المغرب و الأرجنتين: العلاقات الثنائية المستقبلية ما بعد الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية

الإثنين, 09 تشرين2/نوفمبر 2015 12:02

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، في 25 أكتوبر المنصرم، ببلوغ دانييل سيولي مرشحا عن ائتلاف (جبهة من أجل النصر) "اليسار/الوسط"، و ماوريسيو ماكري مرشحا عن ائتلاف (لنُغير) "اليمين-المحافظ" للجولة الثانية المنتظر اجرائها الأحد 22 نوفمبر، و ذلك للضفر برئاسة الأرجنتين لولاية رئاسية من أربعة سنوات تمتد إلى سنة 2019.
العديد من الأطراف، المُهتمة و المُتابعة و المُراقبة، و منها منابر اعلامية عالمية و عواصم دولية و مراكز دراسات و أبحاث، طرحت العديد من الأسئلة عن طبيعة السياسة الخارجية للأرجنتين إذا ما نجح ماوريسيو ماكري بالفوز بالرئاسة، باعتباره الأوفر حظا، بحسب أحدث استطلاعات الرأي بعدما تعذَّر على خصمه دانييل سيولي الفوز بالجولة الأولى.
فوفقا لذات الاستطلاعات، فموريسيو ماكري قد يحصد أكثر من %50 من الأصوات، بينما قد يحصد دانييل سيولي نحو % 40. و إذا ما تحققت هذه النبوءة، فإن هذه الرئاسيات سيكون لها حتما ما بعدها بأمريكا اللاتينية، بحيث ينتظر أن تلقي بظلالها على العديد من الجمهوريات، خاصة تلك الراغبة بالتغيير و الانفتاح على عالم اليوم الآخذ بالتغير يوما بعد يوم.
الأسباب المؤيدة لفرضية فوز المرشح ماوريسيو مكري بالرئاسة متعددة. فهناك أولا، امكانية ظفره بالأصوات المؤيدة للمرشح سيرخيو ماسا، المنهزم بالجولة الأولى. ثانيا، ضمانه أصوات أوساط رجالات المال و الأعمال و الأصوات الغاضبة من الائتلاف الحاكم و ثالثا و أخيرا امكانية استفادته من أصوات الأطراف غير المتحزبة و المترددة و العازفة.
إذا نجح فعلا، وفقا للتوقعات، المحافظ ماوريسيو ماكري فسيُحدث، بالتأكيد، تحولا جذريا بالسياسة الخارجية للأرجنتين سيهم خاصة العلاقات الدولية للأرجنتين مع العواصم الدولية، نظرا لتصوره للعلاقات الدولية و للسياسة الخارجية، و ذلك بدءا بفك الارتباط بالتحالفات الاقليمية القائمة و بالتالي المصالحة مع الغرب (الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية).
التغيرات الراديكالية المُرتقبة على السياسة الخارجية الحالية ستعرف طريقها إلى الواقع بالانقلاب أولا على التحالفات الاقليمية الكلاسيكية، ذات الأبعاد الأيديولوجية، و ذلك بالابتعاد عن تجمعات "اتحاد أمم أمريكا الجنوبية" المعروف باختصار "أوناسور" و "مجموعة دول أمريكا اللاتينية و الكاريبي" المعروفة باختصار "سيلاك" المُكلفة للأرجنتين.
المصالحة المتوقعة مع الغرب تعني بالضرورة تحجيم العلاقة مع تحالفات الرئيسة المنتهية ولايتها، المقصود فنزويلا و الصين وروسيا. بالإضافة إلى تقوية العلاقة مع إسرائيل و بالضرورة تحجيمها مع ايران و الارتقاء بالعلاقات مع بريطانيا المتأثرة بالسيادة على "جزر مالبيناس" بحسب التسمية الأرجنتينية أو "جزر فوكلاند" بحسب التسمية البريطانية.
التصور الجديد للسياسة الخارجية للأرجنتين المُتوقع أن يكون شبيها إلى حد ما بنموذج الرئيس الأسبق للأرجنتين كارلوس منعم (1989-1999)، نابع من كون "الأرجنتين الجديدة" تنظر لعالم اليوم باعتباره فرصة يجب انتهازها و استثمارها و قناعة من تقدير الرئاسة الجديدة المرتقبة بأن الأرجنتين أخطأت العنوان في سياستها الخارجية خلال العقد الأخير.
أمَّا الممارسة الديبلوماسية الفعلية للسياسة الخارجية الجديدة لجمهورية "الأرجنتين الجديدة" فيُنتظر أن تنتهج الحوار بدلا من التصعيد و التوتر و تجنب التورط في النزاعات غير المجدية، و ذلك لدفع الأرجنتين لتكون فاعلا ناشطا بمجموعة العشرين و عضوا رئيسا بتجمع "الميركوسور"، و ذلك للدفع باتجاه توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
أمَّا فيما يهم السياسة الخارجية للرئاسة المُرتقبة تجاه المملكة المغربية، فهناك العديد من المؤشرات التفاؤلية. المقصود العديد من نقاط الالتقاء بين الأرجنتين و المغرب. فوفقا للوثيقة المُسماة "سنكون خارجيا مثلما عليه الأمر لدينا داخليا،" و المُعتبرة بمثابة تصور للسياسة الخارجية، نجد بأن فلسفة ماوريسيو ماكري لهذه الأخيرة تتطابق مع نظيرتها المغربية.

