز الدولي للعدالة الانتقالية في كولومبيا، ماريا كاميلا مورينو إن «عملية قانون العدل والسلام، تم تخطيطها بصورة ضعيفة، كما أنه لم يكن لدى الحكومة القدرة على تنفيذها».
وفي البداية، كان من المفروض أن يتم توجيه التهمة لكل شخص ارتكب جريمة، وهو الأمر الذي رحب به الضحايا. لكنّ النواب العامين والمحققين، والقضاة شعروا بصعوبة ذلك نتيجة العدد الكبير من القضايا، الأمر الذي جعل العملية تصل إلى حالة الانهيار. ويقول هيكتور إنه «كان من الخطأ محاولة التحقيق ومقاضاة كل جريمة قام بها كل شخص». ويضيف معلقاً على القانون الجديد الذي سمح بتغيير هذه الاستراتيجية إن «القانون الجديد سمح لنا بالتركيز على الذين يحملون أكبر المسؤوليات، وعلى أنماط محددة من الجرائم». وبحسب التوجيهات الجديدة فقد تمت إدانة 360 شخصاً من المسلحين السابقين مع نهاية العام الماضي.
وعلى الرغم من النواقص التي شابت هذه العملية، إلا أنها كشفت أجوبة حيوية لعدد من الأسئلة المستمرة. وساعدت اعترافات المسلحين على توضيح ملابسات 40 ألف جريمة، بما فيها 1000 مجزرة، ونحو 26 ألف جريمة. وتمت استعادة رفات نحو 5000 شخص كانوا قد خطفوا من قبل مجموعات مسلحة، معظمهم كانوا في قبور غير محددة المعالم.
محاكمات علنية تجمع الضحايا بجلاديهم
تساءلت الكولومبية ماريا كواران: «كيف سيطلقون سراح مرتكبي الجرائم من السجون بهذه البساطة في الوقت الذي لم يعطوا فيه أي شيء للضحايا أو عائلاتهم؟». ويؤكد المسؤولون أنه حتى لو تم إطلاق المسلحين السابقين من السجون، فعليهم أن يحضروا محاكمات تتعلق بقضاياهم.

وتسهم هذه المحاكمات في شفاء آلام البعض الذين فقدوا أحباءهم، مثل الأم فكتوريا بيروز التي لاتزال لا تعرف شيئاً عن ابنها الذي خطف عام 2002، كما تمثل مشاهد المصالحة بين الضحايا ومرتكبي الجرائم راحة للبعض الآخر. وفي إحدى الجلسات، واجهت السيناتورة اليسارية بيدداد كوردووبا روبرتو إيفان دوك الذي خطفها عام 1999، وهو العقل المدبر السياسي وراء مجموعات المسلحين.

وخلال جلسة المحاكمة، أعادت كوردوبا وصف عملية الاختطاف والهجمات التالية ضدها، وقالت إنها كانت مدمرة بالنسبة لها، لكنها سامحت الأشخاص الذين قاموا بتعذيبها، في حين أن دوك أثنى على «روحها»، و«شجاعتها في وجه موت محتمل»، وفي نهاية الجلسة تعانق العدوان السابقان.

وبالنسبة للقائد في المجموعات المسلحة كارلوس ماريا أوسبينا، فإن مواجهة ضحاياه كانت أصعب المراحل. وقال: «إنه مؤلم حقاً أن أرى صورة عائلتي في وجوه هؤلاء». وأضاف أن انضمامه إلى المجموعات المسلحة سمح له بالانتقام لمقتل لثلاثة من أشقائه وعمه على أيدي «جبهة فارك». وقال: «أدرك تماماً ما يشعر به من يحدّ على مقتل أفراد عائلته».

وأكد أوسبينا أنه عرض عليه 100 مليون بيزو (50 ألف دولار أميركي)، إذا وافق على عدم كشف تفاصيل جرائم المجموعة المسلحة التي كان يقودها في بوتومايو، لكنه رفض العرض. وقال: «استغرق مني وقتاً، حتى أصبحت معتاداً قول الحقيقة».

