اليسار بأمريكا اللاتينية في مفترق طرق تاريخيّة

الثلاثاء, 04 تشرين2/نوفمبر 2014 20:38

قبل نحو عشرة أعوام، بدت أمريكا اللاتينية تتّخّذ منحى نحو اليسار متجسّدًا في شخصيّات مثل الكولونيل هوغو تشافيس في فنزويلا (وصل إلى الحكم سنة 1999) والعامل لويز إيناثيو لولا داس يلفا في البرازيل (2003) أو النقابي إيفو مورالس في بوليفيا (2006) الّذي أُعيد انتخابه من الجولة الأولى يوم 12 أكتوبر، في حين أنّ الرئيسة ديلما روسيف ـ خليفة لولا ـ انتزعت فوزها في الجولة الثانية يوم الأحد 26 أكتوبر. أمّا ورثة تشافيس ـ الّذي مات في سنة 2013 ـ، فهم في حالة فوضى. هل نشهد تغييرًا؟

تراجع الديكتاتوريات العسكرية والأنظمة الاستبدادية عزّز عودة اليسار. ففي التشيلي، حصل الانتقال الديمقراطي منذ 1990 تحت راية تحالف حكومي من اليسار الوسط. وفي سنة 2000، لأوّل مرّة بعد الإطاحة بسلفادور ألدي (1970-1973)، انتُخب اشتراكي آخر ريكاردو لاغوس رئيسًا للتشيلي.

وقد ألهمت هذه التجربة التشيلية شعوب البرازيل والأوروغواي وفي حدود معيّنة الأرجنتينيين. ولعدم حصوله على الأغلبية البرلمانية، كوّن حزب العمّال بقيادة لولا تحالفًا مع أحزاب من الوسط واليمين.

وفي منتيفيديو، توزّعت الجبهة لتشمل قوى يسارية ووسطية منذ 2005. وفي بوينوس آيروس، صار البيروني نستور كيرشنر المنتخب في سنة 2003 من اليسار الوسط.

ظهور النساء

ولا تشبه البيرونية ولا التحالفات الجديدة لليسار الوسط تمامًا اتّحاد اليسار التشيلي بقيادة سلفادور ألندي الّذي يمثّل حتى الآن المرجع الرئيس لـ “الطريق السلمي نحو الاشتراكية”. ولا نظام كاسترو الذي يحكم كوبا منذ 55 عامًا. وفي أمريكا اللاتينية، اليسار منقسم ليس بإرادة من اليساريين، ولكن لأنهم غير متجانسين أساسًا. وزاد هذا التنوّع مع التبشير التشافيسي بفضل عائدات النفط.

إنّ التحوّل نحو اليسار ارتكز على عودة السانديني دانيل أورتيجا في نيكاراغوا وانتخاب رافائيل كوريا في الإكوادور عام 2007، ثمّ انتصار الوسط في السلفادور في 2009.

وقد أدرك جزءٌ من المقاتلين السابقين أنّ السلطة لا تُوجد على فوّهات البنادق، ولكن في عمق صناديق الاقتراع: وإلى جانب السلفادوريين كذلك، رئيس الأوروغواي خوزيه موخيكا الّذي انتُخب في عام 2010 والبرازيلية ديلما روسيف في السلطة منذ 2011.

وقد كان ظهور النساء ملفتًا على رأس الدولة مع الاشتراكية ميشال باشلاي في التشيلي (2006) وكريستينا كيرشنر في الأرجنتين (2007) والاشتراكية الديمقراطية لورا شنشيلا في كوستا ريكا (2010).

إلّا أن هذا التحوّل شهد توترًا بسبب نتائج أخرى. ففي المكسيك، خسر اليسار لصالح اليمين، التغيّر التاريخي في سنة 2000 بعد 70 عامًا من حكم الحزب الثوري المؤسساتي. وفي كولومبيا، أثّر وجود أحزاب مقاتلة من أقصى اليسار على الديمقراطيين التقدميين الّذين كافحوا من أجل الظهور حتى وإن عُوّضت حرب ألفارو أوريب برئيس من اليمين الوسط خوان مانويل سانتوس في 2010، وقد أعطى هذا الظهور الأمل للناخبين ذوي الميل إلى اليسار خاصّة في بوغوتا. ثمّ اتّخذ سانتوس خيار التفاوض لحلّ الصراع الداخلي المسلّح.

