البرازيل ونهاية التقشف المالي

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 11:06

لم يكن هناك خطاب وداع، ولا صفق لأبواب القصر كما يحدث عادة في الأحوال الطبيعية. فعندما انتهى الأمر يوم الجمعة الماضي، وخرج «جواكيم ليفي» وزير مالية البرازيل في نهاية المطاف من منصبه، فإن هذا الخروج كان في الحقيقة أشبه ما يكون بحالة نموذجية يجب تدريسها لكيفية الخروج من المنصب على نحو غير مشرف.

ورغم أن ليفي قد سلم مهام منصبه رسمياً لنيلسون باربوسا، الذي ساهم من خلال منصبه كوزير للتخطيط في تدعيم جهود ليفي الساعية لتكريس سياسات التقشف، فالحقيقة أن وضعه على رأس وزارته، كان قد بات مقلقاً منذ أغسطس الماضي، عندما تجاهلته الرئيسة ديلما روسيف، وأرسلت ميزانية عام 2016 التي بلغ مقدار العجز فيها 8.1 مليار دولار إلى الكونجرس مباشرة.

وكان دفاع ليفي عن تحصيل عوائد ضريبية جديدة لحكومة معروفة بتحللها من القيود المالية، ودعوته للتقشف وسط مشرعي قوانين معتادين على الحياة الرغدة، وإقدامه على تنفيذ إصلاحات هيكلية في طبقة سياسية مهووسة بفكرة البقاء.. قد أدت جميعها لفقدانه مكانته السياسية تدريجياً، وفقدان بلاده المزيد من مكانتها على الساحة الدولية.
والسؤال الذي يتردد الآن في البرازيل هو: ما الذي لم يتمكن ليفي من تحقيقه، ويؤمل باربوسا أن يحققه؟
الحقيقة أن باربوسا يتولى مهام منصبه في وقت يعاني فيه اقتصاد بلاده، وهو أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، من أسوأ موجة ركود يتعرض لها خلال ربع قرن، وبالتالي فإنه إذا ما استمرت وتيرة الحركة الاقتصادية على ما هي عليه الآن، فذلك يعني أن البرازيل سوف تدخل في «عقد مفقود» آخر.

لكن باربوسا يأتي حاملاً معه ميزة كبرى ستساعده في منصبه الجديد تتمثل في «التقارب الأيديولوجي»، حيث ينتمي لليسار الأكاديمي المعتدل، وهو حاصل على الدكتوراه من «المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية»، وكان قد لقى استحساناً من حزب العمال اليساري للعبه دور الحمامة المالية في مناقشة الميزانية، مقابل دور الصقر الذي كان يلعبه ليفي.

وتمكن باربوسا من استثمار ذلك التقارب الأيديولوجي في تحقيق انتصارات سياسية في كل صراع خاضه في مجلس الوزراء. لكننا إذا ما أخذنا في الحسبان الضربات التي تعرضت لها العملة والسندات البرازيلية الاثنين الماضي، فسندرك أن عملية اجتذاب مستثمرين جدد للاستثمار في البلاد سيكون أمراً أكثر صعوبة بالنسبة لباربوسا. ومما يحسب له أنه بادر بتقديم وعود بالسعي جاهداً لتحقيق التوازن المالي، والتخلص من الحيل المتبعة في إعداد الحسابات، مثل إجبار البنوك التابعة للدولة على تغطية عجوزات الميزانية، كما تعهد بتبني إصلاحات هيكلية في نظام المعاشات المعتل.

أما الرئيسة روسيف، التي تبذل قصارى جهدها لتجنب الخضوع للمساءلة من قبل الكونجرس، والتي يجد حلفاؤها السياسيون الأساسيون أنفسهم عالقين في براثن تحقيق آخذ في الاتساع، بشأن وقائع فساد متعلقة بشركة البترول الحكومية العملاقة «بيتروجاس»، فلم تجد سوى العودة إلى حلفائها القدامي في اليسار، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لمخاطر التي يواجهها الاقتصاد البرازيلي مرتفعة، خصوصاً بعد أن خفضت مؤسسة «ستاندرد آندبورز» التصنيف الائتماني للديون السيادية البرازيلية من الدرجة الاستثمارية، وهو ما سيزيد من نفقات الاقتراض في وقت يواجه فيه الاقتصاد ركوداً.
ومنذ زمن ليس بالبعيد، كانت البرازيل أفضل رهان في المنطقة، وكانت تزهو باقتصاد نام بسرعة، ساهم في رفع مستوى معيشة الفقراء واجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

وعندما تبدلت الأحوال، لم تلجأ الحكومة البرازيلية إلى الإصلاحات كما هو مفترض، بل إلى نوع من ألعاب خفة اليد السياسية، حيث أرسلت ليفي للخارج على أمل إنقاذ الاقتصاد البرازيلي المتداعي، بينما كان منافسوه في القصر، والذين ينفقون من دون حسيب أو رقيب، يدفعون باتجاه التخلص منه. وكانت نتيجة ذلك أن ليفي قد انحدر خلال عام واحد من نصير للاستقامة الاقتصادية، إلى مُمكّنْ لحكومة تتبنى عادات سيئة.

والآن فإن باربوسا مطالب حتماً بأن يكون ليفي ونقيضه في الآن ذاته: فهو مطالب بإقناع المستثمرين الأجانب بأنه جاد فيما يتعلق بالحد من الإنفاق، مع القيام في الآن ذاته بتقديم وعود للبرازيليين الذي طحنتهم الأزمة الاقتصادية بأنهم لن يدفعوا ثمن الخروج من تلك الأزمة.
ماك مارجوليس
*محلل سياسي أميركي مقيم في ريو دي جانيرو

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
http://www.alittihad.ae/details.php?id=636&y=2016&article=full

قراءة 1076 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)