وبعد إطلاق سراحه، نهاية العام الماضي، قال أوسبينا إنه «يشعر بالقلق على سلامته وسلامة عائلته، لكنه لا يخشى انتقام ضحاياه وأقربائهم». وأضاف أنه «إذا قتلت من قبل أحد الضحايا، أعتقد أنه إذا كانت هذه الطريقة التي سأدفع بها الثمن لما فعلته، فإنني مستعد لدفع هذا الثمن، ولكن الأمر الذي أخاف منه هو أن يطاردني الأشخاص الذين أبلغت عنهم».

ثورة كولومبيا على تجارة المخدرات
قبل 22 عاماً، في ديسمبر 1993، قتل زعيم تجارة المخدرات في كولومبيا بابلو أسكوبار، وهو على سطح منزله في بلدته ميدلين من قبل أحد أفراد الشرطة. وجاء موته ليضع نهاية لفترة من تهريب المخدرات. وبالنظر إلى أن تهريب المخدرات استمر في ميدلين، إلا أن الكارتل الذي كان يسيطر على جمع الروابط في سلسلة المخدرات من الإنتاج حتى البيع بالتفرقة مات. وخلال الـ20 عاماً الماضية أصبحت تجارة المخدرات مجزأة كثيراً في كولومبيا، فقد كان أسكوبار الزعيم الذي لا ينازعه أحد على قمة «كارتل ميدلين»، وهو مشروع إجرامي بدأ أولاً في صنع المخدرات بالأدغال، ومن ثم إرسالها إلى الولايات المتحدة بكميات مهولة. ولمدة عامين بعد مقتل أسكوبار واصل «كارتل كالي» العمليات بالأسلوب نفسه، حتى تم اعتقال زعمائه الإخوة رودريغز أورجويلا عام 1995.

وفي عام 1995، تعرض عالم الجريمة في كولومبيا لضربات مهلكة.


ظهور المجموعات المسلّحة

بدأ ظهور المجموعات المسلحة في كولومبيا، عندما قامت حكومة هذا البلد بتخويل وزارة الدفاع تسليح المدنيين، الأمر الذي يقدم قاعدة شرعية للجماعات المسلحة. وكان يطلق على هذه الجماعات اسم «القوات المتحدة للدفاع عن النفس»، التي تتمثل مهمتها في حماية السكان المدنيين ضد الميليشيات.

وبحلول عام 1989، أدت الصرخات المحلية والدولية، الناجمة عن تصعيد انتهاكات حقوق الإنسان من قبل هذه المجموعات، إلى دفع الحكومة الكولومبية إلى تصنيف هذه المجموعات على أنها ميليشيات خارجة عن القانون، عن طريق إصدار القانون 184. لكنّ ذلك لم يغير من الأمر شيئاً، لتفكيك هذه المجموعات.

وبدأ عدد المجموعات يزداد بسرعة في ثمانينات القرن الماضي، نتيجة دخول تجارة المخدرات، وقام مهربو المخدرات الجدد، الذين كانوا يغسلون أموالهم عن طريق شراء قطع كبيرة من الأراضي في شمال كولومبيا، بتشكيل جيوش خاصة للتعامل مع الميليشيات التي كانت تخطف وتبتز أصحاب المزارع الأثرياء في المنطقة.

غموض وتساؤلات

العديد من الأسئلة لم يتم الحصول على أجوبة عنها، إذ إن جثة عمر زوج ماريا كواران لم يتم العثور عليها، على سبيل المثال. واختفى عمر على أيدي المسلحين في جنوب كولومبيا عام 2001، ولم يشاهد مرة ثانية بعدها. وتقول السيدة كواران إنه على الرغم من أن أحد المسلحين اعترف بقتل زوجها، إلا أن الرجل لم يكشف عن المكان التي توجد به رفات ضحيته


 ترجمة: حسن عبده حسن عن «كريستيان ساينس مونيتور»
http://www.emaratalyoum.com/politics/weekly-supplements/beyond-politics/2015-03-12-1.764674

قراءة 1299 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)