التطابقات الأرجنتينية-المغربية نجدها بالنقاط التالية. أولا، تعزيز الاندماج بالتكتلات الاقليمية (نداءات المغرب إلى انشاء المغرب الكبير). ثانيا، انتهاج سياسة حسن الجوار (سياسة المغرب تجاه جيرانه "إسبانيا والجزائر"). ثالثا، الاهتمام بالشراكات الاقليمية (الخطب الملكية بالقمم الأفريقية و بالأمم المتحدة) و أخيرا الاهتمام بالهوية (الاستثناء المغربي).
لذلك يجوز التقدير، إذا تأكدت توقعات الاستطلاعات، بأن تتطور العلاقات المغربية-الأرجنتينية، خاصة و أن الرئاسة المُرتقبة لها قناعة بأن انفتاح الأرجنتين على الخارج يعد حلا لمشاكلها الداخلية، و لذلك بالمغرب سيكون حتما شريكا قويا، و ذلك بالرفع من التجارة البينية و من الواردات و الصادرات و زيادة الاستثمارات البينية، ما دامت العلاقات الثنائية تكاملية.
أمَّا فيما يهم موقف الأرجنتين من نزاع الصحراء، فيرتقب استمرارها باتخاذ موقفها المحايد، دعما للتسوية الأممية و تجاوبا مع دعم المغرب أحقية الارجنتين باستعادة الجزر المتنازع عليها مع بريطانيا، و قد ساهمت الأرجنتين- للتذكير- سنة 1985، رفقة الولايات المتحدة و الصليب الأحمر، باستعادة المغرب 185 أسير حرب قامت جبهة "البوليساريو" بأسرهم.
إلا أنه يجب على الديبلوماسية المغربية الاستعداد لردود فعلية انفصالية على توطيد الأرجنتين لعلاقتها مع المغرب، كتوظيف البرلمان من طرف "مجموعة الصداقة الأرجنتينية-الصحراوية"، و ذلك بتمرير توصيات تطالب الرئاسة بالاعتراف بوهم "الجمهورية الصحراوية" المعلنة من جانب واحد و غير المعترف بها أمميا و إقامة علاقات ديبلوماسية معها.
السفارة المغربية المعتمدة بالأرجنتين فيجب عليها بدورها اخبار وزارة الخارجية المغربية بالتحركات الانفصالية لتقوم بتنبيه نظيرتها الأرجنتينية، ليتم تحذير رؤساء لجان الخارجية بالبرلمان من توظيفهم من أطراف تحريضية و تحسيسهم بخطورة خطواتهم على مصالح الأرجنتين و تقوم بتوعيتهم بخلفياتها و تحذيرهم من تعكير صفوة العلاقات مع المغرب.

أمَّا إذا فاز دانيال سيولي مرشح تحالف (جبهة النصر) "يسار/وسط"، المدعوم من الائتلاف الحاكم، بزعامة الرئيسة المنتهية ولايتها كريستسنا فرنانديز ديكيرشنر، فلن تكون هناك أية تغييرات تُذكر، ما دام لم يحدث "التغيير" إبان الولاية المرتقب نهايتها قريبا. فكيفما كانت الأمور، فإن المملكة المغربية ستكون الفائز الأكبر من رئاسيات الأرجنتين الجارية.
فالسياسة الخارجية الخاضعة لظروف و سياقات اللحظة التاريخية و اكراهات التعاقدات السابقة و المواقف التقليدية للحكومات، ستحتم على الحاكم الجديد، استحضار الواقعية و البراغماتية، للحفاظ على المصالح العليا للدولة. لذلك يرتقب بالتأكيد عدم خضوع الأرجنتين لضغوطات النزعة الانفصالية الناشطة بها و المدعومة من الجزائر المناوئة للمغرب.
إلا أن التحد الكبير المطروح بالنسبة للدبلوماسية المغربية هو اقناع الرئاسة الجديدة بزيارة دولة رسمية للمغرب. أمَّا بمجرد اعلان النتائج النهائية للرئاسيات الأرجنتينية، فسيبادر الملك محمد السادس ببعث برقية تهنئة للرئيس الجديد، و سيتم تكليف وفد رفيع لتمثيله باحتفالية تنصيبه، و يرتقب أن ينوب عنه رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان نظر لوزن الأرجنتين.
أحمد بنصالح الصالحي: مُهتم و مُتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية و المغربية-الأمريكية اللاتينية

قراءة 2205 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)