أيتام الطوباوية

هل ستغيّر سنة 2014 مع الانتخابات الرئاسية السبعة المعطيات في أمريكا اللاتينية؟ هل نشهد نهاية حقبة أو تحوّلًا نحو اليمين؟

أُعيد انتخاب ديلما روسيف بعد كفاح في الجولة الثانية بنتائج متقاربة مع غريمها الاشتراكي الديمقراطي أسيو نيفيز المدعوم من قبل الاشتراكية الناشطة في مجال البيئة مارينا سيلفا. وفي الأحد نفسه 26 أكتوبر، في الأوروغواي، تساوت النتائج تقريبًا بين الرئيس السابق تابراي فازكيوز رغم شعبيّته مع منافس شاب لويس لاكال بو (اليمين الوسط).

ومنذ بداية 2014، تزايدت الأخبار الجيّدة لليسار. وفي التشيلي، ميشال باشلاي بدأت ولاية ثانية غير متتالية بعد فاصل يميني. وفي بوليفيا، الولاية الثالثة لإيفو مارالس لاقت دعمًا كبيرًا من قبل الناخبين. إلّا أنّ في السلفادور المقاتل السابق سلفادور سانشز سرن انتُخب يوم 9 مارس بفارق 6 آلاف صوت فقط بينه وبين منافسه الوسطي.

أمّتان صغيرتان في أمريكا الوسطى اختارتا التغيير: كوستاريكا في أبريل وبناما في مايو، كما انتُخب الكولمبي سانتوس لولاية ثانية يوم 15 يونيو. وقد كانت هذه الانتخابات الثلاثة في صالح الوسط.

إلّا أن الأخبار السيئة تتراكم بالنسبة لليسار. فالأزمة الطويلة في الحكم في فنزويلا أربكت ورثة تشافيز، وكذلك أنصاره في البلدان الأخرى. وفي المكسيك، مثّل انقسام اليسار نعمة للحزب الثوري المؤسساتي الّذي عاد إلى الحكم بعد 12 عامًا من حكم اليميني (200-2012). بالإضافة إلى أن الأزمة الأمنية في دولة المكسيك شوّهت سمعة المنتخبين اليساريين. وفي الأرجنتين، لا يملك أنصار كيرشنر مرشّحًا للانتخابات الرئاسية في 2015 في مواجهة معارضة منقسمة.

وأخيرًا، تستمرّ كوبا في تبنيّ تغييرات اقتصادية بجرعات خفيفة دون أيّ إصلاح سياسي. ولا يزال اليسار في أمريكا اللاتينية يضمّ في الآن نفسه ثوريين بلا ثورة وأيتام الطوباوية وإصلاحيين غير قادرين على القيام بإصلاحات تليق بانتمائهم.

دورة جديدة

اتّهمت الاضطرابات الاجتماعية في 2013 حزب العمّال بتقصيره في قطاع الصحة العمومية والتربية والنقل بعد ثلاث ولايات رئاسية. وعليه القيام بإصلاح ضريبي وإصلاح القواعد السياسية في ظلّ نظام هشّ ببرلمان (كونغرس دي برازيليا) يضمّ 28 حزبًا.

والإنجازات الاقتصادية لإيفو مورالس مكّنته من ولاية ثالثة مثل رئيس الإكوادور رافائيل كوريا في 2013. وعلى الرغم من مناهضتهما للإمبريالية، فإنهما يحترمان التوازنات الكبرى للحسابات العامة.

في المقابل، في فنزويلا والأرجنتين، أظهر التضخّم والركود والفساد مأزقًا للنظامين الشعوبويين: التشافيزية والبيرونية. وفي البرازيل، أفقد الاختلاس وضعف الأداء الاقتصادي حزب العمال أصوات؛ إذ انهار في اثنين من معاقله التاريخية: ساو باولو وريو غراندي دو سول.

لا يشهد اللاتينيون الأمريكيون تحوّلًا مفاجئًا نحو اليمين، إلا أنّهم بلا شكّ يسارعون بداية دورة جديدة أكثر براغماتية وأقلّ أيديولوجيًّا. ولم تعد هافانا وكاراكاس الممرّ الوحيد ولا الأنموذج. ولليسار اليوم بتنوّعه القدرة على التكيّف والانتعاش شريطة ألّا يتمسّك بالبدع القديمة.

لوموند
30/10/2014
http://altagreer.com/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%B1%D9%82-%D8%B7%D8%B1%D9%82

قراءة 1249 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)